] استيراد لبنان مشتقات النفط من إيران: تدشين لإصلاح النظام الاقتصادي قبل السياسي - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الاثنين 23 آب (أغسطس) 2021

استيراد لبنان مشتقات النفط من إيران: تدشين لإصلاح النظام الاقتصادي قبل السياسي

الاثنين 23 آب (أغسطس) 2021 par عصام نعمان

حدثان مدوّيان سيطرا على أجواء دول غرب آسيا في الأسبوع الماضي: الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، وإعلان قائد المقاومة السيد حسن نصرالله استيراد مشتقات النفط من إيران، وتسديد الثمن بالليرة اللبنانية بدلا من الدولار الأمريكي.
للانسحاب الأمريكي انعكاسات سياسية واستراتيجية تمسّ جميع دول الإقليم، ولاسيما «إسرائيل». وقد تعددت التحليلات والتقديرات لدلالاته وتداعياته. أما استيراد النفط من إيران، فقد انحصرت التحليلات والتقديرات بشأنه بالنواحي الأمنية: هل تردّ «إسرائيل» عسكرياً وأين؟ وكيف تردّ المقاومة، وهل يؤدي ردّها إلى نشوب حربٍ إقليمية؟ قلّة من المحللين والمعلّقين تناولت الحدث من زاوية تأثيراته الاقتصادية، مع إنه يؤشّر إلى ظاهرة لافتة هي، أنه يشكّل أول محاولة جدّية هادفة لإصلاح الجانب الاقتصادي للنظام السياسي اللبناني. كيف؟
النظام الاقتصادي في لبنان يعتبره أربابه ليبرالياً حراً، بمعنى التفلّت من أي رقابة أو تخطيط. خصومه يعتبرونه قائماً على توفير الخدمات، ولا يعير التخطيط والإنتاج أي اهتمام، لذا يتضاءل مردوده العام كلما انزلقت البلاد إلى حال من التوتر والاضطراب الأمني، أو الحرب، إذ يتدنّى حضور السياح وطالبي الخدمات، وإن هذه هي حال لبنان الآن. إلى ذلك، ثمة مجموعة من أهل النظام الاقتصادي «الحرّ» تأذّت كثيراً من حال الاضطراب والتوتر والتفلّت الأمني. إنها شبكة أربابه ومستغليه، من محتكرين ومصارف وتجار ووكلاء ووسطاء.. هؤلاء جميعاً تضرروا من حال لبنان المضطربة، لكن أضرارهم ستتضاعف، على الأغلب، إذا ما نجحت عملية استيراد مشتقات النفط الإيراني وتسويقها، واجتذاب قسمٍ كبير من جمهور مستهلكيها بأسعار متدنية جداً، ذلك يتحقق من خلال التحوّلات الآتية:
أولاً، تقليص اعتماد لبنان، بل تبعيته لدول الغرب. لبنان مرتبط عضوياً، منذ قيامه، بدول الغرب بكل ما له علاقة بالتجارة والتبادل والاستيراد والمصارف والاقتراض وفنون التسويق. لبنان، اقتصادياً، بلد غربي بامتياز. ومن شأن نجاح عملية استيراد النفط ومشتقاته من إيران تصديع علاقاته الاقتصادية بدول الغرب وإضعافها على المدى المتوسط والطويل.
ثانياً، نشوء مجموعة، وربما طبقة جديدة من الوكلاء والوسطاء المختصين باستيراد النفط ومشتقاته من إيران، وربما من غيرها أيضاً، الأمر الذي يقلّص دور كبار المحتكرين والوكلاء والوسطاء، ويقوّض سطوتهم على أركان النظام السياسي الطوائفي، ونفوذهم الواسع في إدارات الدولة وأجهزتها.
ثالثاً، نشوء جمهور جديد واسع من المستهلكين، جرّاء بيع مشتقات النفط الإيراني بالليرة اللبنانية، أي بأسعار أدنى بكثير من أسعار بيع المشتقات الأخرى الجاري تحديدها بالدولار الأمريكي، أو ما يوازيه بالليرة اللبنانية بمعدلات صرف عالية جداً.
رابعاً، توفير مئات ملايين الدولارات على المواطنين (والسكان عموماً) وعلى خزينة الدولة، نتيجَة شراء النفط الإيراني وبيعه بالليرة اللبنانية، ما يعزز موقف خصوم النظام الاقتصادي الليبرالي القائم على الخدمات، ومطالبتهم بالتخطيط والعمل الدؤوب لبناء اقتصاد قائم على الإنتاج، ولاسيما في حقول الزراعة والصناعة والتكنولوجيا.
خامساً، اتساع جمهور مستهلكي مشتقات النفط الإيراني، كما اتساع جمهور المستفيدين من الاقتصاد المنتج، من شأنهما تعزيز القوى السياسية المطالبة بهدم نظام المحاصصة الطوائفي والضغط للشروع في إقامة نظام ديمقراطي مغاير، ودعم الجهد الحضاري الرامي إلى بناء الدولة المدنية الديمقراطية على أسس الحرية والعدالة وحكم القانون.
هذه التحوّلات الخمسة آنفة الذكر، لن تنحصر مفاعيلها بالصعيد الاقتصادي، بل ستتعداه إلى الصعيد السياسي أيضاً، ولاسيما ما يتعلّق بتعزيز القوى السياسية المطالبة بالتوجه شرقاً، أي إلى التعاون مع الصين وروسيا وإيران، من دون القطع بالضرورة مع دول الغرب. من المفارقات اللافتة على هذا الصعيد أن الولايات المتحدة، التي توجست من الانعكاسات الاقتصادية والسياسية لاستيراد مشتقات النفط الإيراني على دور حلفائها ونفوذهم داخل لبنان، سارعت إلى إيفاد سفيرتها في بيروت لإبلاغ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، أن واشنطن قامت بالاتصالات اللازمة لتأمين تزويد لبنان بالغاز من مصر والكهرباء من الأردن عبر سوريا. كل ذلك بقصد حمل أهل السلطة على رفض عملية استيراد مشتقات النفط من إيران. والغريب أن السفيرة الأمريكية لم تُفصح للرئيس عون، ولا لوسائل الإعلام كيف يتيسّر لواشنطن توصيل الغاز من مصر والكهرباء من الأردن إلى لبنان عبر سوريا بوجود «قانون قيصر» الأمريكي الذي يحظّر أي تعامل اقتصادي معها. فهل استحصلت واشنطن من دمشق على موافقتها في هذا السبيل؟ وهل أن انسحاب أمريكا المهين من أفغانستان وتداعياته السلبية على حلفائها الإقليميين سيدفعها إلى إعادة النظر ببعض تدابيرها العقابية ضد دول وجماعات في المنطقة تعتبرها واشنطن معادية لسياساتها ومصالحها؟ لا غلوّ في القول إن ما ظهر حتى الآن من تداعيات انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان لا يشكّل إلاّ رأس جبل الثلج، وإن التداعيات التي ما زالت كامنة تحت سطح ماء الكتمان كثيرة وكبيرة، ويمكن أن تفضي لاحقاً إلى تحولات وازنة في علاقات واشنطن مع دول المنطقة.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 28 / 2342227

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

35 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 36

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28