لم يعش العرب مثل هذا المستوى من الضعف، كما هو عليه الحال اليوم، فلم يستطع القادة العرب بما يملكون من نفوذ، منع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من نقل السفارة إلى القدس، كما منعوا رؤساء من قبله ظلوا يتحاشون الإقدام على هذه الخطوة خوفاً من تداعيات هذا القرار على العلاقات الأمريكية - العربية، بما فيها خوف أن تسود الفوضى وعدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، لكن ماذا يريد ترامب أكثر من الوضع الذي تعيشه الشعوب العربية من حروب، وأزمات، وخلافات في كل مكان لينفذ وعده؟
خطوة نقل الولايات المتحدة سفارتها إلى القدس، ومعها دول أخرى تسير في فلكها، كان متوقعاً، لأن ذلك كان جزءاً من وعود ترامب في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وقد أوفى بهذه الوعود التي منحها ل»إسرائيل»، لكنه في الحقيقة منح شيئاً ليس ملكه، ولا يحق التصرف فيه، وهو بذلك كما يمنح رجل هدية لطفله لم يشترها بالأساس، بل قام بخطفها عنوة، لذلك، مهما أسبغ ترامب على خطوته من تبريرات، فإن العالم أجمع يدرك أن القدس جزء من فلسطين، وقد رويت أرضها بدم ودموع أبنائها، حيث قدموا من أجلها آلاف الشهداء والجرحى، ولن تكون لخطوة ترامب المستفزة بالتصرف خارج الإجماع الدولي أي قيمة لا اليوم، ولا في المستقبل.
وبالعودة إلى الحديث عن ضعف العرب، وانشغالهم بأزماتهم الداخلية، فإنه يمكن القول إن «الإسرائيليين»، ومعهم بالطبع الأمريكيون، استغلوا هذا الانقسام الحاصل في الجسد العربي، ليقدِموا على هذه الجريمة. انقسام شجع الدولتين، ومعهما دول لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، على اتخاذ مثل هذه الخطوة المستفزة، المتمثلة في نقل سفاراتها إلى القدس، مع أن هذه الدول تدرك يقيناً أن الثابت الوحيد هو «فلسطينية القدس وعروبتها»، وما عدا ذلك مجرد أوهام.
صحيح أن اجتماع وزراء خارجية الدول العربية خرج بعدد من القرارات في ختام اجتماعهم أول من أمس، في مقر الجامعة العربية بالقاهرة، إلا أن هذه القرارات تضاف إلى سلسلة قرارات أخرى جرى اتخاذها في قمم عربية، واجتماعات استثنائية سابقة لم تجد طريقاً للتنفيذ، وما لم تتبع ذلك خطوة حقيقية تعيد الأمور إلى نصابها فلن يتغير أي شيء في المشهد، وستبقى «إسرائيل» تعربد في كل مكان، وستجد من يعينها على هذه العربدة، ممثلاً في الولايات المتحدة ، ذلك أن أي رئيس يخلف ترامب، لن يكون باستطاعته اتخاذ قرار معاكس، لذلك إذا لم يتم التحرك العربي بشكل جدي، وحقيقي اليوم، فلن تكون لهم قدرة على فعل شيء في المستقبل.
تبدو الأسئلة المطروحة لمواجهة تداعيات نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، كثيرة، خاصة في ما يمكن أن يستطيع العرب فعله من أجل تغيير المعادلة القائمة اليوم في منطقة الشرق الأوسط، وتحديداً في موضوع القدس، إلا أن هذه الأسئلة تكبر أكثر، عندما نرى المشهد العام في المنطقة العربية التي تتجاذبها الانقسامات داخل كل بلد، فهذه الانقسامات تمنح «إسرائيل» والولايات المتحدة الاطمئنان من أن رد الفعل لن يتجاوز الشجب والاستنكار.
السبت 19 أيار (مايو) 2018
القدس والانقسام العربي
صادق ناشر
السبت 19 أيار (مايو) 2018
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
51 /
2342227
ar أقلام wikipedia | OPML OPML
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC
34 من الزوار الآن
Visiteurs connectés : 34