] الهبة المقدسية وتغير ميزان القوى في فلسطين! - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الأحد 16 أيار (مايو) 2021

الهبة المقدسية وتغير ميزان القوى في فلسطين!

محمد عبد الحكم ديا
الأحد 16 أيار (مايو) 2021

منذ اندلاع «الهبة المقدسية» ونحن نعلق عليها الأمل بأن تُعَمِّر وتتمدد، وها هي في تصاعد وتصنع بطولات وتحقق إنجازات غير مسبوقة، بعد الإضعاف المتعمد للمشاعر الوطنية والقومية، وتشويه الذاكرة التاريخية؛ بداية من مفاوضات «فض الاشتباك الأول» بين القوات المصرية، والقوات الصهيونية، وفك الارتباط مع الشركاء العرب، الذين لعبوا دورا كبيرا في إنجاز نصر اكتوبر 1973 العسكري العظيم، فشريك الحرب الأساسي كانت سوريا، ومعها قوات فلسطينية، ومساهمات ليبية وجزائرية بالرجال والعتاد والمال، ومن تلك اللحظة تراجع الزخم الذي صاحب النصر العسكري، وأضاعته المفاوضات العبثية، وفتح السادات الطريق أمام الصهينة والتطبيع؛ الذي لم يغلق حتى الآن، وحرمان الأجيال الجديدة من التعرف على حقائق تلك الحقبة الهامة في التاريخ العربي؛ شككوا فيها وفي إنجازاتها وبطولاتها.
ومع ما أصاب الكفاح العربي من جَزْر حال بينه وبين تحقيق التحرير، والتخلص من أحط صور الاستيطان التي عرفها التاريخ، وهو الاستيطان الصهيوني، وتماديه في غروره وصلفه وغطرسته، وعانى الناس طويلا وهم في انتظار لحظة تتغير فيها الموازين، وكانت الأنظار تتجه نحو المقاومة العربية عامة والفلسطينية بشكل خاص، وقد واجهت ظروفا صعبة، وصمدت وتحملت بشكل استحق التقدير والتعاطف، وجاءت «الهبة المقدسية» فبعثت الأمل بافتتاح طريق التحرير والعودة من جديد، واسترداد الأرض الفلسطينية كاملة، وعودة اللاجئين، وقيام الدولة، بعد طول انتظار، وصبر فاق صبر أيوب، ومع ذلك استمرت القضية حية رغم سقوط الغالبية العظمى من نظم الحكم العربية في مستنقع الصهيونية المؤمركة والأمركة المصهينة. وكان الرهان الرسمي الداخلي والإقليمي والدولي مركزا على الإضعاف والابتزاز، ونسيان الأهل، ويأس الأقربين، وملل المتعاطفين، فينتهي كل شيء، ويرتاح المغتصب بما اغتصب، ويطمئن الجبان بما حقق من كسب، ويرضى الخائن بما حصل عليه من ثمن!!.
وعادت فلسطين يفوح منها عطر البطولة والتحرير القادم، وعادت معها الثقة بالنفس، وها هي تُلقِّن الاستيطان والمستوطنين دروسا، وتدون فصولا جديدة في سجل التاريخ، وتضيفها لسفر المقاومة النوعية، ومثلت الهبات والانتفاضات الفلسطينية للمخضرمين من أمثالي بوصلة هادية تنير أمامهم طريق التغيير فيسلكونه، وكان طريق وعرا ومظلما، ولم تُفْقِدهم الأمل يوما في اتباع ما يعتقدونه حقا، «فالحق أحق أن يُتَّبَع» والتاريخ أكد وما زال يؤكد ذلك في أحلك ظروف التمييز والفصل العنصري، والاستيطان والاحتلال، والتطهير العرقي، والتهجير القسري والملاحقات الهمجية، وكانت مواجهتها بمثابة أمصال تقوي المناعة النفسية والعقلية، وساعدت على توظيف المواقف والآراء المنشورة؛ كتابة واستماعا ورؤية، وكثير من أولئك دفع الثمن؛ ملاحقة وسجنا وتشريدا ونفيا، ولم يهتز فهمهم لطبيعة الحركة الصهيونية؛ كحركة لقيطة وشاذة، وكان من المتوقع سقوطها فور إنهيار نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا في تسعينيات القرن الماضي، وهذا لم يحدث حتى الآن، لأسباب كثيرة لا يتسع لها المجال.
ومع الهبة المقدسية استبسل الفلسطينيون، وهم يتصدون للمستوطنين ورجال الأمن الصهاينة، ممن جاءوا لانتزاع بيوتهم وممتلكاتهم، ومنعهم من الصلاة في المسجد الأقصى. وأطلقت قوات الاحتلال وفرق المستوطنين النيران والقنابل المسيلة للدموع والرصاص المطاطي؛ أطلقوها على الموجودين في المسجد الأقصى وقبة الصخرة؛ يومي الخميس والجمعة 6 و7 مايو الجاري (2021) وكانت الحصيلة أكثر من مئتي مصاب.

وتصاعدت المواجهات، واستمرت المعارك، وزادت مصادرة المنازل والممتلكات في المدينة المقدسة ومحيطها، وأسفرت مواجهات باب العمود عن انسحاب القوات الصهيونية، وقد يكون ذلك مؤقتا؛ لإصرار المقدسيين على رفض السيطرة الصهيونية، وكانت الحصيلة حتى صباح الثلاثاء الماضي (11/ 05/ 2021) كما أعلن الجيش الصهيوني تنفيذ 130 غارة على قطاع غزة، وسقوط 24 شهيدا، من بينهم 9 أطفال، وإصابات بلغت 103 إصابة؛ في عملية أطلقت عليها القوات الصهيونية «حارس الأسوار» وجاء في بيان مشترك أصدرته «الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة الفلسطينية» في نفس اليوم، وحمل اسم «سيف القدس» وأُطْلِق على المعارك التي دارت بين المعتدين الصهاينة، وبين المدافعين عن المقدسات العربية؛ إسلامية ومسيحية.
وفي نفس اليوم أُعلِنت الطوارىء بمدينة «اللد» وطلب نتنياهو من وزير الحرب بيني غانتس بنقل قوات من حرس الحدود في الضفة الغربية إلى«اللد» بسرعة، بعد فقدان السيطرة على المدينة، حسب تصريحات رئيس بلديتها، واندلعت حرب شوارع حقيقية بين العرب واليهود، وتجدد القتال ليل الثلاثاء، وامتد لمدن الداخل؛ بين الشباب الفلسطيني والشرطة الصهيونية وفرق المستوطنين، وأخلت الشرطة عشرات المنازل اليهودية بسبب احتدام المعارك، وإحراق شباب «الرملة» سيارات المستوطنين، وامتدت الهجمات إلى «عكا» وشبت النار بأحد مطاعم المدينة، وأحترق مركز شرطة، وسيارات مستوطنين، وأصابت النيران كنيس يهودي.
وتوعد بنيامين نتنياهو حركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي» بدفع ثمن باهظ جراء إطلاق صواريخ من غزة، وأكد بأن «بلاده» تقوم بحملة كبري، وأنه مستمر في استخدام القوة القصوى ردا على القصف الفلسطيني، وصرحت «حركة حماس» بأن إطلاق الصواريخ من غزة صوب تل أبيب وضواحيها جاء ردا على تدمير أبراج سكنية للمدنيين، وأشارت وكالة «رويترز» إلى هلع الصهاينة بحثا عن ملجأ يحميهم، وأوردت الوكالة سقوط امرأة من مستعمرة ريشون لتسيون قرب تل أبيب، وتلقى نحو مئة مصاب العلاج جراء القصف، وصرح المتحدث باسم الشرطة ميكي روزنفيلد؛ لوكالة فرانس برس بأن صاروخا أصاب حافلة في ضاحية «حولون» بتل أبيب، وكانت «حركة حماس» قد أطلقت 137 صاروخا على مدينتي عسقلان وأشدود القريبة، ونبهت |رلى احتفاظها بـ«مفاجآت كثيرة» حال استمرار القتال.
ومع حدوث ذلك التغير الجوهري في ميزان القوى لصالح الفلسطينيين، نجد على صعيد آخر؛ بدأت الموازين في مصر في اتجاه التغير، وذلك لا يسعد «المشير السيسي» ومن المستبعد أن يستجيب له؛ على الأقل عملا بمبدأ «بيدي لا بيد عمرو» فحراك الداخل المصري المتصاعد، زاد مع «الهبة المقدسية» وجاء نتاجا لنشاط «الحركة المصرية لمقاومة الصهيونية» وقد بدأت خطوات نشأتها في السنوات الثلاث الأخيرة، ومدت يدها للمناهضين للصهيونية في الداخل وعلى امتداد «القارة العربية» وحرصت على التواصل مع الحراك الفلسطيني المتصاعد، وأضافت «الهبة المقدسية» زخما للحراك المصري، ومن مآثر الحركة ما نشرته مؤخرا بمناسبة عيد الفطرو ربط التهنئة بالعيد بـ«يوم تحرير الأرض والإنسان من المحيط إلى الخليجَ» وهذه رسالة لا تحتاج شرحا أو توضيحا.
وقد يكون ذلك سببا في تغير اللهجة الرسمية المصرية، فقد جاء على لسان سامح شكري وزير الخارجية، في كلمته أمام الاجتماع الوزاري الطارئ لجامعة الدول العربية، فقال: «انطلاقاً من المسؤولية القومية لمصر إزاء الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، لم تكن مصر لتقف صامتة إزاء كل هذه الانتهاكات»(!!) ونشطت بشكل مكثف خلال الأيام الماضية في نقل رسائل إلى تل أبيب وكافــة العواصم الفاعلة والمعنية وحثها على بذل ما يمكن من جهد لمنع تدهور الأوضاع» وأضاف «غير أننا لم نجد الصدى اللازم، ولا زالت مصر تجري اتصالاتها المكثفة مع كافة الأطراف الدولية والإقليمية الفاعلة من أجل ضمان تهدئة الأوضاع في القدس» والمعنى هنا إن الدور المعتاد من مصر الرسمية، وكان وما زال قاصرا على الوساطة بين تل أبيب ورام الله وغزة، ولم يلق استجابة، وأضحى مجرد لغو كاشف لضعف التأثير الرسمي المصري؛ المكبل بالتطبيع والصهينة والكويز، الذي يُلزم القاهرة، دون إلزام يذكر لتل أبيب، وجعل منه جهدا مضافا للجهد الصهيو أمريكي، الذي رعاه دونالد ترامب وطفله المعجزة جاريد كوشنر، وما زال بايدن يدور في فلكهما، ولم يخرج عنه!


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 10 / 2342227

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات وقضايا   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

26 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 21

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28