] تشكيل «حكومة فلسطينية في المنفى» هو قلب لطاولة المفاوضات - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الخميس 30 كانون الأول (ديسمبر) 2021

تشكيل «حكومة فلسطينية في المنفى» هو قلب لطاولة المفاوضات

عماد شقور
الخميس 30 كانون الأول (ديسمبر) 2021

لم أتفاجأ (كثيراً) من كثرة الردود والتعليقات على مقالي الأخير، قبل أسبوعين، في «القدس العربي» والذي كان بعنوان «حكومة فلسطينية في المنفى ومقرها الجزائر». كما لم أتفاجأ أيضاً من تباين التعليقات والردود العامة، (في زاوية التعليقات في الجريدة) والردود الخاصة والمباشرة، (من خلال صفحات التواصل الاجتماعي). تنوّعت تلك التعليقات والردود وتباينت، من أقصى تعابير وكلمات الاستحسان والترحيب، الى أقصى التشكيك والرفض.. وحتى الاتهام والشتم.
قلت إنني لم أتفاجأ، وسبب ذلك أن الموضوع جديد في مضمونه وتوجهه، بل وربما صادم للبعض أيضاً، كونه خارجا عن المألوف، من نقاشات وحوارات تكتظ بها الساحة الفلسطينية، وسواء في ذلك إن كانت النظرة إلى هذا الخروج سلبية أم إيجابية. ومن الطبيعي أن يستدرج ذلك تعاطياً مع الموضوع من كافة أطياف القوس الفلسطيني.
توضيحاً للدوافع التي قادت إلى طرح موضوع الدعوة إلى تشكيل حكومة منفى فلسطينية واعتماد الجزائر مقرّاً لها للنقاش، يمكن أن أُسجّل قناعاتي في نقاط محددة:
1ـ هناك أغلبية ساحقة في جميع أماكن تواجد الفلسطينيين، (في مناطق الإحتلال الأولى، 1948، وفي مناطق الاستعمار التالية، 1967، وفي مخيمات اللجوء ودول الشتات) غير راضية بما هو الحال الفلسطيني عليه، على كل صعيد تقريباً.
2ـ لا يجادل وطني فلسطيني عاقل، في أن المصلحة الوطنية الفلسطينية العليا، هي التشبّث بـ«منظمة التحرير الفلسطينية» ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني، في كافة أماكن تواجده، (منذ صدر ذلك التعبير في البيان الختامي للقمة العربية التي عقدت في الجزائر، وأصبحت تلك حقيقة ثابتة، معزّزة بقبول الأردن لها، واتخاذ الخطوات الرسمية الخاصة بفك الارتباط بين ضفّتي نهر الأردن) إلى حين انجاز الهدف الذي أُقيمت من أجله: تحرير أرض الوطن من الاحتلال والاستعمار الإسرائيلي، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة الكاملة.
3ـ فشلت إسرائيل في خلق أُطُر فلسطينية بديلة للمنظمة ومنافسة لها. كان الفشل الأول في عدم الخروج بنتيجة إيجابية من الجلسة التي عقدها (أو قل فرضها) موشي ديان في منزل الشاعرة الوطنية الفلسطينية الراحلة، فدوى طوقان، في نابلس، بعد أشهرٍ قليلة من حرب حزيران/يونيو 1967. وفشلت المحاولة الإسرائيلية الثانية في استمالة رؤساء البلديات في الضفة الفلسطينية وقطاع غزة، ودفعهم لتشكيل إطار فلسطيني قيادي لتمثيل الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية التي احتلت في تلك الحرب. ثم فشلت في المحاولة الثالثة الكبرى، المعروفة باسم «روابط القرى».
4ـ وجاءت بعد ذلك المحاولة الرابعة، عندما التقى اسحق رابين بالشيخ الشهيد أحمد ياسين، سنة 1987، وتمّت إثر ذلك اللقاء، (حسب مصادر إسرائيلية) إقامة «حركة المقاومة الإسلامية ـ حماس» دون ذكر لـ«فلسطين» وليس بسبب السهو، حسب اعتقادي على الأقل.
5ـ على مدى سنوات جهاد ونضال المنتمين إلى «حماس» من سنة 1987 حتى سنة 2006، تمكّنت الحركة، بفعل تضحيات أعضائها، من تثبيت حضورها وتمثيلها لقطاعات واسعة في الساحة الفلسطينية، دون أن تقبل الانضمام لمنظمة التحرير الفلسطينية، وظلت متشبّثة بهويتها الإسلامية، الطاغية على هويتها الوطنية الفلسطينية، وأقدمت في حزيران/يونيو 2007 على الخطوة الأكبر: خطوة الانقلاب العسكري والدموي على الشرعية الفلسطينية، وأنشأت ما يمكن اعتباره «إمارة غزة» وأعطى هذا التطور االكبير الحجة والمبرِّر لإسرائيل، للتعامل مع «سلطتين فلسطينيتين» تطبيقاً عملياً لسياسة «فرِّق تسُد».

إن إعداد منظمة التحرير الفلسطينية لتشكيل «حكومة فلسطينية في المنفى» وإعلانها رسمياً، هو رفع وتصعيد للنضال الوطني الفلسطيني ضد إسرائيل، وهو عملياً قلب لكامل طاولة المفاوضات العبثية مع حكومات إسرائيل المتعاقبة

6ـ في ضوء كل ما تقدّم، وما نتج عنه من تراجع واضح في مكانة منظمة التحرير الفلسطينية، ومن التشكيك المبرّر في صفتها «ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني»؛ وفي ضوء فشل كل محاولات إعادة توحيد الصف الفلسطيني على مدى أكثر من خمسة عشر سنة، حتى الآن؛ وفي ضوء الفشل في إصلاح وتنشيط أُطر المنظمة القيادية: المجلس الوطني الفلسطيني، واللجنة التنفيذية، وكافة دوائر المنظمة؛ يكون قد حان وقت البحث «خارج الصندوق» عن حلّ يعيد تماسك جماهير الشعب الفلسطيني، تحت قيادة جديدة لجسم تمثيلي جديد، يقود النضال الفلسطيني على طريق التحرير.
7ـ لا يضيرنا في هذا السياق، إعادة التذكير، مرّة ثانية، بتجربة سياسية فلسطينية ناجحة سنة 1997، كان بطلها الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات. ملخّص تلك التجربة هو أنه بعد اغتيال اسحق رابين، وفشل شمعون بيرس في الحفاظ على كرسي رئاسة الحكومة الإسرائيلية، وصل بنيامين نتنياهو للسطة في إسرائيل، وراح يماطل في موضوع انسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي من مدينة الخليل، وتسليمها للسلطة الفلسطينية. ضاق الزعيم الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات، ذرعا من سياسة وتصرفات نتنياهو وحكومته. وعندما تيقن أن نتنياهو «يرفض» الانسحاب من مدينة الخليل، ولا «يماطل» في ذلك فقط، اتخذ القرار الجريء ببدء الترتيبات لنقل مقر القرار والقيادة الفلسطينية، من رام الله وغزة الى القاهرة، مع كل ما يعنيه ذلك من وضع إسرائيل، وجيش الاستعمار الإسرائيلي في مواجهة مباشرة مع جماهير الشعب الفلسطيني. وكان من حسن حظي أن أتاحت لي الظروف، حينها، الاطلاع والمساهمة في بعض تلك التطورات والخطوات السياسية، الأمر الذي يمكنني من تأكيد هذه الواقعة بالتحديد.
وعندما تأكدت حكومة نتنياهو، وراعيتها، إدارة الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، بجدية قرار أبو عمار، طلبت تلك الإدارة من الملك الأردني الراحل الحسين بن طلال، (الذي كان قيد العلاج في مايو كلينك في الولايات المتحدة) التوسط والتدخل.
وعاد الملك حسين من مستشفاه إلى عمّان، وانتقل منها مباشرة بطائرة مروحية في رحلات مكوكية بين تل أبيب وغزة، وأسفرت جهود الملك عن تراجع نتنياهو عن تشدّده في قضية الانسحاب من الخليل، وتم إقرار اتفاقية جلاء قوات الاستعمار الإسرائيلي عن 80٪ من مسطّح المدينة، وعن تحويل 13٪ من أراضي المنطقة ج3 الى 12٪ ج2، و1٪ ج1، وتخصيص السلطة الفلسطينية لـ 3٪ من أصل الـ 12٪ لتكون «مناطق خضراء» أي محميات طبيعية، لأنها مناطق جبلية وأحراش.
أثمر قرار أبو عمار الجدي بالاستعداد وبدء التحضير لنقل مقر القرار والقيادة الفلسطينية من رام الله وغزة إلى القاهرة، ورضخت حكومة نتنياهو اليمينية العنصرية المتغطرسة، وانسحبت من 80٪ من مسطح مدينة الخليل.
معروف أن الظروف تغيرت كثيراً ما بين تلك المرحلة وأيامنا هذه. لكن هناك عبراً من دروس تجربتنا هذه ومن تجارب نضالية سابقة لتجربتنا، يجدر بنا استيعابها والبناء عليها.
8ـ لم يكن قرار أبو عمار المذكور هروباً من ساحة الصراع وأرض المعركة والمواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي. بل العكس من ذلك تماما: كان القرار رفعا للتحدي والمواجهة إلى مستويات أعلى وأكثر عنفا.
9ـ لم يكن قرار الزعيم الجزائري العربي الراحل، احمد بن بيلا، ومن معه تشكيل «الحكومة الجزائرية في المنفى» واتخاذ تونس مقراً لها، هروبا من المواجهة والصراع مع قوات وجيش الاستعمار الفرنسي للجزائر. بل كان ذلك تأكيداً على تصميمه مواصلة وتصعيد كافة أوجه الصراع، العسكرية والسياسية، مع الاستعمار الفرنسي للجزائر.
10ـ من قال إن تشكيل «حكومة فلسطينية في المنفى» يتراوح عدد أعضائها بين خمسة إلى عشرة أعضاء فقط، يعني تفريغ إرض الصراع في فلسطين من الجماهير الفلسطينية صاحبة الحق والقدرة والمصلحة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي؟
إن إعداد منظمة التحرير الفلسطينية لتشكيل «حكومة فلسطينية في المنفى» وإعلانها رسمياً، هو رفع وتصعيد للنضال الوطني الفلسطيني ضد إسرائيل، وهو عملياً قلب لكامل طاولة المفاوضات العبثية مع حكومات إسرائيل المتعاقبة، وتغيير لطريق «المسيرة السلمية» التي نجحت إسرائيل حتى الآن في جعلها مسيرة لا نهاية لها.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 47 / 2342879

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات وقضايا   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

36 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 36

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28