] الدم الفلسطيني الرخيص على جانبي الخط الأخضر - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الخميس 1 تموز (يوليو) 2021

الدم الفلسطيني الرخيص على جانبي الخط الأخضر

عماد شقور
الخميس 1 تموز (يوليو) 2021

أهداني صديقي عبد الفتاح القلقيلي، أبو نائل، الذي يعرّف نفسه بأنه «كاتب رصيفي» (وهي فئة من الكتاب أشبه ما تكون بمن كانوا يسمّون في زمن غابر بـ«الشعراء الصعاليك» أو «صعاليك العرب» بالمعنى الأصلي والإيجابي للتعبير) قبل أيام، نسخة من كتابه الأخير، في سلسلة كتب «خواطر فلسطينية» وهو بعنوان: «دهاليز الوطن». توقفت طويلاً عند خاطرة «نحو فساد أفضل» (ص 17) وقرأت فيها بتمعُّن: «الفساد بيئة مناسبة لظهور الطغاة. والطغاة بيئة مناسبة لانتصار الغزاة، حيث تظهر في البلاد التي تتعرض للغزو مدرستان «ديماغوجيتان»: الأولى تنادي بتأجيل مقاومة الطّغاة لصالح مقاومة الغزاة، والثانية تقول باستحالة مقاومة الغزاة تحت رايات الطغاة… وبتأثير المدرسة الأولى يتمادى الطّاغي بطغيانه، وبتأثير الثانية ينتصر الغزاة… والنتيجة هي معاناة الشعب من ويلات الطغاة والغزاة بالتّتالي». صدقت يا ابو نائل.
نتذكر بألم وحزن، في هذه الأيام الحزينة، أياماً كان يردد فيها أبو الوطنية الفلسطينية الحديثة، الزعيم ياسر عرفات، بفخر، واصفاً الحالة الفلسطينية بأنها «ديمقراطية غابة البنادق» ليدلِّل بها على الإحتكام والإلتزام بقرارات المجلس الوطني، (أيام كان مجلساً وطنياً حقيقياً) في فض أي خلافات واختلافات في الرأي في شارع فلسطيني مشبع ببنادق تحملها أيادٍ وطنية فلسطينية، في مرحلة الكفاح المسلّح. أيام كان يلجأ القائد والمسؤول في «غابة البنادق الوطنية» الى «القضاء الثوري» لفضّ أي نزاع او خلاف. أيام كان «الدّم الفلسطيني على الفلسطيني حرام». أيام كان التنصّل علنياً من سياسة وممارسات «الكَفّ الأسود» ومن سياسة التصفيات الجسدية لرموز المعارضة، في مرحلة الحاج أمين الحسيني.
لا يكفي التعامل مع جريمة بحجم جريمة قتل الفلسطيني الراحل نزار بنات، بتشكيل «لجنة تحقيق». كان الواجب إصدار أمرٍ فوريٍ بتوقيف مسؤولي الأجهزة الفلسطينية التي شارك ضباط ينتسبون إليها عن العمل فوراً، وإلى حين انتهاء «لجنة تحقيق جدّية ومحايدة» من تحقيقاتها، واتخاذ ما يلزم من إجراءات بحق جميع المتورطين في هذه الجريمة.
لا يجوز السماح لـ«أبواق» السلطة الوطنية الفلسطينية التمادي في التهوين من جريمة قتل الفلسطيني الناقد والمعارض نزار بنات. فهي جريمة «مكتملة الأوصاف». والتذرّع بأن حركة المقاومة الإسلامية نفّذت وتنفّذ مثل تلك الجريمة في قطاع غزة المنكوب بها وبحصار إسرائيل وعدواناتها الدموية المتكررة والمتواصلة عليه، هي أكثر من مجرّد سقْطة كاتب صحافي، إنها عيب مشين في سلّم القِيَم التي ينطلق منها، تصل به حد مقارنة ما هو مأمول من «سلطة وطنية» تقول إنها تسعى لإقامة دولة فلسطينية ديمقراطية عصرية، بما تمثله وتمارسه حركة حماس او غيرها من حركات وفصائل لا تتزنر بعباءة الشرعية.
لا يجوز أن تقارن «السلطة الوطنية» ممارساتها تجاه مواطنيها الفلسطينيين، لا بـ«حماس» ولا بأي نظام عربي من المحيط الى الخليج. ليس طموح أبناء شعبنا الفلسطيني الخلاص من الاحتلال والاستعمار الإسرائيلي، لنصل الى دولة فلسطينية تحكمها طغمة موبوءَة بفسادٍ على أي صعيدٍ كان، فكيف اذا استشرى الفساد فيها على كل صعيد؟.
طبيعي تماماً، بل ضروري جداً، أن تنطلق مظاهرات فلسطينية تندّد بجريمة قتل المواطن المعارض لسياسات السلطة، نزار بنات، وأن تملأ الشوارع وأن تحتشد وتقترب من مراكز ومقرات السلطة، وأن تتركّز في العاصمة المؤقتة، رام الله، وحول مقرّ الرئاسة الفلسطينية بالذات. وليس مستبعداً، بالمطلق، أن تستغلّ جهات وحركات مناوئة للسلطة الوطنية ورئيسها هذه المظاهرات، وليس مفاجئاً أن يُطلق بعض المشاركين في هذه المظاهرات شعارات وهتافات سيّئة، بل وبذيئة ومُدانة، وواجب رجال أمن السلطة متابعتها ومراقبتها ومحاولة ضبطها عند حدود منطقية مقبولة. لكن واجب رجال ونساء أمن السلطة الأول والأهم، هو استيعاب هذا الشطط من نسبة ضئيلة مشاركة في الاحتجاجات، وأن تتفهمه، وأن لا تحاول استخدام العنف المبالغ به، وأن تسمح لموجة الغضب المطلوب والمفهوم والمبرر أن تعبّر عن نفسها.

دم المدني البريء، مهما كان دينه، أو عقيدته، أو انتماؤه، على الفلسطيني الوطني حرام

ما حصل على أرض الواقع لم يكن كذلك. وصل عنف أمن السلطة حدّاً دفع خمسين صحافياً وصحافيةً فلسطينيين، الى توقيع رسالة يطلبون فيها من مفوض الأمم المتحدة، «توفير حماية لهم من رجال أمن فلسطينيين»!!!.
هذا أمر غير مسبوق. هذا أمر يجب أن يدفع السلطة الوطنية الفلسطينية، ورئيسها، تحديداً، إلى إعادة حساباتهم، والتفكّر بماذا ستقول كتب التاريخ عن «العهد» كلّه، وعن «صاحب العهد» نفسه بالذات.
لا أتفق مع كثير جداً مما قاله ونشره الضحية نزار بنات، ولكن غالبية أبناء الشعب الفلسطيني، (حتى لا أقول كلهم) تتّخذ من المقولة الخالدة للفيلسوف الفرنسي، فولتير: «إنني أُخالفك الرأي، لكنني مستعد للدفاع حتى الموت عن حقّك في إبداء رأيك» نبراساً ومشعلاً تسير على هديه. ولا يضيرني ان أُضيف مقولة ثانية لفولتير: «كُن شديد التسامح مع من خالفك الرأي، فإن لم يكن رأيه كلّ الصّواب فلا تكن انت كلّ الخطأ بتشبّثك برأيك».
على أن أسوأ ما في هذه الموجة من إراقة الدّم الفلسطيني في مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية في الضفة الغربية وفي قطاع غزة، هو أولاً توقيتها، في أعقاب «هبّة فلسطينية مباركة شاملة» انطلقت من القدس، من المسجد الأقصى، ومن حي الشيخ جرّاح فيها، طوال شهر رمضان الماضي، وأسابيع بعده، وغطّت كامل أرض فلسطين، على جانبي «الخط الأخضر» واستقطبت دعماً وتأييداً عالمياً غير مسبوق، حيث بدأت هذه الموجة المُدانة، وما رافقها من أداء ركيك للسلطة الفلسطينية للملف الوطني الفلسطيني برمّته، في تبديد وبعثرة كل ما يمكن أن يعود من مكاسب ملموسة، في ظل دعم شعبي ورسمي عالمي، مثّلته مظاهرات حاشدة، في شوارع مدن تحتكر السيطرة عليها إسرائيل والأذرع الصهيونية الأخطبوطية، من نيويورك حتى باريس ولندن، بل حتى برلين ايضاً؛ ثم ما سبق هذا التطور ويرافقه من ركاكة في الأداء، على الصعيد السياسي، وعلى صعيد التعاطي مع ملف المُصالحة الفلسطينية.
من مآسي الفلسطينيين في مناطق السلطة، (وفي قطاع غزة المنكوب) الى مآسي وعذابات الفلسطينيين في إسرائيل:
بلغ عدد الضحايا الفلسطينيين في مناطق الـ48 منذ مطلع السنة الحالية حتى الآن، في شجارات عائلية، وأكثر من ذلك: في تصفية حسابات دموية بين عصابات إجرام عربية فلسطينية هناك، 56 قتيلاً، وعشرات كثيرة من الجرحى.
من آخر تلك الجرائم وأقساها «مجزرة» قتل عائلة بأكملها: الزوج يوسف جاروشي (58 عاماً) وزوجته نوال (46 عاماً) وابنتهما ريان (16 عاماً) اضافة الى طفلتهما (9 سنوات) التي اصيبت بجروح وتم نقلها الى المستشفى الأقرب في طبريا. وهذه الجريمة المروّعة هي الحلقة الأخيرة، (حتى الآن) في مسلسل جرائم داخل عائلة الجواريش في مدينة الرملة، بين عصابتي إجرام من نفس العائلة، حيث كان قُتِل حاتم جاروشي (48 عاماً) طعناً بالسكين يوم 11 من الشهر الماضي، قرب المسجد الأقصى في القدس.
إثر مقتل حاتم جاروشي، شعر يوسف بالخطر على حياته وحياة عائلته، فهجر مدينته، الرملة، وقرر الإبتعاد إلى الجليل وسكن في بلدة دير حنا، قبل شهر تقريباً، ولكن افراد عصابة الإجرام عرفوا عنوان إقامته الجديد، ونصبوا له كميناً، ولاحقوا سيارته التي استقلها مع عائلته، وأمطروها برشقات من بنادقهم الرشاشة، أودت بحياته وحياة زوجته وابنتهما، قرب قرية عيلبون، وعثرت الشرطة على سيارة الجناة محروقة قرب قرية المغار، على بعد بضعة كيلومترات من موقع الجريمة، لتذكّرنا بالمقولة الساخرة السوداء: «تمّ إلقاء القبض على جثّة القتيل، بعد أن فرّ القاتل، واستتب الأمن»!.
لا عزاء لشعبنا بضحايا جرائم قتل ترتكبها عصابات إجرام فلسطينية في إسرائيل، «تنعم» بيد شرطة إسرائيلية لا «ترهق» نفسها في مطاردة ومعاقبة مجرمين فلسطينيين هناك، يقتلون مواطنين فلسطينيين. لكن أن يقتل أفراد أمن السلطة الوطنية الفلسطينية مواطناً فلسطينياً، فذلك موضوع آخر تماماً.
عن قطاع غزة المنكوب من جهاته السّت، ومن داخله ومن «أبطال» الإنقلاب فيه.. حدّث ولا حرج.
آن لنا ان نعود لإحياء مبدأ «دم الفلسطيني على الفلسطيني حرام» بل لأن نوسّعه ليكون : «دم المدني البريء، مهما كان دينه، أو عقيدته، أو انتماؤه، على الفلسطيني الوطني حرام».


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 9 / 2342879

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات وقضايا   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

41 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 39

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28