] مقتل نزار بنات تحت التعذيب - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الخميس 1 تموز (يوليو) 2021

مقتل نزار بنات تحت التعذيب

الخميس 1 تموز (يوليو) 2021 par د.شفيق ناظم الغبرا

من المحزن والكارثي أن تقع جريمة إغتيال لناشط سياسي سلمي في فلسطين المحتلة على أيدي السلطة الفلسطينية.

استشهاد نزار بنات أثار لدي الاهتمام للاضطلاع على ما يقول ويعلن. وجدت في كل ما قرأت وشاهدت عبر صفحاته شخصية جريئة (وما أحوجنا للجرأة) ووجدت بنفس الوقت شخصية قيادية مميزة لو قدرت الظروف للعب دور هام في مسيرة القضية الفلسطينية في مراحلها القادمة. هذا لا يعني أن كل ما قاله أتفق معه، لكن حق نزار في الحرية ونصرة شعبه بأسلوب سلمي أمر مقدس، كما أن حقه في التصدي قولا وكتابة للفساد المستشري في أوساط السلطة الفلسطينية هو الآخر ذو قدسية سياسية وحقوقية. بل تزداد قيمة صوت نزار بنات عند معرفتنا المطلقة بأن فلسطين لن تتحرر من عدوها التاريخي الا بفكر تحرري ومساءلة ومحاسبة وخطة وبناء لأسس القوة المستمدة من الشعب الفلسطيني ومناضليه.

لقد أصبحت السلطة الفلسطينية نظاما عربيا آخر، إذ يتمسك قادتها بمواقعهم مهما كانت التصرفات والأعمال، ويمارسون عليائية في التصرف تجاه المجتمع وتعبيراته المدنية وكأن السلطة حررت فلسطين وانشأت دولة حقيقية. وأتساءل هل قتلت السلطة نزار بنات لأنها تشعر بالضعف بعد ثورة الفلسطينيين الأخيرة ضد إسرائيل وبالتالي بدأت تعي أن بقاءها بالشكل الراهن والطريقة الحالية لم يعد ممكنا؟ هل تخلصت من صوت نزار بنات لأن سوء ادارتها لإنتفاضة الشعب الفلسطيني الباسلة في مايو 2021 قد هزت دورها وجعلتها عارية تماما أمام عموم الشعب العربي الفلسطيني؟ لقد أصبحت مطالب الاستقالة وتغير القيادة على كل لسان في فلسطين.
.
لم يكن نزار بنات أول من قتل على يد أجهزة الأمن الفلسطينية. أن يموت شخص وهو في عهدة أمن بلاده وداخلية نظامه دليل على تفشي حكم العصابات، وهو دليل، في حالة السلطة، على وجود اختراق إسرائيلي واضح في الأجهزة الفلسطينية الخاصة بها. وهذا انعكاس لوضع يؤكد بأن السلطة الفلسطينية دخلت منعطفا خطيرا لن تخرج منه بلا تغيرات جوهرية.

وإن دققنا في سجل السلطة في سنواتها الخمس عشرة الأخيرة سنجد أنها فشلت في ايقاف الاستيطان، وفشلت في منع إسرائيل من الاعتداء على الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وفي الشيخ جراح وفي القدس. كما وفشلت في بناء حالة تحررية للنضال ضد الإحتلال. مقابل ذلك نجدها تلاحق وتسجن المناضلين والشبان والشابات والصحافيين والصحافيات العاملين ضد الاحتلال. بل حتى فشلت السلطة في تطوير دور حركة فتح، فحولتها لملحق للأجهزة الأمنية وآليات القمع، بينما فرضت الإستقالة والإنزواء على كل من اختلف معها من ابناء وكوادر حركة فتح. وقد عجزت السلطة بالتمام والكمال عن بناء مصالحة على أسس النضال، وتجمدت بالكامل في حل أي موضوع جاد يتعلق بإطلاق سراح الأسرى في السجون الإسرائيلية.

في الجوهر اصبحت السلطة الفلسطينية بشكلها الراهن عالة على المشروع الوطني الفلسطيني من كل جوانبه. لقد أصبح التنسيق الأمني مع إسرائيل جوهر وأساس دور السلطة، وهو يتم أساسا لحمايتها وحماية المصالح الضيقة التي تمثلها. ما وقع في فلسطين من خلال تصفية واغتيال نزار بنات لا يبشر بالخير لمستقبل السلطة التي تفقد كل يوم شرعيتها السياسية والأخلاقية امام الأغلبية السكانية الفلسطينية.

ولو كنت مكان السلطة الفلسطينية لما أخذت بالنماذج العربية، هذا لا يليق أصلا بالنضال الفلسطيني وتاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية منذ ثورة 1965. فقد هدد بعض الأركان من المقربين من السلطة أن الشارع سيقابله شارع، وهذا هو نموذج بشار الأسد الذي دمر ما تبقى من سوريا. ما يليق بفلسطين هو تحمل مسؤولية ما وقع وذلك من خلال معاقبة المنفذين، ومن خلال استقالات حقيقية على مستوى الحكومة وقادة الأجهزة الأمنية. بل يجب أن يتحدث رئيس السلطة ابو مازن بصورة مباشرة للناس وللجماهير الفلسطينية حول استعداده لخطوة جريئة تتعلق بتغيرات كبرى جوهرها استقالته، ثم القبول بانتخابات ديمقراطية شفافة ومراقبة تسمح بوصول قادة جدد لأعلى الهرم.

يجب أن يشمل الموقف الجديد تراجع الرئيس أبومازن عن فصل اعضاء فتح المناضلين ممن شكلوا لوائح انتخابية لم يوافق عليها لأنها لا تنسجم مع نهج السلطة (لائحة القدوة على سبيل المثال). يمكن عمل الكثير إذن في هذه الأيام لتفادي الانزلاق للمشهد المدمر او كما قال احد المقربين من السلطة (شارع مقابل شارع) لكن رئيس بلدية الخليل المناضل المعروف من فتح تيسير أبو سنينة أعلن بأنه إن لم تفهم السلطة ان الوقت قد حان للتغير فسيتم التغير بقوة الشارع والجماهير. إن الاستماع لصوت الناس هو الجوهر، والناس قالت كلمتها بوضوح حول ما وقع ويقع والسياق الذي وقع فيه الاغتيال.

ويصح القول بأن ما بعد تصفية نزار بنات على يد أجهزة رسمية فلسطينية ليس كما قبله، لقد بدأت جماهير الضفة الغربية بكسر حاجز الخوف الذي كسره نزار قبلهم. لهذا يمثل الاغتيال بداية لتغيرات ستصيب عصب الوضع الشعبي الفلسطيني. إن موت النشطاء يروي الأرض والحقيقة، لكنه كثيرا ما يغير المجرى ويضع الأساس للجديد.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 20 / 2342879

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 21

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28