يعتقد البعض ان ما حدث مع المناضل نزار بنات هو قضية عرضية مردها الى اجتهاد خاطىء من الأجهزة الأمنية، وفى هذا الصدد يذهب الأخ نبيل عمرو فى فيديو سجله مؤخرا إلى تصور يقول انهم لو كانوا يدركون ما سيحدث لما اقدموا على فعلتهم هذه.
وللحقيقة فإن الأخ نبيل وغيره من المحسوبين على فتح تاريخيا وانا واحد منهم ندرك ونعلم يقينا ان ماحدث مع الشهيد نزار هو واقعة حديثة لإرث تاريخي من الصراع داخل فتح، بين تيار يدعو إلى استمرار نهج الكفاح المسلح وحرب التحرير الشعبية طويلة الأمد وتيار اخر براغماتي يدعو إلى استخدام العمل المسلح وسيلة للطفو على السطح والالتحاق بالمعادلات الدولية وصولا إلى تسوية تلحقهم بكيان تقبل به أميركا وإسرائيل، واذكر جيدا فى عام ٨٨ ان صلاح خلف ابو إياد قال أمامنا تعليقا على اعلان قيام الدولة الفلسطينية، واعتراف ١٨٠ دولة بها فى حينه : لا قيمة لذلك ما لم تعترف أميركا بها
قبل ذلك وفى اواخر السبعينات شهدت فتح مخاضات وتطورت داخلية واحداث افضت إلى تصفية العديد من الكوادر الفتحاوية الثورية فى ساحات مختلفة، كانت الكلمة العليا فى فتح حينها للمال الذى كان يمسك بزمامه عرفات، ولاجهزة الأمن المتعددة التي كان يمسك بها عرفات أيضا، وبين المال والأمن ارتكبت تصفيات للعديدين، ورد الطرف الآخر فى فتح بتصفيات مضادة.
وازاء كل ما حدث هنا او هناك، استخدم المال للفساد والافساد السياسي.
فى وقتها قال واحد من القيادات المحسوبة على يسار فتح : سجلوا على لساني، هذه حركة تعج بالجواسيس، عثر فيها صدفة على نفر قليل من الوطنيين، وسيرث هذه الحركة فى اخر الأمر وبعد أن نقضي جميعا، شخص اسمه محمود عباس ابو مازن.
كان أبو مازن قد أرسل وقتها رسالة تهديد لهذا القائد بأن قيادة فتح تحذره إن لم يتوقف عن الحملات الاعلامية التي يديرها من خلال إذاعة فتح فى بغداد لادانة التوجه السياسي لفتح الرسمية، فإنهم سيقومون بتصفية العاملين فى هذه الإذاعة.
بعد ذلك ذهبت فتح إلى الانتفاضة التى قادها نمر صالح، الذى نعرف ما واجهه، وكيف انتهت حياته بالمرض، وقبله نعرف كلنا الطريقة التى انتهى بها ماجد ابو شرار منظر اليسار فى فتح على يد الموساد فى روما.
المهم ان فتح الرسمية لملمت نفسها بعد الخروج من بيروت بصفقة مع الاميركيين، واعادت ترتيب لجنتها المركزية بنماذج قيادية طارئة اتهم بعضهم بالعمالة والجوسسة على لسان قيادات أخرى فى فتح محسوبة على المجلس الثوري.
ورغم كل ما حدث، فإن فتح وبجهد مركزي من ابو مازن ذهبت إلى أوسلو وهي تحمل ذات الإرث الأمني، وذات الإرث من الفساد والافساد، ورغم ان عرفات حاول أن يمارس الاكروباتيك السياسي لتحسين شروط صفقة أوسلو، الا ان الاميركيين والاسرائيليين لم يسمحوا له عندما وجدوا ضالتهم في ابو مازن.
وهكذا نرى ان تصفية نزار بنات جاءت امتدادا لنهج من التصفيات قامت وتقوم بها أطراف تعتقد انها محمية ومغطاة بتحالفاتها الإقليمية والدولبة، وهي فوق المساءلة والمحاسبة.
وقد تكون قناعاتهم هذه هي مرد ارثهم السياسي تاريخيا الذى أفضى إلى ما تشهده القضية الفلسطينية راهنا،الا ان ما حدث مؤخرا شكل صدمة كبرى لهم، لان التطورات الأخيرة أعادت الأمور إلى مربعها الأول، بعد المواجهة العسكرية ونتائجها فى غزة ، وبعد الهبة الشعبية الفلسطينية على مستوى الكل الفلسطيني.
المهم ان هذا النهج رأى من الضروري ان يهز العصا فى وجه الشعب الفلسطيني بارتكاب ما قام به ضد نزار بنات الذى سبق فى عديد من المرات ان أبدى أراء متشددة ضدهم، لم يردوا عليها الا باعتقاله والتحقيق معه، ومن ثم إطلاق سراحه.
هذه المرة اختاروا ان يصفوه جسديا بطريقة أرادوا بها هز العصا في وجه الشعب الفلسطيني الذى شب على الطوق، وصار ضروريا بالنسبة لهم ان يعود إلى بيت الطاعة، لكن قرائتهم للأحداث خانتهم هذه المرة، لأن شعبنا مسنودا بمقاومته وبقواه الحيوية المناضلة صار عصيا على بيت طاعتهم، وعصيا على المخططات المعادية كلها.
وستثبت الأحداث راهنا ولاحقا انهم سقطوا سياسيا، وصاروا خارج الزمن الفلسطيني.
