في “المزاد” شبه اليومي الذي نصبه الرئيس الأميركي ترامب ؛ كشف أن ثلاث دول في الشرق الأوسط في طريقها إلى التطبيع مع إسرائيل ، فهل تكون قطر إحدى هذه الدول ؟!
هذا ما ترجحه بعض الشواهد، ومنها:
أولا: البيان الأميركي _ القطري الذي دعا إلى تسوية الخلاف بين الفلسطينيين والإسرائيليين في إطار صفقة القرن، والفلسطينيون يرفضون هذا الإطار خاصة حماس والجهاد ومعهما جملة الشعب الفلسطيني، ومدلول البيان الأميركي _ القطري أن من يرفضه سيكون هو الملوم، ومن يقبله، وإسرائيل تقبله، سيكون مرضيا عنه، ومن صور هذا الرضا التطبيع العربي معه ، وقطر هنا ملزمة مباشرة بهذا التطبيع.
ثانيا: نية أميركا إعلان قطر حليفا رئيسا من خارج الناتو ، ولابد لهذا الإعلان من ثمن تدفعه ، والتطبيع مع إسرائيل سيكون جزءا من هذا الثمن.
ثالثا: البشارة التي نقلتها مجلة ” جون أفريك ” الفرنسية عن بعض الدبلوماسيين الأميركيين بأن الحصار الرباعي على قطر قد يرفع قبل الانتخابات الأميركية في أول نوفمبر المقبل ، ولهذا الرفع ثمنه الذي ستدفعه قطر تطبيعا مع إسرائيل . ما من مجانيات في عرف أميركا للآخرين باستثناء إسرائيل .
رابعا: زيارة حسين الشيخ عضو مركزية فتح في الأيام الأخيرة لقطر ، وطلبه قرضا ماليا منها ؛ تأتي تسهيلا للتطبيع القطري ، والحصول على القرض وسواه من المعونات المالية قد يكون وسيلة لشراء سكوت السلطة الفلسطينية عن هذا التطبيع ، وفي رأينا أن معارضة السلطة للتطبيع الخليجي مع إسرائيل شكلية لا جدية ، فهي ، السلطة ، وليدة التطبيع مع إسرائيل ، وتمارسه منذ 27 عاما . وحسين الشيخ هو رئيس هيئة الشئون المدنية المسئول عن التنسيق مع السلطة الإسرائيلية المحتلة ، وهو صاحب التصريح الشهير بعد ما زعم أبو مازن في 19 مايو الماضي إلغاء كل الاتفاقات مع إسرائيل ؛ في ذلك التصريح قال الشيخ إن السلطة ستحافظ على الأمن الإسرائيلي حتى مع وقف التنسيق ، ومضمون تصريحه أن التنسيق لن يتوقف ، وهو ما أكدته حوادث كثيرة في الضفة ، واعترف به الإسرائيليون من مسئولين وإعلاميين . حال السلطة مع التطبيع والمطبعين حال القائل : ” أنا الغريق فما خوفي من البلل ؟! ” ، ولو تظاهرت بخلاف هذه الحال ، واستهجنت بلل الآخرين .
خامسا: قطر أول من طبع مع إسرائيل من الدول الخليجية علنا بافتتاح مكتب تجاري لها في الدوحة في 1996 ، وبسماحها للمسئولين والإعلاميين الإسرائيليين بالظهور على قناة الجزيرة لعرض وجهات نظرهم في قضايا المنطقة . وعلاقة قطر بغزة ، والزيارات المتكررة لسفيرها محمد العمادي لها ؛ نوع من التطبيع مع إسرائيل ، بل هي وسيلة مدروسة مقصودة لهذا التطبيع ، ولولاه ربما ما اهتمت بغزة، ولا قبلت إسرائيل أي معونة منها لها . إنها لعبة الصراعات السياسية والمصيرية المعقدة في المنطقة التي لا يرحم أطرافُها الأقوياءُ الضعفاءَ فيها . وماذا ستفعل دولة في صغر قطر وضعفها لحماية كيانها من إخوانها الأعداء وغيرهم سوى الخضوع لقواعد هذه اللعبة ، وتنفيذ ما تؤدي إليه من نهايات ولو كانت التطبيع مع إسرائيل الذي فتح ترامب مزاده طمعا في مساندة الأصوات والأموال اليهودية للفوز بانتخابات أول نوفمبر القادم على منافسه القوي العنيد بايدن الذي يركز على قضايا الداخل الأميركي التي تشغل المواطن الأميركي أولا وأخيرا . إنها لعبة الموت أو الحياة التي تضطر معها قطر إلى دفع التكاليف الكبيرة لقاعدة العيديد الجوية الأميركية في أراضيها ، وعقد صفقة أسلحة جديدة مع أميركا ب 26 مليار دولار لا تعقدها حتى دولة كبرى ، وتساوي الميزانية العسكرية لعدة جيوش ، ولا هدف لها سوى تفعيل صناعة السلاح الأميركية ، ومنح ترامب القدرة والحجة ليباهي بأنه جلاب وظائف للعمالة الأميركية . ودائما العرب هم الأخسرون في هذه اللعبة الجهنمية لتفرقهم وتقاتلهم وسلوك حكام دولهم مسالك لا حافز لها سوى البقاء في كراسيهم مهما أنزلوا بشعوبهم وأوطانهم من مخاسر ومهالك وصنوف إضعاف وإذلال جعلت دولة صغيرة ، إسرائيل ، تقترب من الهيمنة عليها لولا قدر من الصد الإيراني والتركي على ما في هذا الصد من عيوب وما عليه من ملامات خاصة في الجانب التركي الذي أضعفت سياسته سوريا ، فكسرت جانبا من حائط الصد العربي والإسلامي الذي يواجه إسرائيل والقوى الغربية المعززة لها ، وفي طليعتها أميركا المارقة المتوحشة التي أطلقت في زمن ترامب أفظع عروض مروقها وتوحشها ، ويوقع الكآبة والغم في النفس أن الساحة العربية هي أسهل ساحة عالمية لهذه العروض البربرية. و”لقد صح أن الضعف ذل لأهله * وأن على الأرض القوي مسيطر” ، وأفتك ألوان الضعف بأهله هو الذي يصنعونه بأنفسهم ، والضعف العربي في أكثره صناعة عربية ذاتية . العرب ” أسخياء ” إلى حد أنهم لا يكلفون أعداءهم عبء إضعافهم ومشقته.
كاتب فلسطيني*
