] إعلان استقالة الدكتورة حنان عشراوي الموقوتة - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
السبت 12 كانون الأول (ديسمبر) 2020

إعلان استقالة الدكتورة حنان عشراوي الموقوتة

السبت 12 كانون الأول (ديسمبر) 2020 par نادية عصام حرحش

بعد أيام من تسريب خبر استقالة الدكتورة حنان عشراوي من اللجنة المركزية لمنظمة التحرير، أصدرت الدكتورة عشراوي اليوم بيانا يؤكد استقالتها ويوضّح الأسباب.
أوّلا، اعتقد ان الدكتورة عشراوي اصابت بإصدارها للبيان على الرغم من تأخره، ولكنها وضحت سبب عدم الإعلان المباشر للاستقالة وذلك انتظارا لموافقة الرئيس الذي أشّرمن جهته الى تأجيل الأمر. وعليه، لأنّ الخبر تم تسريبه فقررت أن تؤكّده. ومرّة أخرى هذا يحسب لها.
كادت الدكتورة حنان ان تقع بفخ نخبة السلطة الفلسطينية باختلافاتها بعدم الاهتمام لرأي الشارع الفلسطيني، وسبقها الاعلام الإسرائيلي بتأكيد الخبر. وشكّل الإعلان الإسرائيلي من قبل أحد الصحافيين المعروفين ما هو أقرب للسخرية لحقيقة وضعنا، فنحن نلتقط الاخبار ولا يعلم أحد ما هو الحقيقة منها وما هو الشائعة أمام تقديرات مجتمعية وحسابات سياسية يلعب أصحابها بالرأي العام كما يريدون. الشعب مغيّب تماما عن القرارات بكافة اشكالها. لا يعبأ أحد له، ولا يعني به. اعتماد محكم على وعي مغيّب لا ينفع صاحبه حتى نفسه. وعي ينحصر باهتمام المرء بلقمة العيش ومصالحه الفردية… كمثل انا وبعدي الطوفان.
وكذلك الحكومة والسلطة بكافة مركّباتها وركابها، هم أوّلا وآخراً، وليبلعنا نحن الشعب الطوفان وليحرقنا البركان ولتقضم ما تبقّى من عافيتنا الكورونا. المهم أن تبقى السلطة ونخبتها بخير على حساب الشعب أبدا ودائماً.
وقد تكون سخرية القدر تشتد أكثر علينا لأنه بسبب الصحافة الإسرائيلية المغرضة يضطر المسؤولون الفلسطينيون الرد أحيانا- ليس علينا بالضرورة.
اليوم، وفي مؤتمر لمكافحة الفساد- نعم هناك مؤتمر لمكافحة الفساد افتتحه رئيس الوزراء بالنيابة عن الرئيس، وطبعا دحض فيه اتهامات الفساد وأشاد بهيئة مكافحة الفساد وأكد على تعزيز النزاهة والشفافية والمساءلة والإدارة السليمة. ودعا المؤتمرين والحضور الى توخّي الحذر وعدم الانجرار وراء الدعاية التشويهية التي خصصت لها حكومة الإسرائيلية ما يقرب من عشر ملايين دولار قبل سنوات. وطلب من الاعلام بنقل الأمور الإيجابية والتركيز عليها وان يتغاضى عن توافه الأمور وما تكرس له اجندات الاحتلال.
واختتم كما بدأ بآية قرآنية كريمة: ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام، وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل، والله لا يحب الفساد.
صدق الله العظيم…. فعلا.
عودة إلى استقالة الدكتورة حنان عشراوي التي يجب ان تكون مهمة أكثر مما تبدو، او بالأحرى مما جعلته تبدو عليه.
تساؤلي يصب في نفس المكان الذي أتساءل به، وغيري عن النخبة التي تتشكل منها الدكتورة حنان عشراوي من شخصيات لها تاريخها المهم من حيث المركز والمكانة والعمل السياسي والأكاديمي والوطني. لماذا تصمت هذه النخبة امام كل ما يجري؟ لماذا تأخرت الدكتورة حنان عشراوي التي عبر صوتها القارات ليقود مسيرة نضال فلسطيني كاد بالفعل ان تطوى صفحاته بالانتفاضة؟
فهل تكون استقالة عشراوي تزامنا مع انطلاقة الانتفاضة لتطلق صوتها الخافت هذه المرة وتقول للسلطة التي كانت هي احدى ركائز تكوينها طلقتكم طلقة بائنة؟
كفلسطينية، لطالما كانت حنان عشراوي هي المثل الأهم في تاريخنا المعاصر. في تاريخي كامرأة فلسطينية. ولكن، كما بسببها تساءلت عن معضلة المرأة الفلسطينية العظيمة التي تسكن طوعاً في ظل الهيمنة الذكورية التي لا تحمي من حرق شمس ولا من مغبة أمطار متساقطة في معظم أحيانها. فالمرأة المتواجدة على نقيض ما تمثله حنان عشراوي بقهر وخضوع مجتمعي وظروف صعبة، يمثل نفسه بمواجهة امرأة بأقل الفرص والامكانيات لدبابات وآليات الاحتلال دفاعا عن بيتها الذي تم هدمه للتو، ومن ثم دخولها الى ما تبقى من مأوى وخضوعها المطلق للرجل الذي اختبأ قبل قليل من تبعيات الظلم والقهر الذي ألحقه عليه الاحتلال. فحنان عشراوي التي جعلت من القضية الفلسطينية عناوين اخبار العالم بأسره، وكانت الصوت الأول بتمثيل القضية الفلسطينية أمام العالم، استقرت تدريجيا بمكان ما آمن لها، مكتفية بملاذها الخاص، الذي بقي صداه مهما بوضع لم يتبق فيه الا الصدى.
تأتي استقالة الدكتورة حنان عشراوي باهتة في تأثيرها على الرغم من أهميتها. وكأنها وبدبلوماسية مدروسة بعناية تؤثر الاستكانة على مواجهة حقيقية نحتاجها منها ومن اقرانها من نخب تجرأت على الاحتلال وتصدت له، وآثرت اليوم واكتفت بدور نخبويّ مهم ربما، ولكنه بكل تأثير غير مؤثر كما نرى في كافة هذه المناصب.
وللقارئ ان يستشف من كتاب الاستقالة موقف الدكتورة عشراوي الرافض للوضع القائم ولكن بكلمات مدروسة: ” في هذه المرحلة العصيبة، امل ان تشكل استقالتي جزءا من مرحلة جديدة تتضمن انتخاب لجنة تنفيذية تستنهض الطاقات الشبابية والنسوية لتتحمل مسؤولية خدمة شعبنا والدفاع عن حقوقه الأساسية وترسخ ممارسة الديمقراطية ومبادئ الحكم الصالح. ان اللحظة الراهنة لا تتعلق بشخصي او سيرتي، وانما بفلسطين في حاضرها ومستقبلها وضرورة تداول السلطة والمسؤولية. ويبقى ايماني راسخا بحتمية انتصار شعبنا وبقدرته الملهمة على الصمود وتحدي الظلم التاريخي المستمر بحقه، وصياغة المستقبل الحر والمشرق الذي يليق به.”
بالتأكيد ان الدكتورة حنان عشرواي لم ترد لاستقالتها اثر القنبلة الموقوتة، الا ان ما قام به الرئيس بإشارة منه بتأجيل البت في الموضوع الى حين انعقاد جلسة المجلس المركزية، كان أثره اهم بتعطيب ما كان للاستقالة من تأثير ممكن.
الحقيقة ان الاستقالة قد تشكل عبئا على الرئيس فوق العبء بإيجاد بديل عن صائب عريقات. وفراغ مقعد الدكتورة حنان عشراوي سيلخبط الأجواء أكثر، يعني إذا ما كان من الصعب جدا إيجاد بديل لمقعد عريقات وهو فتحاوي، فمن سيحل م حل عشراوي المستقلة؟ الوضع لا يحتمل المزيد من الأمور المبهمة للرئيس، فيكفيه ما يحاول السيطرة عليه بداخل البيت الفتحاوي الذي يتزاحم فيه المسترئسين والمستوزرين ويتناحروا، والوضع الإقليمي الذي يتزاحم فيه بعض الخليج على نهش ما تبقى من كيان فلسطيني بتردي الوضع أكثر وترجيح الكفة تجاه إسرائيل، ناهيك عن محاولة جذب انتباه الإدارة الامريكية بالإيماءات المختلفة ومن كل الاتجاهات علهم يرضون عنا ويعيدوا صرف الأموال للسلطة المتهالكة.
ويبدو ان الدكتورة عشراوي لم ترد ان تخرج باي بلبلة- وهنا هذا يحسب لها كذلك، لأنها تبدو بالفعل قد وصلت الى مكان مسدود بتوقعاتها من التغيير- والحقيقة هنا لا يمكن الا اسأل ماذا فعلت الدكتورة حنان خلال السنوات الأخيرة من اجل التغيير- وهنا كذلك لا اعرف ان كنت اضعها بموضع اللوم، لان الأمور كلها تبدو وكأنها بطريق مسدود منذ مدة. ولكنها قبلت ان تأخذ مقعدا بعضوية مركزية المنظمة التي تعرف جيدا ان ما جرى بمؤتمرها كان مؤشرا أكيدا وواضحا وطبيعيا لهذه اللحظة التي أعلنت فيها ان الأمور لا تسير باتجاه نصابها الصحيح.
قد يبدو الامر مضحكا، او مثار سخرية، الا انني أقول ما سأقوله الان بكل جدية. ذكرتني رسالة الدكتورة عشراوي بالاستقالة بالرسالة التي كتبتها لزوجي أمسية قراري الطلاق. كتبت رسالة مليئة بالمشاعر النبيلة والشكر والتقدير له، وايماني بأننا قد تكون انتهت طريقنا معا الا انني اعيل على ابوته وحبه لأبنائنا بفراق حضاري وحسن. لا اذكر ما كتبت طبعا بالتفصيل، الا انها كانت العديد من الصفحات التي استخدمت خلالها كل الكلام الدبلوماسي الجميل لامرأة تريد الخلاص بأقل الخسائر، او بالأحرى لامرأة ارادت ان تتأكد انها لن توقظ الوحش الساكن في ذلك القمقم.
في هذه اللحظات المفصلية بتاريخنا الفلسطيني، الذي وصفت فيه الدكتورة ما تشعره عن هذه القضية وشعبها بإخلاص لا اشك فيه، واحمل بين كلماتها مشاعري ذاتها من تقدير لامرأة أدخلت القضية الفلسطينية بالتاريخ، الا انها بقيت على حوافه تاركة المكان لرجال السلطة، مكتفية بما منحوه لها.
أحزن لاستقالة حنان عشراوي، ولكني بنفس الوقت، افهم محاولاتها حتى اللحظة الأخيرة لمسك العصا من النصف في مواجهة نظام ابوي تعرف تماما مكامن مخالبه، ولا تريد ان تجد جلدها تحت تلك المخالب.
أحزن، لأن استقالتها كان يمكن ان تشكل حدثا مهما ومفصليا، كما اللحظة التي نعيشها. ولكنها اثرت ان تخرج من الساحة بالقدر الذي يسمح لها به وبالوقت الذي يتم تقريره من قبلهم لا من قبلها…. كأثر قنبلة معطوبة لا موقوتة.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 6 / 2342227

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

35 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 35

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28