] قراءة في تصريحات الفيصل والتفسيرات المحتملة - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
السبت 12 كانون الأول (ديسمبر) 2020

قراءة في تصريحات الفيصل والتفسيرات المحتملة

علي الصالح
السبت 12 كانون الأول (ديسمبر) 2020

ما صرح به الأمير تركي الفيصل رئيس الاستخبارات السعودية الأسبق، في المؤتمر الأمني الإقليمي في البحرين، عبر تقنية الاتصال المرئي، يوم الأحد الماضي، فاجأني ربما أكثر مما فاجأ وزير الخارجية الإسرائيلي غابي اشكنازي، الذي شارك الأمير السعودي المؤتمر نفسه، الذي لم يجد ما يقوله سوى التعبير عن أسفه الشديد لما سمعه.
ما قاله الأمير تركي الفيصل، رغم أنه لا يمثل أكثر من جزء بسيط من الحقيقة والواقع على الأراضي الفلسطينية، هو في ظاهره انقلاب بالمعنى الحقيقي على الموقف شبه المعلن لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، في مسألة التطبيع مع إسرائيل، وتكمن أهمية هذا الخطاب في الزمان والمكان.

جاء الخطاب في زمان الردة العربية، الذي تهرول فيه النظم الخليجية نحو ليس التطبيع مع دولة الاحتلال، بل الاستسلام الكامل لها، والتنازل عن كل القرارات العربية والدولية. أما المكان فهو مملكة البحرين، التي وقعت الاتفاق مع إسرائيل فقط، لإشهار العلاقة غير الشرعية القائمة معها، التي تمتد لسنوات سابقة، كرس خلالها ملكها وقته للترويج للتطبيع مع الاحتلال، ورفع الحظر عن السفر إلى إسرائيل وتشجيع مواطنيه وغيرهم على زيارتها والتهجم على المعارضين.

في كلمته في المؤتمر شن تركي الفيصل، هجوما كاسحا وغير مسبوق على إسرائيل، وسياساتها القمعية ضد الشعب الفلسطيني، مستخدما تعابير لم تعد واردة في قاموس الدول العربية، وتحديدا الخليجية، وسط هرولة التطبيع على نحو لم نشهده من قبل، وصل حد الضرب عرض الحائط بكل قرارات القمم والمبادرات العربية، والقرارات الشرعية الدولية، بتوقيع الاتفاقات التجارية حتى مع قادة المستوطنات. وقال الأمير تركي، إن إسرائيل تقدّم نفسها «دولة صغيرة تعاني من تهديد وجودي، محاطة بقتلة متعطشين للدماء، يرغبون في القضاء عليها». وتابع مذكرا بأن تصريحاته تمثل رأيه الشخصي، ومع ذلك يقول، «إنهم يصرحون برغبتهم في أن يصبحوا أصدقاء مع السعودية». ووصف إسرائيل بـ»قوة استعمارية غربية «، متحدثا عن إجراءاتها في تهجير الفلسطينيين قسرا وتدمير القرى، وهدم المنازل كما يشاؤون، ويقومون باغتيال من يريدون». والأهم في كلمته هو التأكيد على حقيقة ساطعة لمن يريد، أو لا يريد أن يراها، وهي انه بدون تسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فإننا لن نرى سلاما حقيقيا واستقرارا في المنطقة. وكذلك التشكيك في اتفاقات السلام التي وقعتها دول خليجية مع إسرائيل. واعتبر أنه «لا يمكنك علاج جرح مفتوح باستخدام مسكنات الألم». وقال لاحقا في مقابلة، بالنسبة للسعودية هناك ثمن يجب أن تدفعه إسرائيل قبل أن يكون هناك أي علاقات مع المملكة، وهو قيام دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس، وتسوية قضية اللاجئين. هذه بديهيات في الموقف السعودي، كما يقول الفيصل، واعتقد أن مصداقية المملكة يجب أن تكون أعلى من شخص مثل نتنياهو، وهو شخص متهم في بلاده بأنه كذب على شعبه في عدة أمور، نافيا أن يكون كلامه تحضيرا لأي شيء، ومؤكدا أنه لن يكون هناك توافق مع إسرائيل على أي مبدأ كان.
ويبقى السؤال هو لماذا قال تركي الفيصل ما قال في هذا التوقيت، الذي تأمل فيه إدارة ترامب، في إقناع السعودية لكي تحذو حذو الإمارات والبحرين والسودان، والآن المغرب الذي التحق قبل يومين، وعلى نحو غير مفاجئ، بركب المطبعين، أو لنقل إنه أشهر العلاقات القائمة أصلا، وفي وقت يُجند فيه ولي العهد محمد بن سلمان، جميع وسائل إعلامه لتمهيد الطريق للتطبيع السعودي.. ويجتمع سرا وعلى أرض سعودية مع نتنياهو برعاية وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، الذي لا يزال مقتنعا بأن السعودية ستسير على درب التطبيع قريبا. وهو ما أكده أيضا مستشار ترامب وصهره جارد كوشنر مجددا يوم الخميس الماضي بالقول، إن تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل مسألة وقت. وقال لصحافيين مرافقين «تقارب إسرائيل والسعودية والتطبيع الكامل بينهما في هذه المرحلة، أمر حتمي، لكن من الواضح أنه ينبغي العمل على الجدول الزمني». فما هي إذن التفسيرات المحتملة لتصريحات تركي الفيصل، الذي كان من أوائل السعوديين، الذين أجروا مقابلات صحافية مع وسائل إعلام إسرائيلية، كما كان من اوائل السعوديين الذين جلسوا علنا، وعلى منصة واحدة مع إسرائيليين في أكثر من مناسبة، وآخرها مؤتمر المنامة، إذ كشف الأمر رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية الأسبق عاموس يادلين، بنشر صورة له مع الأمير السعودي وهما يجلسان حول طاولة يحتسيان القهوة على هامش المؤتمر. فهل يمكن أن يكون هذا الهجوم جسرا ستجري من تحته عملية التطبيع السعودية مع دولة الاحتلال، رغم انه ينفي ذلك. وهذا هو التفسير الأول. والتفسير الثاني هو خلق التوازن في الموقف السعودي في الموضوع الفلسطيني، بعد الهجوم الذي شنته مجموعة من السعوديين بقيادة الأمير بندر بن سلطان وهو ايضا شغل منصب رئيس الاستخبارات، على القيادة الفلسطينية، ووصفها بالسوقية لرفضها اتفاقات التطبيع مع إسرائيل، ووصفها بالخيانة وطعنة في الظهر. والتفسير الثالث أن تصريح تركي الفيصل جاء للتعبير عن مدى الغضب السعودي من كشف نتنياهو عن لقائه، الذي يفترض أن يكون سريا مع محمد بن سلمان. واما التفسير الرابع ويرجحه البعض، فهو وجود خلافات داخل الأسرة الحاكمة وصفتها صحيفة «هآرتس»، بحرب مستعرة بين أطراف الأسرة الحاكمة، حول العلاقات مع إسرائيل. وخرجت في النهاية إلى العلن مع قرب رحيل الملك سلمان (الأعمار طبعا بيد الله واطال الله بعمره).
والتفسير الخامس أن البلاط الملكي ربما يشهد بوادر انقلاب، وكما هي العادة فإن القضية الفلسطينية، كما في كل الانقلابات العربية وعلى مدى عقود، كانت قميص عثمان، أو لنقل الراية التي يحملها كل الانقلابيين، ما يؤكد أن القضية الفلسطينية لا تزال قضية العرب الأولى، القضية الرابحة على صعيد الشارع العربي، وليس امامنا سوى الانتظار.
وأختتم بالمصطلحات الصهيونية المستجدة في الخطاب السياسي الجديد للمسؤولين في الإمارات، التي يحاول الشيخ محمد بن زايد تشويه صورتها، ومن هذه المصطلحات «يهودا والسامرة» أي الضفة الغربية و»يورشليم» اي القدس. والأخطر من التسميات هي الممارسات على الأرض ومنها، استيراد منتجات المستوطنات.
جاء ذلك في قول رئيس غرفة تجارة دبي حمد بوعميم، إن الإمارات ستتعامل مع السلع المنتجة في المستوطنات باعتبارها «واردات من إسرائيل. والإمارات لا تميّز في الواردات الإسرائيلية بين المنتجات المصنعة في مناطق مختلفة، بما ذلك يهودا والسامرة».
أما رئيس مجلس إدارة شركة «فام» فيصل علي موسى فقال بعد التوقيع على اتفاق مع رئيس مجلس مستوطنات شمال الضفة يوسي داغان، لاستيراد النبيذ والطحينة وزيت الزيتون والعسل «إنه وضْع لم أكن لأحلم به»، وشكر «داغان على فتح الأبواب لنا».
أما الشيخ حمد نجل رئيس الدولة خليفة بن زايد آل نهيان، فقد كان أكثر جرأة بالاعتراف بالقدس عاصمة اسرائيل الأبدية. وجاء اعترافه خلال توقيعه في أبوظبي على صفقة لشراء نصف أسهم نادي «بيتار القدس» العنصري الذي يعبر جمهوره عن توجهاته الفاشية والعنصرية وكراهيته للعرب والمسلمين، وتهجمه حتى على الإمارات ورفضه الصفقة، والإساءة للنبي الكريم محمد. وقال الشيخ حمد بعد إبرام الصفقة «هذه أنباء طيبة لكل محبي السلام في إسرائيل، وفي الإمارات وفي الشرق الأوسط، وهي تتجاوز مجال الرياضة والربح المالي لبيتار يروشلايم (مستخدما الاسم العبري للنادي)». والاخطر في ما قاله حمد بن خليفة: «أنا متأثر بأني سأكون شريكا في مثل هذا النادي الفاخر، مثلما سمعت عنه وفي مثل هذه المدينة ـ عاصمة إسرائيل وإحدى المدن المقدسة في العالم». ولم نسمع من جامعة الدول العربية تعليقا على ما يقوله ويفعله نظام أبوظبي بعدما اغتيلت هذه المنظومة بأموال النفط، وفي كل الأحوال نحن كفلسطينيين قد شيعناها منذ أمد، والآن لا يجوز على الميت سوى الرحمة.

٭ كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 14 / 2342879

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات وقضايا   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

38 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 38

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28