وفاء للحكيم فكرا ومواقف وأخلاقا سامية

السبت 9 كانون الثاني (يناير) 2021 par بسام ابو شريف

جورج حبش ميز الفكر القومي بالكفاح المسلح..! ورفع شعار اسقاط الرجعيات العربية..
واستخدم العنف الثوري ضد تحالف الاستعمار والصهيونية والأنظمة الرجعية...

ما الذي يجعل مكانة الحكيم عالية في ذهن التقدميين العرب ، وحركات التحرر في العالم رغم مرور الزمن ، وما يرافقه من زلازل سياسية ، ومطبات قاضية ، وهجمات قاتلة ؟
انها قصة جورج حبش بمكوناتها ، وتأثيرماترك الزمن بنا من مصائب ، وما تفتق ذهن الشاب الذي كان يسعى ليكون طبيبا في الجامعة الاميركية في بيروت .
لمن لايعرف الدكتور جورج حبش معرفة شخصية ، ولم يقاتل الى جانبه ، ولم يكن زميله في الدراسة بمراحلها الأولية ، والثانوية ، والجامعىة ، ولمن لم يشاهد كيف يواجه جورج حبش قصف خيمته بالمدفعية ، أو الاغارة الجوية على مقر من مقراته …. لمن لم يشاهد جورج حبش ، وهو ينجو من محاولة اسرائيلية لاختطاف طائرة ” مرتين ” ، ظنا منهم أنه على متنها …. ولمن لم يشاهد جورج حبش ، وهو يتكئ على ارادته الصلبة ليخرج من آثار عملية أجريت له لاستئصال شريان دم جف …. أقول لهؤلاء : –
هذا هو جورج حبش ، الذي تعرفت عليه في العام 1963 / 1964 ، في بيروت في بيت سري استأجره تحت اسم مستعار في نزلة مار الياس في كورنيش المزرعة .
قرأت الكثير عما كتب عن الحكيم بالاتجاهين ، الاتجاه الذي يحاول أن يكون موضوعيا في تقييمه ، والاتجاه الذي يعمد للتضليل بمهاجمته ، لكنني لم أقرأ ما يسبر غور هذا الرجل الثاقب النظر ، والمستقيم المسلك ، والذي لاتعرف الشجاعة لديه حدا ( باستثناء كتاب ألفته عنه ) أما مذكراته ، فمن الطبيعي ألا تتضمن تقييما لنفسه ، أو كتابة وجهة نظر ورأي فيه بعطيه حقه من الاشادة ، وتسليط الضوء على مساهمته التي سجلها التاريخ في ميادين الفكر السياسي العربي ، ورفع شعار الكفاح المسلح طريقا للوحدة ، وتحرير فلسطين .
كان على رأس مجموعة الشباب ، الذين أسسوا حركة القوميين العرب في حقبة ” العروة الوثقى ” في الجامعة الاميركية ، لكنه تميز عن مطاع صفدي ، وقسطنطين زريق ، وميشيل عفلق بطرحه الفكر القومي ” الذين قاموا هم أيضا بطرحه ” ، متلازما تلازم التوأم مع الكفاح المسلح ، والعنف الثوري كآلية لتحقيق الوحدة العربية كنتيجة لطرد الغزاة ، والمحتلين والمستوطنين أرضا عربية بالقوة العسكرية المعتدية ، والمجرمة بارتكابها مجازر ضد الشعوب العربية ( في الجزائر ، واليمن ، وفلسطين ، ومصر ، وليبيا ، والخليج والجزيرة ) .
ما طرحه جورج حبش ، هو الفكر القومي المقاوم للاستعمار والغزاة ، والذي يفرض على القوميين العرب وضع استراتيجية قتالية لطرد المحتلين ، وتحرير البلاد ، وتوحيد الامة العربية ، وعند جورج حبش وزملائه هذه الاستراتيجية قادرة أن تكون بفاعليتها ذات تأثير متبادل ، ومزدوج : فالوحدة طريق للتحرير ، والتحرير طريق للوحدة ، ومتابعة معركة التحرير .
ولذلك نسجل هنا للتاريخ : –
ان لحركة القوميين العرب ، التي أسسها جورج حبش ، ورفاقه الدور الريادي، والقيادي في انشاء الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن ، وتحقيق الانتصار على الانجليز وطردهم من جنوب اليمن ، وكان كل من قجطان الشعبي ، وفيصل عبداللطيف الشعبي عضوين في اللجنة التنفيذية لحركة القوميين العرب ، ونسجل أيضا للتاريخ الدور الكبير الذي لعبته حركة القوميين العرب في ثورة الجزائر ضد الاستعمار الفرنسي ، وكان أعضاء في مجلس قيادة الثورة الجزائرية أعضاء في قيادة حركة القوميين العرب ، واعتمدت الحركة على دعم جمال عبدالناصر ، البطل العربي العملاق في رفد الثوريين اليمنيين ، والجزائريين بالسلاح والعتاد والتدريب ، واستمر البطل الراحل بشيربومعزة بعد انتصار الجزائر في أداء دوره الثوري بانضمامه لقيادة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، وأبقي هذا سرا غير معلن للحفاظ على أمن وسلامة البطل الجزائري ، لكن بشير بومعزة لم يكن الوحيد ، بل انضم للجبهة عدد كبير من المناضلين الجزائريين ، الذين ساهموا وضحوا ، واستشهد عدد منهم في الكفاح لتحرير فلسطين ، وأنا على يقين أن لفلسطين في قلب كل جزائري مكانة الصدارة ، وان آلافا من الشباب والشابات الجزائريين على استعداد للتطوع للقتال الى جانب اخوتهم الفلسطينيين لتحرير فلسطين .
معسكر الأعداء
بداية عمله السياسي ،كان لجورج حبش وزملائه رؤية واضحة جدا حول مكونات معسكر أعداء الامة العربية منذ أن بدأ العمل لانشاء تجمع وتنظيم وقعت الجريمة الكبرى ن التي ارتكبت ضد الشعب الفلسطيني اتضحت الرؤية السياسية بمدى تكوين المعسكر المعادي لشعب فلسطين ، أي المعادي للجماهير العربية ، لقد شاهد الدكتور جورج حبش بأم عينه الجرائم التي ارتكبها العدو الصهيوني بعصاباته المسلحة ضد الشعب الفلسطيني : مجازر، وقتل جماعي ، وتهجير بالقوة ، وتدمير قرى بأكملها ، وشاهد أيضا الدور التآمري الذي لعبته الأنظمة العربية ضد الشعب الفلسطيني خضوعا لأوامر القوى الاستعمارية ، فقد دخلت جيوش الأنظمة لتحمي دولة اسرائيل ، التي أقيمت على أرض الفلسطينيين حسب اتفاق الأنظمة مع الحركة الصهيونية ، والاستعمار البريطاني لذلك وبعد أن ثبت بالملموس خيانة الرجعية العربية بأنظمتها ، التي وظفها الاستعمار البريطاني لحماية دولة اسرائيل ( الترجمة العملية لوعد بلفور ، الذي اشتراه روتشيلد برشوة حكومة بريطانيا ، التي كانت منتدبة من الأمم المتحدة لتهيئة فلسطين للاستقلال رغم أن فلسطين كانت أكثر البلدان العربية تطورا في كل الميادين ) ، الاستعمار ، والصهيونية ، والأنظمة الرجعية المتآمرة ، والخاضعة لأوامر الاستعمار ، هي أطراف معسكر أعداء الامة العربية ، وأهدافها المشروعة في تقرير المصير والحرية ، والاستقلال ، والوحدة .
أما الركن الاستراتيجي الثاني ، فقد كان واضحا بذهنه وذهن زملائه ، وهو أساسية النضال لاسقاط هذه الأنظمة كي تتحرر الشعوب من نير الاستعمار ، وتتوحد لتحرير فلسطين ، وكما ذكرنا سايقا أضاف جورج حبش أساسا هاما تميز به طرح مؤسسي حركة القوميين العرب وهو الكفاح النضالي المسلح ضد الاستعمار ، وعملائه ، وضد الكيان الصهيوني من هنا جاءت الشعارات الاولى للحركة : – دم حديد ونار
وحدة تحرر ونار
ومن هنا جاءت شعارات : – ” أخويا في الحجاز أمم آبار الغاز
وأخويا في الكويت أمم آبار الزيت ” .
لقد صدرت قرارات ملاحقة من ” حسني الزعيم ” ، ضد جورج حبش ، وزملائه حينما كانوا طلبة في الجامعة الاميركية بتهمة الارهاب ، والتخطيط لقلب النظام في سوريا ، وكذلك لوحق في الاردن ، واعتقل هو ووديع حداد بعد أن تخرجا من الجامعة ، وزج بهما في سجن الجفر الصحراوي ، وتم تهريب الدكتور جورج حبش ، وتمكن زديع حداد بعده بفترة من الهرب الى سوريا أيضا ، ومع ثورة يوليو في مصر وجد شباب ، وقيادات حركة القوميين العرب في جمال عبدالناصر الدعم ، والاسناد للانتشار ، والتوسع في العالم العربي ، فكان للحركة فروع في دول الخليج على الصعيد الشعبي ، وكان شباب الحركة ملاحقين في هذه الدول ، وقاد الدكتور احمد الخطيب بعد عودته من التخصص كطبيب ” قسريا ” ، حركة القوميين العرب في الكويت ، ونالت عددا من المقاعد في البرلمان ، وشكلت حالة جماهيرية واسعة كان من أركانها المناضل الكبير جاسم القطامي ، وآخرين من التيار القومي الناصري .
وفي العام 1964 ، بدأ المنحى الاستراتيجي والموقف يتخذان شكلا ، ومضمونا فاعلا في اليمن ، ففي جنوب اليمن بدأت الجبهة القومية بالكفاح ضد الاستعمار ، والجيش الانجليزي وضد ” السلاطين ” ، المتحالفين مع الاحتلال البريطاني ، وكانت الحركة كما ذكرنا قد ساهمت ، وشاركت في ثورة الجزائر ، وأسقطت مع تحالفاتها التقدمية في العراق النظام الملكي ، وقاد عبدالسلام عارف حركة الثورة ، وبعد تفرد عبدالكريم قاسم بالحكم وابتعاده عن طريق الوحدة مع مصر قام ضباط الحركة ” ناظم الطبقجلي والشواف ” ، بدعم من الحزب الشيوعي سيطر عبدالكريم قاسم في العراق على الثورة القومية العربية ، التي أعلن عبدالسلام عارف قائدها الفعلي عن انضمام العراق للوحدة مع مصر مشكلين الوحدة الثلاثية ، كان قاسم له موقف معارض ، وقام بتشكيل محكمة عسكرية برئاسة المهداوي ، وأعدم عددا من خيرة الضباط القوميين منهم عبدالوهاب الشواف ، وناظم الطبقجلي ، ورفعت الحاج سري كانت تلك ضربة كبيرة لحركة القوميين العرب ، التي سرعان ما أسقطت عبدالكريم قاسم بانقلاب عبدالرحمن عارف ، ولعبت حركة القوميين العرب ، وأمينها العام تحديدا الدكتور جورج حبش دورا هاما في ازالة الملكية من العراق ، وأقامت الجمهورية ، واعلان الوحدة الثلاثية .
وفي فترة امتدت بين هزيمة حزيران 1967 ، وانقلاب حزب البعث كانت السلطة بقيادة احمد حسن البكر أعادت القيادة المكلفة بتأسيس الجبهة الشعبية علاقات حركة القوميين العرب مع عشائر الموصل وضمنها أفخاذ من قبيلة شمر كانت تسيطر على الممرات الحدودية ، ويسهل عليها مساعدتنا في نقل السلاح والذخائر عبر الاردن ، وسوريا ، والجبور ، والبوحمدان والدليم ، وكان عدد كبير من شبابهم ضباطا في الجيش العراقي .
جورج حبش في ميدان القتال : –
كان أول من خضع للتدريب العسكري في معسكر حرستا بسوريا في العام 1959 ، وكان جمال عبدالناصر، القائد العربي العظيم قد أمر بفتح معسكر في منطقة حرستا لتدريب شباب حركة القوميين العرب ( خاصة أبناء مخيمات اللاجئين الفلسطينيين ) ، وتهيئتهم للمعركة المقبلة مع اسرائيل .
شاهدت الحكيم في الميدان : –
شاهدته بعد معارك ايلول عندما عاد للاردن بعد أن قطع زيارته الرسمية لكوريا الشمالية على اثر اندلاع المعارك في الاردن ، وشاهدته قبل ذلك يلبس اللباس العسكري في مدرسة الكادر التي كانت قد أقيمت في الاردن لتدريب كوادر الجبهة عسكريا ، وفكريا ، وسياسيا ، وشاهدته في خيمة تغطي حفرة يعمل فيها الحكيم في جبال عجلون بعد خروج قوات الثورة من مخيمات عمان ، وكانت تلك الخيمة تبعد عن دبين حيث كان يقيم ياسر عرفات ، وابو جهاد في مغارة قرب دبين ، والمنطقتان كانتا على مقربة من مخيم سوف للاجئين ، وشاهدته في معارك حرب اسرائيل ، والكتائب اللبنانية ضد تحالف قوات الثورة ، والقوى الوطنية اللبنانية ، وشاهدته أثناء حصار بيروت ، وخلال المعارك التي دارت على مدى ثلاثة أشهر مع الغزاة الاسرائيليين ، مشاهداتي في هذه الميادين أكدت تلك الصفة ، التي يتمتع بها الدكتور جورج حبش ، وهي الشجاعة الهادئة لايرجف له جفن من قصف طيران ، أو مدفعية …. حذر كما يجب ، لكنه لايهرب من معركة ….. يراقب بدقة ، ويحسب بدقة ، لكن حساب الدقة لديه لايعني عدم الاقدام ، او الابتعاد عن الميدان ، في أحد أيام تموز 1970 ، كان التوتر بالغا بين فصائل المقاومة ، وذهب بعضهم الى حد الهتاف ضد جمال عبدالناصر مما جعل الآخرين يتصدون لهم ، وأضاف ذلك توترا على التوتر العام ، الذي كان يخيم على العلاقات الرسمية الاردنية الفلسطينية ، ودعا ابو عمارلاجتماع عاجل لقادة المنظمات ، وكنا في مخيم الوحدات ( أو قريبا منه حيث كان للجبهة مستوصف لمعالجة الحالات الطارئة) ، وأبلغ الحكيم بالدعوة للاجتماع في وقت لم يترك له سوى دقائق معدودة ليصل الى مكان الاجتماع في جبل الحسين ” المخيم ” ، لم يكن مرافقوه وسائقه موجودين ، فنظر من حوله ، وسأل : كيف الوصول ؟
فقلت له : أنا جاهز يا حكيم ….. ابتسم الحكيم ، وقال : الوقت ضيق .
أجبته ستصل في الوقت المحدد .
قال : كيف ؟
فقلت له : سوف نمر من أقصر طريق أمام القصر الملكي ، وكان القصر مقابل مكاتبنا في جبل الجوفة .
قال : أليست مخاطرة ؟
قلت له : انها مخاطرة ، لكنها أسرع طريق ، وقد لايتصور الجيش أن جورج حبش سيمر من أمامهم !! ….. بدأنا نهبط الدرج بخطوات سريعة ، وخلالها قلت له : أبا الميساء استعرت سيارة والدي اليوم ، وهي التي سنستقلها لأن سيارتك غير موجودة .
هز رأسه موافقا ، أو انصياعا لأنه كان يريد الوصول انطلقت بالسيارة بسرعة معتدلة رفعتها الى سرعة كبيرة تدريجيا ، وحين مررنا أمام حراسات القصر تابعت مسرعا ، وأنا أرفع يدي لهم محييا ، وردوا التحية فيما السيارة تنهب الأرض نهبا …. دقائق قليلة مرت ليجد الحكيم نفسه في مخيم الحسين أمام مقر فتح حيث الاجتماع …. نظر الى ساعته ، وضحك قائلا بكرنا دقيقة واحدة ، ودخلنا للاجتماع ، في تلك الظروف كانت تلك مجازفة مجنونة ، فقد كان الرصاص يسمع في أكثر من مكان ، وكانت الحراسات مشددة ، لكن الحكيم جلس الى جانبي دون أن يقول كلمة واحدة ، ولم يعترض على السرعة الجنونية ، بل ابتسم !!
وفي أحد أيام حصار بيروت التقى الحكيم بسفراء الاتحاد السوفيتي ، والمانيا الديمقراطية وكان الموعد الذي أبلغنا به ، هو الثانية بعد الظهر ، فقلت للحكيم : هذا موعد غداء ما رأيك أن نرتب لهم غداء بسيطا ، وبامكانهم التحدث أثناء ذلك ، وافق الحكيم رتبت غداء في شقتي التي كنت أسكن فيها مع عائلتي ، وكانت البناية قد خلت من سكانها ، رتبنا حضور الجميع وأخضرنا طعاما ، وبدأ الحديث …… دقائق مرت قبل أن تهاجم الطائرات الاسرائيلية منطقة مار الياس – كورنيش المزرعة ، ومحيطه الثكنة اللبنانية هناك ، واهتزت البنايات من شدة القصف ، وارتمى الموجودون أرضا فيما بقي الحكيم وأنا الى جانبه جالسين ، كان الحكيم يعاني من الشلل النصفي ، الذي لايتيح له سرعة الحركة ، لكن ذلك لم يكن سبب عدم تحركه سماع صوت الانفجارات كان اعلانا أن القصف يستهدف مكانا آخر ، ولو كان يستهدفنا لما كنت أكتب هذا المقال الآن …. انتهى الاجتماع ، وخرج الجميع ، واقترحت على الحكيم أن يأخذ قسطا من الراحة وافق رغم خطورة المكان .
الشجاعة لدى الحكيم كانت في الموقف كان موقفه صلبا برفض الخروج من بيروت ، ويدعو لاستمرار المواجهة ، وفي اجتماع مشترك للقيادتين اللبنانية والفلسطينية رد الحكيم وقيادات اخرى على وليد جنبلاط ، الذي حمل رسالة تطلب منا فيها الحكومة اللبنانية الموافقة على ماطرحه فيليب حبيب من خطة لخرج القوات الفلسطينية من بيروت حينها قال الحكيم : – ( لانريد من الشعب اللبناني الكريم ، والصبور ، ومن قيادته الوطنية الا أن تسمح لنا بالقتال ضد العدو ، وأن نستشهد على أرض لبنان ) .
حينها نظر ابو عمار للحكيم نظرة كلها دفء ، وقال : – ( ياحكيم احنا ورانا مواجهة ، وقتال بلاش نتأخر ) ، ونظر الى وليد جنبلاط قائلا : ” شكرا احنا ورانا شغل ” .
وخرج الاثنان ، وكنت معهما في ذلك الاجتماع .
جورج حبش – الكاريزما
جورج حبش رجل وسيم ، جميل الطلعة يصوب عينيه نحو محدثه ، ويتحدث معه بلغة اللسان ولغة النظر …. عيناه تتكلمان على مدى ماتنظران ، وما تشاهدان فيما هو ينظر اليك مستمعا لكلامك تقوم عيناه بتفحص كلماتك ، وقياسها ، ولمس دفئها ، أو برودتها ، وتسألان باستمرار عينيك أسئلة في العمق ، وقد تكون أسئلة حساسة !!
عيناه تطلبان منك في كل لحظة أن
تقول ماتريد قوله ، وأن لاتخشى
من الأمر شيئا .
وعندما يتحدث هو …. تتحدث عيناه
ليعطي كلماته عزما ، ودفعا ، ودفئا .
تمتطي كلماته حصان الرهبة ، وتشع
وهجا حينما تطلق العنان لهجوم على
العدو ….
وتحمل عيناه لك قوة ، وصلابة ، وارادة
تجعلك فوق شجاعتك
وتكسبك الارادة القصوى التي تحتاجها
لقول الحقيقة …..
وخوض المعركة ….
وهزمك للموت .
والعودة حيا كي تحتفل بانتصار على العدو
وتعلمك عيناه أن حب الوطن أكبر
عندما تقاتل من أجله أكثر
وعندما تقصف عدوك بالموت
وتعود لوطنك سالما …..
وان عدت جريحا ، فهذا وسام
وان عدت شهيدا ، فهو وسام أبدي
تعلمك عيناه الحرص على نفسك لأن ذلك
هو حرصك على الوطن ….
وتعلمك عيناه أن تبقى دائما
تلميذا في مدرسة الحياة
وأن الحياة مدرسة لاتنتهي
كما هو العلم … بحر بلا شواطئ
وكما هو المحيط عمق يزيد اللون
والمعرفة بعمقه عمقا ….
ويراكم فوق العلم علما ….
لا تتوقف عن التعلم ….
لأن ذلك يهذب النفس فيك
ويرعى في عروقك نموا غنيا
لااصرار عنيد ….. أن تعرف ….
وأن تعرف أكثر … حتى تنتصر على عدوك
وتنتصر أكثر
هو الرجل ، الذي يشعرك بدفء حبه لك
لأنك تقاتل لتحرر وطنا ظلمه الظالمون
وغزاه الهمجيون ، ونكل بأطفاله العنصريون
لذلك تقول عيناه لكل مقاتل :
أنت البطل
أنت ، الذي يعطي
دون أن يأخذ
أنت ، الذي يعطي كي يتمكن من أن يعطي شعبه
خبزا ، وحرية
زيتا ، وكرامة
زيتونا ، وكيانا
وفوق هذا … تقول لك عيناه …
يا أيها البطل …. حافي القدمين كنت
أو منتعلا ….
عاري القبضتين …. شققهما زمن التصدي
قوي المنكبين من أثقال حملك الزمن أحمالها
فازددت قوة ، وقدرة ، وجمالا
أنت البطل ….
طالما أنت المقاوم
أنت الحقيقة طالما أنت تقاتل عدوك
عدوك عدو الانسان ، والشجر، والبحر
والشمس ، والقمر ….
أنت البطل
أنت …. أنت
يا أبا ميساء أنت البطل .
أنت الحقيقة لأنك قلت الحق
لأنك قلت الحق …. الحق أقول لكم .
ولم تخش في الحق أحدا
نشتاق لك ، ولصوتك الرخيم
اشتقنا لسماعك تغني ….
للحب ، والقلب ، والوطن
اشتقنا لك نراك تطرب لأنين
ناي ، وتبتسم لدمعة فرح ….
الوطن ، هو الوطن …..
الوطن ، هو البطل .