] كلنا نزار . - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
السبت 26 حزيران (يونيو) 2021

كلنا نزار .

السبت 26 حزيران (يونيو) 2021 par نادية عصام حرحش

اعتقال نزار.. ضرب نزار.. تعذيب نزار.. قتل نزار.. كلنا نزار
كم حاربنا لكيلا نكون كلنا نزار. نزار المقتول هذه المرة؟
لن احملنا وزر موت او مقتل او اغتيال نزار. لا تهم المصطلحات، ولا يهم قوة تعابيرها. الحقيقة واحدة ووحيدة: نزار لم يعد موجودا.
قتلوه او اغتالوه او عذبوه او نكلوا به، سيتحول الى قضية رأي عام جديدة. لا بد انهم حسبوها جيدا هذه المرة، يعرفون ان أكبر قضية رأي تدوم شهر وفي ظل تسارع الفضائح وكثرتها لا تدوم الا بعض الأيام في أحسن احوالها. فنحن لا نزال امام قضية تطعيمات غير صالحة على حسب تأكيدات الجهات الرسمية ممثلة بوزارة الصحة ورئيس الحكومة الفلسطينية، ومع هذا انتهت القضية بلجنة تحقيق وستكمل هذه السلطة فسادها وافسادها حتى النيل من اخر مواطن.
القمع الذي يتم ممارسته علينا يوميا من قبل هذه السلطة وحجم الفساد خلق نزار وقتله. لا مكان للعيش في وطن سليب الحرية والتعبير بأبسط اموره.
ولكن هؤلاء ينجون دوما بأفعالهم. لا يأبهون لشعب، ولا لردة فعل، ولا لهبة، ولا لتظاهرة. يعرفون جيدا انه بيدهم القبضة الحديدية لقضبان الزنازين والمعتقلات والقدرة على القتل.
نزار مات
نزار قتل
نزار تم اغتياله…
كلنا نزار….
كلنا على طريق الموت بهذه الوضاعة. بهذا الجبروت. بهذا الاحتقار لقيمة الانسان.
لن تسقط حكومة بمقتل نزار
ولن يستقيل وزير داخلية ولا رئيس امن ولا مدير مباحث ولا من أصدر التعليمات من رئيس الحكومة الى الغفير الذي اقتحم منزل نزار واعاث فيه خرابا ودمارا وقتلا.
قتلوا نزار….
قتلوا الصوت الذي لا يهادنهم.
قتلوا الحر الذي لم يساوم على حقوقه
قتلوا الرجل الذي كان يمثل الخيط الرفيع من مقدرة الانسان الفلسطيني على التعبير ولو بشق. لأنهم لم يتركوا أي خيوط، فلقد داسوا علينا وعلى كرامتنا وعلى حياتنا.
قتلوا نزار عندما اعتقلوه اول مرة
هدروا دمه
نزار لم يمت
لأننا بالفعل كلنا نزار
كم صوت يمكن لهم ان يغتالوا؟
كم نزار يمكن ان يسكتوا؟
لطالما مثل نزار الانسان الفلسطيني المقاوم المقاتل من اجل الحرية. وهذا الانسان لا يتمثل برجل يمكن قتله او التخلص منه لتنتهي القضية.
كم هي سيئة ومقيتة هذه السلطة التي لا تقوى على تحمل الاعتراض او الإشارة على فسادها المستشري في كل مكان.
كم هي بائسة هذه السلطة التي تستقوي على افرادها وتقتحم بيوتهم وتنكل وتضرب وتقتل.
كم نزار قضى على يد هؤلاء ولم نسمع ولم نعرف عنه؟
مقتل نزار يؤكد كم القمع الذي يحيا به هذا الشعب. لأنه بكل بساطة، اذام ا عبرت عن نفسك تقتل.
والقاتل نظام ممتد في كل مكان كما الفساد.
الفساد يقتل
كم صرخنا خوفا وجزعا ورعبا
كم حذرنا
كم استجدينا
كم استغثنا
بأن لا نصل الى يوم نبكي فيه نزار ونقول كلنا نزار.
كلنا نزار لطالما هذه السلطة تستبد ونحن في أحسن احوالنا نردد كلمة شجب ونوسم عبارات وننتهي الى قصة مشتعلة أخرى
كلنا نزار لطالما نستمر في السكوت عن هذا القهر والظلم والاستبداد
كلنا نزار لطالما تحكمنا سلطة فعلها أقبح بدرجات وبمراحل من فعل الاحتلال
كلنا نزار لطالما لم نعد نفرق بين اجرام الاحتلال واجرام السلطة
كلنا نزار ما دامت هذه السلطة تتحكم بنا لهذه الدرجة…. لدرجة قتل من لا يعجبه صوته.
كلنا سنكون نزار…. ميتين، مقتولين، مغتالين، معتقلين.
او سنكون نذر شؤم على ما تبقى لنا من حياة نعيشها برعب ورهبة. بقهر وظلم. باستباحة مستمرة لقمع، او تنكيل، او تعذيب، او حرق، او اغتيال متوقع بأي لحظة.
كلنا سنكون شهداء هذا النظام القامع الفاسد الاستبدادي إذا ما كنا نزار
او كلنا سنمضي بذل وظلم وخنوع وتستمر هذه السلطة بالاعتلاء والقتل والاستباحة على أجساد من استشهد منا وارواح من بقي خانعا متفرجا خائفا منهم.
اختم كلماتي، ولا أزال مأخوذة بوهل الصدمة. لقد مات نزار بالفعل.
لقد تعدوا كل الخطوط الإنسانية بجريمتهم هذه.
اتصلت بي اختي بينما كنت اكتب هذه الكلمات صارخة: اوعي تكتبي بلاش يقتلوك.
هم بالفعل يقتلون.
من كان يصدق اننا سنعيش لهذا اليوم الأسود في حياتنا كفلسطينيين.
ان يقتل الانسان منا لأن صوته ارتفع عن السقف المسموح له به.
لأن صوته ارتفع من اجل ان نكون أفضل.
ان نحيا أفضل.
ان نعيش بكرامة لكي نستطيع ان نكون أحرارا.
ان نقوى على التحرر من الاحتلال.
اين نحن من الاحتلال ومن يقتلنا هم من واليناهم على حياتنا.
انا لله وانا اليه راجعون
وحسبنا الله … نزار اليوم بين من هم أكثر استحقاق للخلود.

- سلطة الاستبداد والقمع والحزب الأوحد لها اسم واحد: فاشية
ما جرى من قمع وسحل وضرب للمتظاهرين من قبل أجهزة امن السلطة في رام الله بالأمس، يجيب على تساؤل إذا ما كانت جريمة قتل نزار بنات حادثة ام مع سبق الإصرار والترصد.
هناك مشهد لاحد رجال الامن او شبيحة النظام السلطوي الفاشي وهو يضرب بأحد المتظاهرين على رأسه بحجر بينما يمسك المتظاهر اخر يحاول تثبيته للتأكد من انه يتلقى الضربة على رأسه، ومن ثم مشاهد أكثر وجعا لسحل الشاب المتظاهر على الأرض من قبل جموع شبيحة النظام، او بالأحرى افراد الامن التي لبست الزي المدني لسحل وقمع وضرب المتظاهرين.
مشهد لا يقل قساوة كان لامرأة شبيحة تسحل متظاهرة وتشدها من شعرها.
التفنن باستخدام أدوات القمع باستخدام رجال ونساء يذكرني برواية ١٩٨٤ لجورج اورويل، التي كتبها في ديستوبيا عكست مآل الحكم السوفييتي الستاليني الشمولي في حينه. كان زمن النازية والفاشية والشمولية الدكتاتورية. كان الزمن الذي لا يستطيع فيه الكاتب التعبير عن الواقع الا من خلال الاختباء وراء الخيال العلمي او انطاق الحيوانات كما فعل اورويل نفسه في مزرعة الحيوانات.
اليوم وبعد أكثر من سبعين سنة على كتابة الروايتين، والتي تزامن كتابة احداهما عام نكبتنا، أفكر كيف كنا نقرأ هذه الروايات وقمع الاحتلال بين اعيننا. كنت دائما أفكر كم نحن أكثر حظا بالعيش تحت الاحتلال من العيش تحت أنظمة شمولية فاشية.
كنت أفكر انني أستطيع ان أطلق على إسرائيل فقط هذه الاوصاف، كأن يكون نظامها فاشيّا علينا.
في رواية ١٩٨٤، لا يوجد فرق بين عناصر النظام الذكور والاناث. الكل مبرمج من اجل سلطة الحزب الأوحد وفي خدمة الأخ الكبير من خلال تكريس نفسه أداة رقابة شاملة ضد افراد الشعب الذين لا ينتمون لحزب الأخ الكبير.” يستبد الحزب الداخلي بقيادة الأخ الأكبر استبداداً مذهلاً وجباراً على باقي الطبقات؛ فيزرع شاشات الرصد في كل مكان؛ والتي مهمتها مراقبة الشعب ونشر الأخبار الملفقة وإصدار الأوامر للأفراد، ويزرع الحزب الميكروفونات في كل مكان لرصد كل همسة من الشعب، بل ويتجاوز الحزب ذلك ويعمد لتحطيم العلاقات الأسرية لإفناء كل ولاء ليس موجه له، ويعمد أيضا لإذلال العملية الجنسية بجعلها مجرد وسيلة لخدمته وبتجريدها من أي رغبة أو وله أو عاطفة فؤاد لأي احتمال لنشوء ولاء لغير الأخ الأكبر. يتفوق الحزب في استبداده على نفسه ليصل لمرحلة الاستبداد العقلي فيسيطر على اللغة، ويدمر، ويعيد تركيب كلماتها، بل ويصنع لغة جديدة، ويمنع الاتصال بالحضارات الأخرى، ويحرّف التاريخ، ويلفّق الماضي، ويقلب الحقائق، حتى تتوه العقول فلا تجد إلا الحزب كحقيقة ثابتة تستطيع أن تؤمن بها.”
امرأة ببنطال احمر تجسد عناصر الأخ الكبير في حالتنا الفلسطينية الدامية بالأمس.
ورجل ممتلئ بكرش يتملأ عيونه الحاقدة يده الضاربة بالحجر على رأس أخيه، وكرش اخر يحاصره، و”نسر امريكي” بنظارات سوداء يدعمهما من الخلف للتأكد ان الأخ الضحية سيدمي ويسقط حتى يشفى غليلهم من غضب الشعب الذي استفاق.
عندما يفكر الإسرائيليون والامريكيون والاوروبيون بأن حاجتهم لهذه السلطة متعلق بالتنسيق الأمني المقدس، وعليه، فلقد تم منح اباطرتها الضوء الأخضر لاستباحة هذا الشعب تحت حجة حماية امن إسرائيل، لابد ان يفهم أولئك اليوم، ان الشعب المستكين يعرف متى ينتفض وينهض من سباته. يعرف هذا الشعب من يحارب وكيف يحارب ومتى.
هذا الشعب ليس عناصر امنية تدربها هذه السلطة لتخرج في مظاهرات مؤيدة كاذبة ولا تحريك شارع لأغراض سياسية تخدم افراد اباطرة النظام. هذا الشعب هو الذي انتفض قهرا امام الظلم استباحة أحد أبنائه بهذه القساوة.
هذا الشعب هو الذي يتصدى في الشيخ جراح لقمع وهمجية المستوطنين.
هذا الشعب المتصدي يوميا لهجمات عساكر الاحتلال يوميا في بيتا
هذا الشعب الذي وقف نصرة للقدس وغزة.
الشعب يتوحد امام الظلم دائما، مهما تجاوز الظلاّم المدى.
كيف يستطيع هؤلاء الظن ان شعبا يواجه احتلالا استعماريا منذ ما يقرب القرن من الزمن يمكن ان يُقمع ويُخنع ويُخرس؟
كيف يمكن لهؤلاء ان يفكروا ان الشعب الذي لا يقبل ان ينكل الاحتلال بأبنائه لا يمكن ان يصمت على تنكيل أبناء جلدته له؟
لا اعرف ما الذي ينتظره اباطرة هذا النظام الآن، والسكوت مخيّم عليهم. الم تصل أبو مازن أصوات الناس الهاتفة ضده؟ الم يفهم شتيه ان ادارته للقمع ولجانه لم يصدقها أحد الآن؟
دم نزار الذي اهدروه هو دمنا.
قهر أبناء نزار وزوجته وأمه وأهله هو قهرنا.
ليس حبا بنزار، ولكن خوفا على حياتنا من الهدر من قبلكم كما هدرتم حياة نزار ويتّمتم اطفاله ورمّلتم زوجته وثكلتم امه.
لقد استبحتم دمنا عندما قتلتم نزار ظلما وقمعا.
لقد استبحتم دمنا عندما ظننتم ان الترويع والقمع والقتل لواحد سيكون عظة للعشرات… فخرج عليكم غضبا الالاف.
نحن نريد حياة امنة سالمة منكم.
لقد فضحتم أنفسكم وعريتم نظامكم وقتلتم فينا أي امل بإصلاح او تحسين فرص لحياة قد تكون كريمة.
لقد كشرتم عن انياب الضباع التي تمثل حقيقتكم.
ما يجري بالشوارع ليس تظاهرات ضد فاشيتكم فقط، ولكنها يقظة شعب ظن فيكم خيرا فاستكان.
اقرأوا التاريخ القريب والبعيد وتعلموا ان الظلم ظلمات تظلم على من يظلم حياة الناس. ولن نكون الشعب الذي وصفه اورويل ” الشعب الذي ينتخب الفاسدين والانتهازيين والمحتالين والخونة، لا يعتبر ضحية، بل شريكا في الجريمة.”

- هل كان اغتيال نزار بنات غير مقصود ام انه كان مع سبق الإصرار والترصد؟ سلطة الخديعة والاستباحة

لا يمكن الا تكون السلطة قد توقعت ردة الفعل الشعبية وربما الإقليمية والعالمية المترتبة على جريمة اغتيال نزار بنات. وعليه يفكر المرء انها قد تكون مجرد خطيئة أخرى لهذا النظام السلطوي الفاشي الفاسد.
هذا بالضبط ما تمثله هذه السلطة اليوم: نظام سلطوي فاشيّ فاسد. كيف اجتمعت هذه الكلمات لتشكل شكل هذه السلطة؟ هل يعقل ان نكون نحن الشعب السبب؟
لا يمكن كذلك تحميل الشعب أسباب هذا التردي والانحطاط الذي نعيشه بهذه الاثناء. ولكن يبقى عبء المسؤولية في تحمل وزر هذا التردي جزئيا علينا كشعب، لأننا بالفعل منقوصي الاهلية. منقوصي الصلاحيات والقوة والقدرة. لأننا كما تبين جليا امام العالم ان من يعترض منا على هذه المنظومة الفاسدة الفاشية ستتم تصفيته امام الاعين وكخفافيش الظلام بوقاحة وفجاجة وانحطاط. بلا خجل او حياء ولا تردد.
أفكر كم كان نزار على صواب عندما استعد بحنكة ظنها على ترك رسالة يخط بها سطور النهاية. أراد ان يترك الكلمة الأخيرة له. ولكنه لم يفكر على ما يبدو ان الوصايا الأخيرة كما الانسان لا تخلد بحياتنا البشرية التي تملأها الاحداث الكارثية كالقتل. فلو تعلمنا من وصية سابقة لما قتل بالأمس نزار.
أفكر بينما انظر الى جسد نزار الملتحف بالعلم الفلسطيني ووجهه الساكن بهدوء الى الابد، على الرغم من اثار الكدمات الواضحة التي قد تكون احداها علمت نفسه الأخير بهذه الحياة الدموية. كيف صار العلم الفلسطيني كفن الانسان الفلسطيني الذي قتلته ايدي فلسطينية. كيف تذوب المعاني الى تراب القبر مع الكلمات والاصوات وصاحبها، وتنتهي الى غير رجعة.
كم أراد نزار العيش بكرامة، وكم انتهى سدى على يد من ينزعون الكرامة والحياة منا.
أفكر انه حين تأتي يد الاغتيال لتطالني انني لن آبه بوصية. لا يهمني ان حملوا نعشي الالاف، وان صارت كلماتي تتردد لبعض الحين وملأت المواقع والصفحات. لأنني سأرحل بالتأكيد بلا أثر. لا اثر حقيقي يترك…. فقط تتوالى المآسي بضحايا جدد يلحقون ببعضهم… وهؤلاء ينتصرون ويحتفلون.
لا يأبهون بردة فعل. قتلت نفين العواودة وتوالى القتل والاجرام. قتلت اسراء الغريب وفرطت مسبحة القتل بلا توقف. قتل من قبل ناجي العلي وفرج فودة وباسل الاعرج وناهض الحتر وجمال الخاشقجي وتعاظم القتل وصار علنيا ممنهجا تتستر عليه الدول جامعة.
اغتيال نزار بنات لم يكن الأول، ولكنه استأثر ببجاحة الجرم وعلنيته ووضوحه، وبالتأكيد لن يكون الأخير.
اغتيال نزار بنات ليس الا مدخلا لقتل كثير قادم…. لأن العالم يقف متفرجا لا يأبه.
القهر هي الكلمة التي تسيطر على ارجائي. غمامة سوداء مليئة بالأوساخ والسموم تخيم في محيطي منذ الامس. هذا ما ارادوه بالتأكيد. قهرنا…. فقهرونا. تسميمنا وتوسيخنا بالكراهية والضغينة… فامتلأنا ببغضهم.
صاروا هم … ونحن امامهم في قهر مهزومين متعبين منهكين.
هذه هي المسؤولية التي نتحملها كشعب… وها نحن ندفع ثمنها بهذا الشعور السحيق بالقهر. ليس أكبر من هذا ثمنا ندفعه كشعب. قهر يتلوه قتل قادم من أي صوب…. هذا هو حالنا كشعب.
اردت كتابة مقالا تحليليا. ولكن كما هو واضح لا تسعفني الكلمات الا بتضميد حالة القهر التي اشعر بها. او ربما لا يوجد هناك داع للتحليل، فالأمور واضحة جلية.
هل اكتب مقالا سيسطر نهايتي انا كذلك إذا ما تكلمت أكثر؟
انظر الى عائلة نزار المكلومة واتساءل، هل كان الامر يستحق؟ بينما اجيب لأول وهلة بتلقائية لا.. لا شيء يستحق خسارة الحياة. خسارة الأبناء لأبيهم. خسارة عائلة لحاميها، لمعيلها. اعيد التفكير بوهلة تالية وأقول في نفسي، بلا يستحق، ليس لعظمة الامر، ولكن لانحطاط الحال الذي سويت حياتنا بقيمتها في الموت. سواء كنا احياء او اموات فالأمر تحت نار هكذا سلطة سيان. ربما… بالموت نجد العدل والحياة الاخرة الباقية.
الحق ان الامر مفجع، ليس فقط بهمجية وفجاحة القتل، ولكن بما الت اليه الأمور. قبل شهر واحد فقط كنا ننتصر لأنفسنا امام همجية الاحتلال. كنا نحتفل بوحدتنا كشعب. تحملنا الدمار والقتل وقلنا فداء لوحدة الدم الفلسطيني في كل مكان. كيف انتهينا الى هذا المشهد؟
من الشيخ جراح الى غزة الى صفقة التطعيمات. النتيجة إصابة الصوت الفلسطيني الصادح في مقتل.
هل اثار فيديو نزار الأخير الغضب الجامح لرئيس الوزراء وأعطى الأوامر بصفته وزير الداخلية لتصفية نزار؟ قبل ما يقارب العام بالضبط، حصل نفس المشهد: فيديو لنزار يطال به رئيس الوزراء باسمه. حينها كانت فضيحة أخرى -ربما- اذكر ان الكلمة التي أطلقت العيار حينها كانت وصف الأخير بانه تابع لصبيح المصري، وكانت مطاردة نزار على مدار أشهر، والمعلومة كانت واضحة: صدر امر من رئيس الوزراء شخصيا هذه المرة باعتقاله. وكلنا تابعنا بعدها تسليمه لنفسه واعتقاله التالي وتحويله الى معتقل التحقيق بأريحا. كان هذا هو الأسوأ الممكن حينها. هبة حصلت لمجرد تحويله الى سجن اريحا.
منذ انتهاء العدوان علي غزة الأخير وسجن اريحا يمتلئ بالاعتقالات.
هذا ما عنيته، كيف تتحول الكوارث الى اعتيادية الممارسة من طرف هذا النظام. الان افهم أكثر معني كلمة فاشي. تفشي الظلم على يد النظام بالتأكيد ما تحمله الكلمة من معاني دقيقة.
المهم أكثر الان هو القتل. فالاعتقالات تبدو عادية. ضرب، وسحل، وتعذيب، المهم ان يبقى الانسان على الأقل على قيد الحياة.
القتل بحجة الشرف، والقتل بحجة المعارضة هذا هو مبرر السلطة اليوم لكل قتل.
يعني إذا ما كنت القتيلة – (لن استخدم كلمة ضحية، لأنني لا أحبها. ولا اريد ان أكون ضحية عندما اقتل. قتيلة هي الكلمة الصحيحة لما يحصل لنا. ولن استخدم كذلك كلمة شهيدة، لأن الشهادة ننالها عندما نواجه العدو ويقتلنا، لا عندما يقتلنا أهلنا) سيكون من السهل إيجاد تبرير وتعتيم على الجريمة، فأنا امرأة يمكن استخدام شرفي للدفاع عن رذيلتهم. وكلمة المعارضة هنا فضفاضة، فكما تم تبرير قتل نزار انه كان ينتمي الى المعارضة، والمعارضة في فقههم التبريري تعني حماس ودحلان والاحتلال ربما. أخبرني أحد الأصدقاء الصحفيين الأجانب ان ما برره أحد رجال القيادة لاحد الدبلوماسيين الأجانب ان نزار كان معارضا للسلام ومواليا لحماس ومن جماعة دحلان. كان ينقص نزار ان يكون امرأة، او ربما كان ينقص ان يكون هذا القيادي بعض الشعارات النسوية، لأنه كان يمكن ان يضيف ان نزار كان كذلك ضد سيداو.
شر البلية لا يضحك هذه المرة، والتهكم ليس حتى في الوارد. هذه حقيقة صلبة. كل ما كنا نتهكمه صار حقيقتنا الممارسة.
هكذا يمارسون فاشيتهم، بنشر الاخبار الكاذبة وتلفيقها وجعلها فيما بعد حقائق ونحن نرددها ونناقش فحواها حتى.
منذ العدوان على غزة، وترك القدس من جديد لتواجه مصيرها مع الاحتلال وعنصريته، اخذت قيادة رام الله الضوء الأخضر باستباحة الشعب تحت حجة الحفاظ على الوضع لتأمين إسرائيل والتأكد من عدم تحكم حماس ووصول تأثيرها الى الضفة.
المشكلة هنا ليست بحقيقة هذه الأمور وإمكانية حدوثها، كأن يتضعضع امن إسرائيل مؤقتا وان تتحكم حماس بمشاعر الشعب. المشكلة بتحييد الشعب تماما وكأنه فقط متلقي يتم اللعب به والتحكم به. يعني اننا شعب لا يشعر ولا يفكر، فقط يتم التأثير عليه من العوامل المختلفة حوله. يكبسون زرا ونصبح حماس. يكبسون زرا ونخرج الى الهجوم على إسرائيل. شعب ينتظر فقط من يحركه.
هذا التفكير ليس حصرا على القيادة، ولكنه كذلك يشكل كيف يرانا الأجانب من دبلوماسيين وصناع قرار ومتحكمين. لا يرون منا الا ما ينقله له أصحاب القيادة. لا يروننا هم كذلك.
الجميع يتعامل معنا كأننا ثابت يمكن تحريكه بفعل من قبل اخر فقط.
وعليه، تجزع الإدارة الامريكية والأوروبية والدولية عندما يتم التلويح بإمكانية سيطرة حماس. وتجزع كذلك عند التفكير باندلاع مواجهات محتملة صوب إسرائيل. وكأن هذا الفلسطيني عبارة عن قنبلة موقوتة على وشك الانفجار في وجه إسرائيل.
لا يا سادة، نحن قنبلة موقوتة على وشك الانفجار في وجوهكم. نحن شعب حاولتم على مدار سنوات فسادكم كي وعينا، فامتلأنا بالقروح، ولكننا نداوي أنفسنا أحيانا. نعرف التمييز بين دمامل الاحتلال ودمامل الانهزام ودمامل الخنوع. نسكت، نصمت، نقهر، ولكننا نميز عدونا ومتى نهب في وجهه.
مقاومتنا للاحتلال ليس حكرا على السلطة بموقعيها وحزبيها. مقاومتنا هي جزء من هويتنا الوطنية التي لطالما حاولتم كيها فطمسها لحاجاتكم. ولقد شهدتم ما قالته القدس واللد وحيفا وام الفحم وغزة ورام الله ومدن العالم الحر الذي يؤمن بأن فلسطين قضية حق. نحن لسنا شعبا يتم التحكم بنبض مقاومته على حسب أوامر اصحابكم من اجل مصالحكم.
نحن شعب صمتنا عنكم لأننا نعي ان امامنا قضية، ولكنكم صفيتم القضية وها أنتم شرعتم بتصفيتنا.
يقهرني موت نزار ورحيله، ولكني اعرف ان صوته سيبقى بعد ان تزول غمامة القهر هذه عن قلوبنا. سيبقى كما بقي ناجي العلي خالدا.
لقد ابتلينا بسلطة تتسلط علينا لأن الغرب الامبريالي يحتاجها. سلطة تمارس علينا الدكتاتورية والفاشية التي يحاربها الغرب في العلن ويدعمها ويقويها بالخفاء.
لا يمكن فهم تصريحات وزير الخارجية بشأن قرار تقوية السلطة الا كتصريح بالاغتيالات العلنية لفرض البطش وترويع الشعب بطريقة أسرع.
نحن امام خداع وكذب تمارسه علينا هذه السلطة واعوانها من داعمين لسلطانها من حكومات تضخ فيها الأموال من اجل الاستبداد واستفحال الفساد. تصاريح علنية ووعود اصلاح كاذبة ومخادعة، وممارسات فساد واوامر قتل متوالية.
اسفة نزار… لطالما صرخت انني لا اريد ان اردد اسمك في وسم كلنا نزار وانت ميت. كنت اظن ان القلم اقوى من السيف في حده. لكني كنت مخطئة… كما أخطأت حين ظننت ان القلم قد ينقذ انسانا من ان يكون الضحية المقتولة القادمة. نحن نستطيع فقط ان ندون ما ندونه للتاريخ…. ليشهد اننا لم نصمت ونخضع ولم نرض بهذا الفساد والفاشية والظلم باسمنا كشعب عاش فيه احرار.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 13 / 2342227

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

39 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 37

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28