] وجوه «حزب الله» - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
السبت 6 تشرين الثاني (نوفمبر) 2021

وجوه «حزب الله»

السبت 6 تشرين الثاني (نوفمبر) 2021 par عبدالحليم قنديل

القصة أكبر من وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي، ومن تصريحات صدرت عنه قبل توليه منصبه، تناولت باللوم حرب السعودية وتحالفها في اليمن، وإن كان غاب عنها ما لا يصح أن يغيب، وهو دور “الحوثيين” المقابل في حرب التدمير الشامل لليمن، و”الحوثيون” أداة إيرانية بلا شبهة إنكار، وهم قوة رجعية عنصرية سلالية طائفية بامتياز.
ولا يبدو ميل السعودية للانتقام من لبنان في محله، فهو لن يجلب نصرا استحال في حرب اليمن عبر سبع سنوات، وليست القصة أن يبقى قرداحي في منصبه، أو أن يذهب، والسعودية نفسها تقول ذلك، ومشكلتها المعلنة في “حزب الله” ونفوذه اللبناني، وتتصور السياسة السعودية أن بوسعها إنهاء سيرة “حزب الله”، أو دفع اللبنانيين تحت ضغط الخنق الاقتصادي، إلى شن حرب إفناء ضده، وهذه وصفة مضمونة للفشل، وقد أخفقت إسرائيل نفسها في تقويض الحزب، وفشلت عقوبات أمريكا في المهمة ذاتها، وليس بوسع الرياض أن تفعل ما عجزت عنه واشنطن.
صحيح أن “حزب الله” مرتبط عضويا بإيران، وزعيمه حسن نصر الله أعلن مرارا تلقيه كل صنوف الدعم من طهران، وأن مرجعيته هي فتاوى المرشد الإيراني علي خامنئي، لكن حزب الله له وجوه أخرى غير الوجه الإيراني، فقد قاوم وصمد وهزم “إسرائيل” مرات، وكان عنوانا لمقاومة عربية استشهادية، من نوع مختلف، أجلت الاحتلال الإسرائيلي بالقوة عن جنوب لبنان ثم عن غزة، ولا تخاف إسرائيل قوة في المشرق العربي المحطم، أكثر مما تخشى من “حزب الله”، وترسانة أسلحته وصواريخه المتطورة، على الرغم من أن حربا شاملة لم تقع بين الطرفين منذ نحو 15 سنة، تحول فيها سلاح حزب الله إلى العناوين الخاطئة بالجملة، من تورطه الطائفي في مستنقع حروب الأزمة السورية، إلى دعمه السياسي والميداني لحروب دمار، قادها الحوثيون في اليمن، ومن دون أن تكون هناك حسابات وطنية ولا قومية عربية منظورة، بل سيطرت الاعتبارات الإيرانية المحضة على سياسات الحزب، الذي اشتهر أساسا بحروب المقاومة ضد كيان الاحتلال الإسرائيلي، لكنه تناسى الدرس الجوهري لنجاح وسمعة أي مقاومة ضد إسرائيل، وهو أن تقف بسلاحها بعيدا عن التورط في أي شؤون داخلية لأي قطر عربي، وأن لا يكون السلاح الذي يقتل الغزاة الصهاينة، هو نفسه السلاح الذي يوجه لصدر عربي.
نعم، فقد سلاح حزب الله كثيرا من جاذبيته وبريقه عند الشعوب العربية، وتورط في قتل السوريين والعراقيين واليمنيين وغيرهم، وهو ما جعل الدعاية ضد حزب الله، تجد آذانا تصغي وتصدق، ومن دون أن يكون من طرف مستفيد أكثر من إسرائيل أولا، فالذين يناهضون حزب الله بدعوى إيرانيته ليسوا أكثر عروبية من قادة حزب الله، اللهم إلا من باب التظاهر بعروبة مريبة، تجعل خدمة إسرائيل والتطبيع المجاني معها، شرطا من شروط الانتساب لقومية عربية مهينة مهانة، تتذرع بمواجهة تفشي النفوذ الإيراني، بينما هي التي كانت سببا في توحش التوسع الفارسي، من حروب احتلال العراق إلى حروب تحطيم سوريا.

ومع التسليم بأخطاء حزب الله، إلا أن اقتلاعه من لبنان، يبدو هدفا مستحيل التحقق، فهو ليس حزبا طافيا على سطح الحوادث، وقاعدته الاجتماعية الشيعية بالغة الاتساع، وهو مغروس بعمق في تربة التاريخ اللبناني المعاصر، وقوته المفرطة لبنانيا، تحرم أي طرف مغامر من فرصة التفكير بحرب أهلية جديدة، وتوازنات لبنان الطائفية الحرجة، لا تتيح لأحد ترف مسايرة السياسة السعودية في هدفها العبثي بقطع دابر حزب الله.

عبد الغفار شكر

رحل عنا قبل أيام القائد الفكري الجليل عبد الغفار شكر في عامه السادس والثمانين. ولا أجد عندي في وداعه، أفضل من نشر بعض ما كتبت قبل ست سنوات، في مقال حمل اسمه، وقلت في نصه “ربما لا يكون لهذا المقال من مناسبة، سوى أن المعنى به لا يزال يعيش بيننا، وندعو الله أن يمد في عمره، وأن يظل يضيء حياتنا، فهو كيان إنساني عظيم التفرد، يصعب أن نعطي له لقبا ونكتفي به، وقد فكرت أن أكتب عنوانا لمقالي عنه، وخطرت في ذهني ألقاب بينها “مفتي اليسار” و”معلم الأجيال” و”الرجل الذهبي”، ثم وجدت عسرا في أن أكتفي بأي لقب أو عنوان، ووجدت الكفاية كلها في ذكر اسمه الجليل عبد الغفار شكر. هو رجل البسالة الإنسانية بلا ضجيج، وبوسعه أن يضفي حتى على الأشياء الجامدة حيوية متدفقة، تأمل ـ مثلا ـ مقاله الموسوم “مجتمع الكراسي المتحركة”، وقد نشرته له “الأهرام” في 14 نوفمبر 2015، مع اكتمال عام بالضبط على اكتشافه إصابته بجلطة في المخ، وهو يصحبك من غرفة نومه التي فوجئ فيها بما جرى فجرا، إلى عيادات الأطباء، وإلى صالة العلاج الطبيعي، فقد أصبح من ذوي الكراسي المتحركة على مدى شهور طويلة، لا تلحظ فيها أنه يشكو من ألم، أو يتخوف من عجز، بل تصحبك وجوه أطبائه، ويرسم لهم صورا مؤثرة، تجعلهم من أصدقائه وأصدقائك، مع أقسام العلاج بالماء والعلاج بالعمل في مركز عسكري يضج بالمدنيين والمجندين، وهيئة التمريض من العقيد “سهير” إلى الصول “جيهان” والنقيب “رشا”، ولا ينسى بطله مساعد التمريض المتفائل “وجيه”، الذي كان صوت غنائه الصباحي من آخر الممر ينشر الارتياح في النفوس الحالمة بالشفاء، وبينها نفس “راقصة الباليه” التي أصابها فيروس فتخشب جسمها، وفي نهاية مقطوعة التعاطف الإنساني العذبة، يقول لك عبدالغفار شكر خلاصته ببساطة، ويلخص العبرة والعظة بقوله نصا “ما أعيشه الآن هو تجربة إنسانية. لم أشعر خلالها باليأس أو بالإحباط، ولكنني أتمسك بالأمل في الشفاء. وعلى استعداد لترتيب أولوياتي وحياتي على ضوء الوضع الطبي الجديد”.

أعدت قراءة المقال مرات، وتذكرت أنني جبنت وتراجعت، ولم أكن من الأصدقاء الذين زاروا عبدالغفار شكر في رحلة العلاج، واكتفيت بالاطمئنان عبر هاتف ابنته الوحيدة أميمة، فلم أكن أجرؤ على رؤيته في وضع الضعف، وهو الرجل الذي عرفته أكبر من كل ضعف، كنت طالبا في جامعة المنصورة، وانضممت لحزب التجمع، أواخر سبعينيات القرن العشرين، وكنت أسيرا لشخصية عبدالغفار شكر بالذات، لم يكن الرجل وقتها من الأسماء الرنانة التي تتداولها الصحف والإذاعات، لكنه كان حزبا في رجل، كان طاقة عمل ديناميكي معجزة، وذهنا مرتبا صافيا، كان ينطق الكلمات في سلاسة كأنه يتلوها من لوح محفوظ، وكانت أغلب وثائق التجمع ولوائحه وتقاريره الأساسية من صناعة يده، لا تلحظ اهتزازا ولا شطبا في كلماته الناصعة، المنسابة فوق ورق مسطر بعناية، وكان بوسعه أن يكتب بيانا سياسيا ضافيا بليغا دقيقا في ثلاث دقائق، كان الرجل في نصف عمره الآن، وكان مثالا مبهرا يشدني إليه، وسرعان ما وجدت نفسي زائرا مرحبا به في بيته، لم يكن بيتا مما تتوقع لابن عمدة قرية “تيره” الذي مات في حربه مع الإقطاع، بل مجرد شقة متواضعة في المساكن الشعبية المطلة على نيل “طلخا” المواجهة لأضواء “المنصورة”، كنت أناقش الرجل في حدة أحيانا، وكان يرد بوضوحه وهدوئه الذي غلبني، وجعلني معتادا على المشي معه عبر الكوبري العتيق فوق النيل، وإلى حيث مقر ندوة “الأربعاء” في حزب التجمع أعلى مقهى “أندريا” الشهير، كان شكر هو مؤسس الندوة، وقد أسس مثلها في المقر الرئيسي لحزب التجمع وسط القاهرة، كان الرجل يقضي نصف يومه هنا والنصف الآخر هناك، ولم ألحظ تعبا على الرجل الأربعيني وقتها، وإلى أن أصابني الفزع على السلم متسع الدرجات في المبنى “الباشاواتي” العريق، كان شكر يصعد في تؤدة ظاهرة إلى حيث مقر “التجمع” بالمنصورة، كانت تؤدة الرجل منضبطة كانتظامه العملي الفائق، وكنت نادرا ما أعبّر عن فضولي، لكنني تورطت فسألته، وكان الجواب مفاجأة، فقد أخبرني الرجل بهدوء عن السبب في تمهله بصعود السلم المضاء، وقال إنه أصيب بأول ذبحة صدرية في الثلاثين من عمره، ولم يكن أمامي سوى أن أصدق الصادق، على الرغم من أن أحدا كان لا يمكنه أن يتوقع، فقد كان الرجل يبذل نشاطا لا يستطيعه أشد الأصحاء، وهو الذي تولى تربية وتثقيف قرابة النصف مليون مصري في منظمة الشباب الاشتراكي في الستينيات، بدأ الرحلة الشاقة وعمره أقل من الثلاثين، ولم تمنعه الذبحات الصدرية المتوالية من مواصلة أشواط تثقيف الأجيال وراء الأجيال”.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 29 / 2342879

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

38 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 39

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28