] عناقيد الحكومة الفلسطينية المتدلية - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
السبت 5 كانون الأول (ديسمبر) 2020

عناقيد الحكومة الفلسطينية المتدلية

نادية حرحش
السبت 5 كانون الأول (ديسمبر) 2020

بالعادة تدلّي العناقيد يعطي المرء انطباعاً إيجابياً، بغصن متين يحمل العنقود من خلال شجرة متجذرة، أو تنمو على الأقل باعتناء. إلا أنّ عناقيد الحكومة تتدلى بلا أغصان تحملها بشجر يحتضر من قلّة الاعتناء وسوء الظروف من كل الاتجاهات.
عاد رئيس الوزراء الفلسطيني بالترويج لخططه العنقودية بالتنمية الاقتصادية التي بدأ فيها شعارات حكومته بعامه الأول. فشهدنا كارثة العجول والزيتون والتمور وغيرها الكثير مما لا نعرف. وجاءت الكورونا لتوقف العناقيد التنموية وتركّز على قوت الشعب وقوّة تحمّله وصبره. فلوّح رئيس الوزراء بشعار “بدكم فلوس أكثر أو بدكم وطن أكثر”. والشعب لا حول له ولا إرادة الا تلك التي يفرضها قانون الطوارئ الذي ربما، يمكن اعتباره الأمر الوحيد الشرعي في ظلّ هذا النظام الذي فقد ويفقد يوميا شرعيّته. حيث يحرص رئيس الحكومة ورئيس السلطة مع مدخل كل شهر على تجديد فرض حالة الطوارئ بما يتناسب مع القانون الأساس. ولقد رأينا ما جرى مؤخراً من فجوات متكرّرة للنظام القضائي بين عدم مقدرة تنفيذ قرار قاضي – كما حصل بموضوع الناشط نزار بنات – والقرار الجائر بفصل موظفتين بالمحكمة- جريمتهما تمثّلت بشكواهما ضد فساد بالمحكمة.
وها هي عناقيد رئيس الوزراء تعود لتأخذ شعارات المرحلة الجديدة بعد انتصار عودة التنسيق واموال المقاصة التي كانت محتجزة لدى الجانب الإسرائيلي، وكأنّ السلطة الفلسطينية والحكومة تقومان بالفعل على تلك الأموال من عائدات ضرائب الفلسطينيين.
إنّ ما يجعلني وبكل جدية أتساءل، هو حقيقة أهمّية هذه الأموال التي تغنّت الحكومة برئيسها عن رفض استلامها طيلة الأشهر الستة السابقة. لكيلا اتهم بالسذاجة المطلقة، أعي بالتأكيد أهمية تلك الأموال، ولكن هل كانت تلك الأموال هي المحرك الأساسي لدورة الحياة لدى الحكومة؟
فان كان الجواب نعم كما يتبين من تصريحات رئيس الحكومة والتي جاءت كما يلي: “-تسلم أموال العائدات الضريبية التي كانت إسرائيل تحتجزها ستمكننا من استكمال خططنا التنموية والتركيز على ثلاثة محاور: الطاقة النظيفة والابداع التكنولوجي، وان تكون التنمية متوازنة وشاملة للجميع.
- خطط الحكومة، التي تشمل الاستراتيجيات القطاعية والتنمية بالعناقيد ومعالجة الارتدادات الاقتصادية والاجتماعية لوباء كورونا، جاهزة للتنفيذ وترمي لتحقيق اهداف الصمود المقاوم والانفكاك من علاقة التبعية التي فرضها واقع الاحتلال.”
فأين المسؤولية باتخاذ هكذا خطوة عقابية تعود نتائجها الكارثية على الشعب وعلى الحكومة؟
القارئ لعبارات تصريح رئيس الوزراء على صفحته الرسمية الفيسبوك، لابدّ أن يصاب بذهول لدى قراءته هذه العبارات الكبيرة المصطلحات. فتبدو المصطلحات في لغتها اقرب لمصطلحات تستخدم لاستقطاب المانحين.
إلّا أنّه لا يمكن لعاقل الّا يصاب بالذهول كذلك لكمّ التناقضات بداخل العبارات. تقرأ العبارة الأولى “تسلم أموال العائدات…” وتفكّر بآلاف الموظفين الذين اقتطعت رواتبهم على مدار الشهور الأخيرة. وتوقن، أنّ هذه هي الأولوية: تعويض البسطاء من الناس الذين صبروا وصمدوا وعانوا في ظلّ هذا الوضع الاقتصادي الصعب، الذين “اختاروا الوطن ولم يختاروا الفلوس”. فلم تبق لدى المساكين من هذا الشعب خاصرة رخوة يمسكون فيها احزمة سترهم. لتتفاجأ انّ تركيز الحكومة سيكون على محاور ثلاثة هي “الطاقة النظيفة والابداع التكنولوجي وان تكون التنمية متوازنة وشاملة للجميع.”
لا اعرف بالحقيقة معنى أي من المحاور الثلاثة، فلا أستطيع الا التفكير بالحاجة لتنظيف الشوارع الممتلئة بالنفايات على مضرب العيون من كل الاتجاهات. ولا أفهم مدى حاجة المواطن الذي ينتظر معاشاً شهرياً بقيمة لا تتجاوز بضعة الاف من الشواكل (٥٠٠ دولار) للإبداع التكنولوجي بينما يفكّر بتأمين رغيف الخبز لأبنائه الكثر، وربما جهاز حاسوب لتأمين دراسة أبنائه مع التعليم عن بعد. وعليه لا أفهم كيف يمكن أن يكون هناك تنمية متوازنة وشاملة للجميع؟
امّا العبارة التالية والتي خصصها البيان للعناقيد التنموية، والتي يبدو أنّها جاهزة للتنفيذ وترمي للانفكاك من علاقة التبعية التي فرضها واقع الاحتلال، فهي بكل المقاييس عبارة مليئة أمّا بالمغالطات او بالاستخفاف من قدرة الإنسان العاديّ منّا على الفهم. صحيح اننا نقف بهيبة أمام الكلمات والعبارات الكبيرة والمعقّدة، إلّا أنّ الأمر لا يتطلب حلولاً فيزيائية لفهمها وربطها سواء بالجملة نفسها أو بواقع حياتنا.
عن أي انفكاك من الاحتلال يتم الحديث أمام واقع أعلنت عنه الحكومة والسلطة بانتصار وكأنّه الفتح المبين بسبب العودة للتنسيق الأمني بالطريقة التي لم ينس أي منا بعد خلفية حقيقته. صحيح اننا قد نملك ذاكرة الدجاج، الا ان ذاكرة الدجاج لم تمسح بعد ما حصل قبل أسابيع قليلة.
فهل لرئيس الحكومة التفسير لنا كيف يريد الانفكاك وعدم التبعية في وقت يؤكد لنا ان الاقتصاد الفلسطيني لا يمكن ان تقوم له قائمة أصلاً بلا عائدات الضرائب التي ننتظر إسرائيل للإفراج لنا عنها. وعن أي انفكاك يتم الحديث في وقت تهلل السلطة فيها لانتصار عودة التنسيق الأمني؟
تذكّرني عناقيد التنمية الحكومية بعناقيد البندورة التي نبتت بحوض النباتات في منزلي. بنيت احلاماً وعقدت طموحاً على عناقيد نبتة لم أحسن الاهتمام بترابها، وتركتها للظروف لتكبر وتتأقلم وتنبت، وكانت بالحقيقة كريمة معي، فتدلى منها حبات كثر، لكنها لم تصلح لأكثر من ان تكون ضمن صحن سلطة مليء بالخضروات الأخرى، ولم أجرؤ على محاولة جعل أحد من تذوقها، لان الله وحده أعلم بحقيقة صلاحها.
واليوم، وبينما لا نزال نواجه وباء الكورونا الذي لا نعرف بعد حجم الكارثة الملمة بنا، وفي ظل ضائقة اقتصادية خانقة جدا، وبينما يعيش الشعب على حافة انهيار شامل، يلوّح لنا رئيس الحكومة بوعود وتطمينات بعناقيد تنموية- سحرية التأثير- تسقط أمام ابسط الاختبارات، من حالة العوز والانفلات وانعدام الامن وانهيار القضاء وتفشي المحسوبية الفصائلية وانهيار المنظومة المجتمعية من كل الاتجاهات.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 9 / 2342879

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات وقضايا   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 17

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28