] الصُلْحُ خَيْرْ .. ولكن!؟ - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الأحد 23 آب (أغسطس) 2020

الصُلْحُ خَيْرْ .. ولكن!؟

علي الزعتري
الأحد 23 آب (أغسطس) 2020

صلحٌ عن صلحٍ يختلفُ، هي القاعدة المعروفة عبر الزمان. الصلحُ من الصلاح و الصلاح جذره الخير فالصلح عملٌ يحثُ عليه و يكرس خير المصلحة المشتركة لإنهاء حالة العداوة. هذا لو كان بين متساويين قوةً، او ضعفاً، بشرط أنه خيارهما غير المفروض عليهما و أنهما أتخذاه بمحض إرادتهما الوطنية، فيتصالحا ليعيشا بسلام و رخاء. و قد يكون بين يائسين من حلٍّ عسكريٍ و منهكين من طول معركة فيجدان في الصلحِ فرصةً لهدنةٍ ربما عن غير إقتناع فعلي و ربما بتدخل الخارج ليفرض عليهما وقف القتال و لربما يقتنعان بالصلح المفروض أو يعتبرانه تمهيداً لإلتقاط النفس والتحضير لجولةٍ ثانية من القتال. و قد يكون بين قويٍ عادل و منكفئٍ خاسر فيعدل القوي في الصلح و لا يظلم فيكون خيراً يقود لرخاء، و هذا من النوادر، و قد يكون بين غاشمٍ وخاسرٍ فيستعبده الغاشم إلى ما شاء الله و قد يكون بين متوهمٍ بقوة لا يمتلكها حقيقةً و من هو أقوى منه يريدُهُ قنطرةً لما وراءه فيغتنم الأمكر الفرصة لصلحٍ مصلحي بينا يعمل لإستخدام المتوهم الإرادة و القرار و يحصد الفوائد. و لا صُلحَ بين إثنين إلا من بعد عداوة و شرطه التكافؤ في موازين القوة و قدرةُ الطرفين على التوافق و إلا كان الصلح صنو الإستسلام.
و للصلحٍ شرطٌ رئيسيٌ بعد إتمامه بين الطرفين المتوافقين و هو إحترام و صيانة تنفيذ بنود الصلح. فلا مكان في الصلح بين المتكافئين لأن يغدر الواحد منهما بالآخر و يكفي فعل هذا الغدر لينتقض الصلح و تعود العداوة، هذا إن إستطاع المغدور به أن يقاوم الغادر. هي عموماً حالات الصلح بالبديهة، ليست بالأبيض والأسود هكذا تماماً، فقد يكون بين الطرفين سجالٌ طويلٌ فيه تكافؤ لكنه لا يجر لعداوة جامحة طالما كان هناك توازنٌ في القوة. و في هذه الحالة تسود الريبة و التوجس و لا تترك للرخاء المأمول مكاناً واسعاً.
و صلحٌ متكافئٌ نبت من حربٍ و دمٍ غير صلحٍ نبت من مصلحةٍ غير مفهومة و موازين غير متعادلة. و ينبغي في صلح الحرب المتكافئ القوة المحافظة على النِّدَّيةِ و القوة و قرارٌ بالعودة عنه في حال نقض بنوده. أما صلح الضعف أو المصلحة المبهمة فهو على الأغلب صلحُ مال و طمع لا تجري بعروقه دماء شهداء و لا كبرياء محارب مؤمن و يرضى صاحبه بما لا يرضاه القوي من غريم.
الصلحُ خيرٌ مع عدوٍّ بعد أن تخرجه من حياضك و ليس و هو يتربع عليها. و الصلح خيرٌ مع عدوٍّ يعرف أنك أشد تشبثاً بحقوقك بعد السلم مما كنت قبله لو تجرأ عليك. و الصلح عيبٌ و نكسةٌ مع عدوٍّ يفترسك كل يوم و أنت بالصلحِ متباهٍ لكنك في الحقيقة خانعٌ ذليل. عندها، ربما كان الموت خير. فإما حياةٌ تسرُ و إما مماتٌ يغيظ.
بعد هذا، ماذا نسمي صلحنا مع عدونا لو أُجْرِيتْ الشروط عليه؟
هذا السؤال ليس مُحيِّراً فكلنا نعلم أن العرب بإرادتهم إختاروا أن يكونوا و أن يبقوا أضعفَ من أن يرفضوا أو ينقضوا صلحاً مع عدو مع أنهم أقوياء مجتمعين. و لكنهم إستحبوا الفردية و الإستقواء على بعضهم، و نعلمُ كذلك تفضيلهم الإستقرار على الممانعة و الصبر بل أن كثيرَ بعضهم يرفض الممانعة و المقاومة حتى لو بالكلمة و يعمل لتبخيرها بكل الوسائل واسماً إياها بالإرهاب. لكن العرب، وللأسف، هم كذلك غير قادرين بالإختيار الذاتي أو بالإجبار الخارجي أو غير راغبين التكافؤ مع العدو فرادي مع أن تكديسهم للسلاح يفوق الحاجة و لكنه ليس سلاح حرب بقدر ما هو سلاح فخر و تفاخر. و الأنكى أن بأسهم بينهم شديد و أن صلحهم مع عدو يحتل فلسطين كلها و أجزاء في سوريا و لبنان و أن ثروات العرب و شرايين حياتهم و بضمنها الأنهار متغولٌ عليها من قوى إقليمية و أن حياة شعوب هي اليوم في دائرة التهديد. فصلحنا إذاً ليس صلح قوة بقدر ما هو صلح مصلحة، و إن أردت المواساة فقل صلح هدنة أو التقاط أنفاس للبعض و للبعض هو صلح توسل الإستقرار.
و لعل لمصر و الأردن من حجةٍ في الصلح بقدر دماء الشهداء و الضنك الذي أصاب الشعبين، و هما أبرمتا معاهدات بعد طول تفاوض، و إن لم يأت الصلح منذ أُبرم إلا بتوكيد و إستمرار غدر العدو في كل الإتجاهات مع البلدين. لكن كيف نبرر للسودان و بعض دول الخليج و موريتانيا و المغرب و غيرها رغبةً و غزلاً و صلحاً مع إسرائيل؟ وهل من تفسير لإتفاقيات و نوايا الصلح هذه؟ ربما كانت مفاتيح فهمها أوضح في التالي من الإجتهاد الشخصي في فهم المبررات:

عِبْئاً أصبحت فلسطين على الضمائر و لم تعد بوجود السلطة الفلسطينية المتعاونة بقبول أو جبراً مع الإسرائيلين وغير القادرة بالوقت ذاته رد صلفهم و إعتدائهم، أن تبقى فلسطين تحوز على ألق الماضي المقاوم أو تبرر العداء مع المحتل و لا تعدو غزة أن تكون بذهن البعض إلا بؤرةً مسيطراً عليها من الإسلاميين الموسومين بالإرهاب. فَلِمَ إذاً التمسك بما يفرط فيه أهل فلسطين و هم المتعاملين مع إسرائيل شاءوا أم أبوا؟
أضف إلى ذلك الضغوط المستمرة على العرب للقبول بلا شرط و لا رفض بحلول نهائية و التهديد و إنفاذ العقوبات و التوبيخ لمن يرفض.
وُعِدَ السودان منذ حكم البشير أن علاقةً مع إسرائيل ستحسم حظوظه في البقاء حاكماً و برفع القيود و العقوبات. و باعتقادي أن لقاء كمبالا بين البرهان و النتنياهو كان سيعقد حتى لو بقي البشير لإنه كان إختيار البقاء على الكرسي أولاً. وها هو السودان يأمل اليوم بسيلٍ من المساعدات و يتهيأ لبعثة أمم متحدة لبناء الدولة، ومن خبرة فإن تعقيدات السودان ستجعل منه ساحة صراع يطول رغم الصلح الموعود.
الدول البعيدة كالمغرب تنظر لجالية يهودية مغربية و هي و موريتانيا تنظران لرضى يمهد لإنسياب مساعدات و مشاريع. رؤيتهما هنا محض محلية و لا يمكن أن تتوافق مع ما تعبر الحكومات من عواطف تجاه القدس فلا يوجد لهما من قوةٍ تجبر إسرائيل على تغيير سياساتها، لا لوجود يهود مغاربة و لا بالطبع لكون البلدين طامعين بالمساعدات المشروطة بالسلام.
وراء كل صلح مع دول الخليج صفقات بمليارات الدولارات من شراء و بيع سلاح و غاز و نفط و تمددٌ تجاري و تقني تنظر له دول الخليج و ترى بإسرائيل وسيطاً لها أو جسراً أو مزوداً أو ميسراً.
القبول الدولي المأمول و دخول منتديات القرار الدولي لا يكون إلا بالتوافق مع إسرائيل كأي كيان سياسي آخر. و الصلح هنا طمعٌ بمكانةٍ مرموقة ظاهرياً بينما المخفي هو تبعيةٌ لقرارات و توجهات لا تؤثر فيها غير مضامين القوة الحقيقية و التي لا تمتلكها هذه الدول باستثناء الموارد المالية الناضبة.
تعزيزُ تكتل ضد إيران تكون فيه إسرائيل حليفاً رئيسياً. و هنا يبدو الصلح مؤججاً لصراع ديني مستعر منذ قرون و لا تحمد عقباه بين من سيصطف سنياً و شيعياً. و قد يتطور ليصبح من وراء ستار صلحاً و حلفاً ضد تركيا على خلفية من سيقود السُنَّة. و لو جنح العرب للتفاهم مع إيران و تركيا لصلحٍ ثلاثي لكان خيراً على الأمة من الإنقسام و التفتت.
تكريس سياسات الانفراد القُطْرِيَّة لكل دولة طمعاً بالفائدة الإقتصادية و إنتزاع فلسطين من الوعي القومي و المستقبلي درءاً لهيجان الأجيال مما يعني إكتمال التملص و التنصل من مسؤولية تجاه الفلسطينيين وفلسطين. و لا أظن أن الجولان و شبعا ترقيان لمنزلة عالية ضمن هذا التفكير. و الصلح في هذا هو إنهزام مكتمل الأركان و تسليم المقدس للعدو.
إعادة رسم الحدود بين الدول العربية و إعادة تشكيل تكوينها السكاني حتى لو إقتضى الأمر، كما نرى، خلق دويلات عِرقية أو ذات توجه عقائدي مما لا يجعل من يهودية إسرائيل إستثناءاً إن كان هناك دويلات مشابهة عِرقاً أو مذهباً.
التوسع البحري في الخليج و بحر العرب و المحيط الهندي و البحر الأبيض المتوسط و البحر الأحمر إستثماراً في التنقيب و خلق كيانات مؤسسية للأساطيل و الموانئ المدارة بخبرة إسرائيلية.

هذه بعض المبررات أو قل المصائب المتوقعة هي مما نقرأ و نسمع و ليس من واقع معلومات دول. و قد يكون هناك المزيد و الأصح من الإستنتاجات لا نعلمها بعد. لكن الظاهر ان هذا النوع من الصلح المبني على المال و النفوذ لا يعبأ لأهم عنصر و هو الحفاظ على الأرض و العرض.
[bleu]إن الموقف الأصح بالطبع لهو بالمناداة اليوم بتحرير فلسطين كاملة كما كانت في الأول من يناير ١٩٤٨و تحرير الجولان و شبعا اللبنانية مما يعني فض معاهدات الصلح و العودة لحالة الحرب. هكذا يقول التاريخ. لا صلح و أرضك مستعمرة. غير أن الواقع المؤلم لا يميل لهذه المناداة التي أعترف أنها عاطفية و في السياق الحالي غير واقعية. فالدول العربية تغرق بملئ إرادتها في مزيد من التنازلات المعقدة التي تجعل تفكيك إلتزاماتها المضنية للضمير الحي و المعيشية للإنسان شيئاً مستحيلاً[/bleu]. لكن عدم القدرة على مجابهة الإستعمار لا يجب أن تقود للصلح المستسلم معه. و الدول المتصالحة تثبت أن وجهة النظر هذه باتت تحت الأقدام. أخشى لذلك أننا مقبلون على عصرٍ من المهانة الكبرى لن يشعر بها إلا الأحرار و أن ما خفي أعظم.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 6 / 2342227

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات وقضايا   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

38 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 38

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28