] نهاية آبي وسدّه - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
السبت 13 تشرين الثاني (نوفمبر) 2021

نهاية آبي وسدّه

السبت 13 تشرين الثاني (نوفمبر) 2021 par عبدالحليم قنديل

ربما لن يختلف كثيرا مصير آبي أحمد رئيس وزراء إثيوبيا عن نهاية سلفه الأسبق مانغستو هيلا ميريام، فقبل ثلاثين سنة، هرب مانغستو إلى زيمبابوي، وقد يهرب آبي إلى مدينة زجاجية على شاطئ الخليج العربي، بينما الطرف المنتصر في الحالتين من العنوان نفسه تقريبا، وبالذات من «جبهة تحرير شعب تيغراي» التي قادت حكم إثيوبيا لمدة 27 سنة، قبل أن يصعد آبي أحمد عام 2018، ويكون بعدها حزب «الازدهار» الذي كان طريقا ممهدا لانهيار حكمه وربما إثيوبيا ذاتها.
كان حكم مانغستو من مواليد فترة التوسع السوفييتي «الماركسي» جنوبا، وبدأت سيرته الدموية بقتل سلفه الإمبراطور هيلاسيلاسي في حمام قصره، واستمر يحكم بالحديد والنار من 1974 إلى أوائل تسعينيات القرن العشرين، حين ترنح فسقط مع ضعف، فتوقف العون السوفييتي، وفي الوقت نفسه تقريبا، الذي تداعت فيه نظم الحكم الشيوعي في أفغانستان واليمن الجنوبي، بينما كانت موسكو «الشيوعية» نفسها في النفس الأخير، وكان مانغستو في حوليات التاريخ الإثيوبي، آخر أمهري يحكم أديس أبابا، وخلفه الزعيم الشاب ميليس زيناوي «التيغراني» الذي توفي عن 57 سنة عام 2012، ليعقبه التيغراني»هيلا ميريام ديسالين حتى عام 2018، حين تصاعد غضب قومية «الأورومو» من حكم تسيطر عليه «التيغراي» ووقع الاختيار على آبي أحمد رئيسا للوزراء، الذي كانت أصوله «الأورومية» من مؤهلاته، فوالده كان أوروميا ومسلما، بينما أمه وزوجته من قومية «الأمهرة» المسيحية الأرثوذكسية، وهو نفسه مسيحي بروتستانتي تابع لكنيسة أمريكية، وبدت أحواله المختلطة كعناصر تصالح سياسي، خففت قليلا من غضب وثورات «الأورومو» لكن لم يدم شهر العسل مع آبي طويلا، بسبب طموحه لأن يكون امبراطورا «أمهريا» جديدا، وتكوينه لحزبه «الازدهار» الذي سعى لدمج أعراق إثيوبيا الثمانين في قومية تعسفية واحدة، يقودها الأمهرة أساسا، تماما كما كان ماضي الأباطرة من مينليك الثاني إلى هيلاسيلاسي، وهو ما جمع الأضداد في حلف اضطراري واحد، على نحو ما جرى أخيرا في حلف الأقاليم التسعة، الذي أعلن من واشنطن، وشارك في قيادته جيش «الأورومو» وجيش «التيغراي» واتخذ اسما مؤقتا هو «الجبهة المتحدة للقوات الفيدرالية والكونفدرالية الإثيوبية» وكانت إضافة كلمة «الكونفدرالية» لافتة، فهي تتيح لأقاليم إثيوبيا الفيدرالية العشرة، حق استقلال الجيوش والعلاقات الخارجية، كما حق الانفصال وتقرير المصير الوارد أصلا في المادة 39 من الدستور الإثيوبي، وهو ما قد يعني أننا هذه المرة، قد لا نكون بصدد نظام يخلف نظام آبي فقط، بل بصدد استراحة موقوتة من حرب أعراق، قد تختفي معها إثيوبيا التي نعرفها، وتنتهي إلى مصير يشابه ما جرى في يوغسلافيا السابقة، التي حلت على أنقاضها ست دول، إضافة لمقاطعة «كوسوفو» ذات الحكم الذاتي، ربما مع فارق أن إثيوبيا قد تتجاوز التقسيم السباعي، وبطلاق دموي غالبا بعد رحيل آبي المنتظر، وهو ما نبهنا إليه بوضوح قبل أكثر من عامين.

وقد لا يكون مهما أن نتوقف عند ما يقال عن أدوار خارجية، وراء ما يجري داخل إثيوبيا، أو عند ما يقال بالذات عن دور للدولة المصرية ومخابراتها، على طريقة مزاعم آبي أحمد المحاصر اليوم داخل أديس أبابا، بينما الدولة المصرية نفسها صامتة رسميا، ولا تسمح لإعلامها المرئي غالبا بتناول ما يجري في إثيوبيا، وكأنها تكتفي بالوقوف عند حافة نهر النيل، تنتظر الجثث، ونهاية صداع «سد النهضة» الإثيوبي، الذي لا يشكل خطرا حتى اليوم على حصة مصر من مياه النيل البالغة 55.5 مليار متر مكعب في السنة، وقد زادت ولم تنقص للمفارقة، وإن كان الخطر واردا مع الملء الثالث لبحيرة السد في يوليو 2022، بعد فشل جولتي الملء الأولى والثانية، واحتجازهما معا لما لا يزيد عن ثمانية مليارات متر مكعب مياه، لا تثير مخاوف كبرى في حال توجيه ضربة محتومة لسد الخراب، أو لسده الركامي المساعد «السيرج» وعلى مدى الشهور المقبلة، سوف تواصل القاهرة غالبا ضغطها الصامت، بعد أن قررت اتخاذ إجراءات طوارئ في «بحيرة ناصر» خلف السد العالي، تزيد من الطاقة التخزينية الهائلة، وبما يكفل استيعاب كل المياه المحتمل ورودها حال انهيار السد الإثيوبي، تلقائيا أو بفعل ضربة، خصوصا بعد ما جرى ويجري من تقويض للخطر الإثيوبي برمته، وانفساح المجال لاحتمالات وتغيرات دراماتيكية في المشهد الإثيوبي، قد لا تتأخر كثيرا، وقد يتقلص مداها إلى أسابيع، وقد لا تتضمن بالضرورة حربا مهلكة داخل أديس أبابا نفسها، وهي مدينة كبيرة نسبيا يزيد عدد سكانها على الخمسة ملايين، وتقع جغرافياً، رغم انفصالها الإداري داخل إقليم «الأورومو» الذي تقترب قواته المتمردة من العاصمة، التي يسميها «الأورمو» بلغتهم «فين فينّي» وليس أديس أبابا، ويحرص «جيش تحرير الأورومو» على الوصول إليها أولا، رغم التحالف الميداني المعلن مع «جيش التيغراي» الذين يديرون الخطط العسكرية بإحكام أكبر، ويرفضون أي تفاوض، لا يكون من نتائجه ذهاب آبي أحمد المتهم عندهم بذبح وتشريد وتجويع شعب التيغراي بملايينه السبعة، وهؤلاء يرون أنهم الأحق بحكم إثيوبيا، ويعتبرون أن أرض تيغراي «رحم الأمة» الإثيوبية، وقد كانت موطنا لمملكة «أكسوم» القديمة سنة 980 قبل الميلاد، ورغم اشتراكهم في «المسيحية الأرثوذكسية» مع «الأمهرة» إلا أن الطرفين باتا في حالة «تار بايت» وقد يكون «سد النهضة» مما يجمع التيغراي مع الأمهرة، وقد بدأ زيناوي «التيغراني» رحلة السد، وقرر زيادة طاقة تخزينه من 11 مليار متر مكعب إلى 74 مليارا، وبما حوله إلى مشروع كارثي الأثر مستقبلا على حصة مصر المائية، لكن ما جرى ويجري في النهر والسد وإثيوبيا، لا يعني بالضرورة، أن قائد التيغراي الجديد دبرصيون جبرميكائيل، قد يتبنى السياسة ذاتها المناوئة لمصالح مصر، فأولوياته اليوم هي الخلاص من غريمه آبي، ومن تسلط «الأمهرة» الأحباش المتعجرفين، إضافة لطبيعة التحالفات الراهنة المتطلعة لوراثة الحكم، وهي مختلفة كثيرا عن تحالفات التيغراي زمن الحرب على حكم مانغستو، فثمة وزن أكبر هذه المرة لحضور العرقيات ذات الأغلبية المسلمة، وأولها قومية «الأورومو» التي تشكل أكثر من ثلث مجموع سكان إثيوبيا رسميا، وتصل بهم تقديرات أخرى إلى نحو نصف السكان المئة والعشرين مليونا، إضافة لسكان إقليم «بني شنقول» المقام على أرضه «سد النهضة» نفسه، وهؤلاء في أكثرهم مسلمون عرب سودانيون، وهدفهم الغالب هو الاستقلال وترك إثيوبيا كلها، ومشاعرهم بالطبيعة مع مصالح مصر والسودان، وقد كانوا ضحية لاتفاقات الاحتلال البريطاني مع مينليك الثاني مؤسس إثيوبيا الحديثة، خصوصا في اتفاق 1902، الذي أعطى البريطانيون بموجبه إقليم «بني شنقول» السوداني هدية لإثيوبيا، مقابل تعهد إثيوبيا بعدم إقامة سدود أو إعاقة جريان النيل الأزرق من منابعه الإثيوبية، وقد جرت عادة حكام إثيوبيا المتأخرين من زيناوي إلى آبي، على رفض الالتزام باتفاق 1902، وهو ما يعني بالمقابل، أن من حق أهل «بني شنقول» اكتساب استقلالهم من جديد، وهو ما قد تنفتح له المسالك أكثر اليوم مع انهيارات إثيوبيا المتسارعة، وقد كانت «حركة تحرير بني شنقول» أكثر من أصر على تضمين كلمة «الكونفدرالية» في عنوان التحالف التساعي المتمرد، وهو ما يكفل لهم حق الاستقلال، أو الانضمام للسودان، وينهي ولاية أديس أبابا على مشروع سد النهضة، مع الأخذ في الاعتبار طموحات «الأورومو» هذه المرة، وعزمهم على تضييق فرص سيطرة التيغراي مجددا، وقد تواصل العداء والصدام بينهما لعقود، وكانت قد تكونت حركتا تحرير «الأورومو» و»التيغراي» منذ آخر أيام هيلاسيلاسي، وضد هيمنة «الأمهرة» البالغ عددهم نحو خمس إجمالي سكان إثيوبيا، وفيما لا يحمل «التيغراي» ودا تاريخيا كافيا لمصر ومصالحها، فإن «الأورومو» المسلمين بأكثريتهم، يقفون على الجانب الآخر، وقد يكون تجميد مشروع السد محطة لقاء واردة.
والمحصلة المرئية ببساطة، أن توالي تصدعات إثيوبيا، وإنهاء حكم آبي أحمد، قد يؤدى لعصور احتراب أهلي طويل في إثيوبيا، وفي بلدان القرن الافريقي بعامة، وكلها متداخلة الأعراق، ولدى أغلبها «ثارات تاريخ» مع الكيان الإثيوبي، الذي تحول إلى سجن كبير للشعوب، وعصا غليظة لقهر الجيران، وضم أراضيهم عنوة، وزوال آبي المتوقع، قد يفسح المجال لنهاية ميراث القهر كله، ورسم خرائط جديدة، تنهي مطامع ومطامح الأحباش في معاندة التأثير المصري عند منابع النيل، وتجرف في طريقها كوارث السد الإثيوبي، بالجملة أو بالتقسيط الزمني.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 28 / 2342879

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 8

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28