الاتفاق الثلاثي بين اسرائيل و الولايات المتحدة و دولة الامارات العربية المتحدة الذي اعُلن عنه في الثلاث عواصم قبل يومين شكل زلزال سياسي في المنطقة سيكون له ارتدادات متعدده.
كفلسطيني اعتبر ان منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي و الوحيد للشعب الفلسطيني و المفوض بالتحدث بأسمه و احترم القرارات و الاتفاقات التي تتخذها مؤسسات المنظمة و اعتبر ان اي تطبيع من قبل اي دولة عربية مع اسرائيل قبل تحقيق السلام العادل على اساس حل الدولتين و اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران عام ١٩٦٧ مرفوض و لا يخدم المصلحة الفلسطينية.
مع ذلك آن الاوان اندرك كفلسطينيين ان الزمن يتغير ولم يعد يعمل وفق التوقيت الفلسطيني و ان الدول تبحث عن مصالحها ومن ثم تأخذ بعين الاعتبار مصالح الاخرين.
آن الاوان ان ندرك كفلسطينيين اننا لم نعد مركز الكون و ان القضية الفلسطينية ، على اهميتها و قدسيتها لم تعد القضية المركزية لدى الدول العربية و الاجنبية و ان هناك صراعات و نزاعات و كوارث في هذا العالم ينظر لها على انها اهم من القضية الفلسطينية.
يجب علينا ان ننظر لانفسنا في المرآة و نرى حقيقتنا كما هي و ليس كما يريد ان يراها كل واحد منا، وان ثقافة الشتم و الردح و التخوين و حرق صور و حرق اعلام الدول لا يصنع سياسات و لا يجنبنا المخاطر ولن يعالج لنا مشكلة و الاهم من كل ذلك لن يعفينا من اجراء جرد حساب لما فعلناه خلال العقود الاخيرة. اين اصبنا و اين اخطئنا و ما الذي فعلناه بأنسفنا.
هل هناك من يختلف على ان القضية الفلسطينية فقدت الكثير من قدسيتها و من هيبتها و من مكانتها في نظر الشعوب و الدول ، خاصة العربية منها .
فقدت هيبتها و قدسيتها اولا لاسباب موضوعية ناتجة عن التغيرات في الاقليم و العالم وهذا ليس بأيدينا .
ولكنها فقدت هيبتها ايضا بسبب انقسامنا و تشرذمنا و اقتتالنا و انشغالنا في مناكفة بعضنا.
فقدت هيبتها لاننا فشلنا في الحفاظ على وحدة شعبنا و فشلنا في انهاء انقسامنا بعد مرور اكثر من اربعة عشر عاما.
القضية الفلسطينية فقدت هيبتها لاننا فشلنا في بناء مؤسسات دولة على اسس من النزاهة و الشفافية القائمة علي الفصل بين السلطات بحيث يطبق القانون على الكبير قبل الصغير و الزعيم قبل الغفير.
بعد ربع قرن من تأسيس السلطة و اربعة عشر عاما من الانقسام اصبح لدينا مولود مشوه لا هو سلطة و لا هو دولة و لا هو ثورة .
من يراقب رد الفعل الفلسطيني الرسمي على الاتفاق الثلاثي و الهجوم بدون كوابح على الامارات يشعر ان الامر لا يتعلق فقط برفض الاتفاق و اعتباره طعنه في الظهر و لكنه ايضا تسديد حساب يتجاوز مسألة الاتفاق، الا اذا كان هناك تطبيع حلال و تطبيع حرام، تطبيع مقدس و تطبيع مدنس.
كيف للمواطن الفلسطيني ان يفسر السكوت على التطبيع الذي تمارسه قطر منذ العام ١٩٩٦ مع اسرائيل واقامة مكتب اتصال و بشكل علني و اكيد هناك ايضا ما هو سري و بعيد عن العين، دون ان تنتقد القيادة الفلسطينية هذا الامر .
و كيف للمواطن الفلسطيني ان يفسر عدم انتقاد السلطة لقطر و شنط الدولارات التي يجلبها العمادي عن طريق مطار تل ابيب و يدخلها الى غزة لما يعتبروه هم تعزيزا للانقسام الفلسطيني و تعزيزا للفصل بين غزة و الضفة؟ لماذا لم يسمع صوت اي مسؤول فلسطيني ينتقد هذا الامر ؟ اليس هذا الامر يثير للشبهات ؟
لست هنا بصدد انتقاد قطر او التهجم عليها . هي دولة لها مصالحالها و لها سياستها و لها حلفاءها ، وهي تعمل وفق هذه المصالح . مشروعها مشروع الاخوان في المنطقة وهي تعمل علي تعزيز هذا المشروع ، ولكن فقط اردت لفت انتباه بأن هناك من يضع في فمه ماء في كل ما يتعلق بالتطبيع القطري الحلال و يطلق العنان للانتقاد و التهجم و الشتم دون كوابح على التطبيع الحرام.
اتفهم موقف الاخوة في حماس بعدم تهجمهم على قطر و عدم انتقادهم للتطبيع القطري اولا لان قطر تتبنى مشروع الاخوان ومعهم الخليفه اردوغان و ثانيا لان غالبية المكتب السياسي لحماس يقيم في قطر. ولكن لا استطيع ان اتفهم موقف حماس بالتمييز بين تطبيع و تطبيع.
كذلك الامر بالنسبة لتركيا و الخليفة اردوغان الذي اعتلى الموجة و استغل الاتفاق ليسدد الحساب مع خصومه الذي يصطدم معهم في اكثر من جبهة و يعتبرهم عقبة في تنفيذ مشروعه الاخواني.
اليس امرا مضحكا ان يتحدث اردوغان عن التطبيع وتركيا التي تربطها مصالح اقتصادية مع اسرائيل حيث تبلغ قيمة تبادلها التجاري خمسة مليارد دولار سنويا و الطيارين الاسرائيليين يتدربون في الفضاء التركي الواسع و قطع الغيار للطائرات التركية الامريكية الصنع تحصل عليها من اسرائيل و كذلك تكنلوجيا الطائرات بدون طيار.
اتفهم تهجم اردوغان على الامارات ولكن هذا الاستهبال و الاستغلال للموقف يجب ان لا ينطلي على احد.
نموذج آخر للتطبيع المقدس المبارك من قبل من يضعون في فمهم ماء عندما يتعارض الامر مع مصالحهم الشخصية. قبل عامين زار نتنياهو سلطنة عُمان و التقى مع الراحل السلطان قابوس. لم يكن هناك اي رد فعل فلسطيني على هذه الريارة ، و الاكثر من ذلك ان هناك من ربط بين هذه الزيارة و زيارة الرئيس عباس لعُمان يومين فقط قبل زيارة نتنياهو هناك.
اما النموذج الاخير للتطبيع المقدس يتعلق بزيارة المسؤول في الاستخبارات السعودية السابق الجنرال انور عشقي لاسرائيل ، ليس بشكل سري ، بل بشكل علني بالصوت و الصورة و كان برفقته مسؤول فلسطني . اي ليس فقط هذه الزيارة التطبيعية لم تحظ بانتقادات و ردود افعال غاضبة بل حظت بمباركة فلسطينية بعد ان تم تصنيفها تحت قائمة التطبيع الحلال الذي يخدم القضية الفلسطينية و ليس من النوع الذي يشكل لها طعنه في الظهر.
على اية حال اذا كان الاتفاق الثلاثي هو كارثة على الفلسطينيين فأن من الارجح ان تكون هناك المزيد من الكوارث و باسرع مما نتخيل .
لذلك وفروا قليلا من الجهد و الشتم و التعهير و جهزوا صور رؤساء و زعماء و اعلام دول لانه حتى الان و مع كل الالم و الحسرة سنجد انفسنا نقف لوحدنا في مواجهة خطر تراجع قضيتنا.
الطريق الى الدولة و الحرية و التحرير و اعادة الحقوق و اعادة القضية الفلسطينية الى مكانتها المحترمة و على سلم اولويات الاشقاء و الاصدقاء لا يأتي الا اذا قررنا نحن الفلسطينيون ان نعيد حساباتنا و نقيم سلوكنا و اعوجاجنا و نوحد صفوفنا و ننهي انقسامنا و نعيد بناء مؤسساتنا و نجري انتخابتنا و نفصل بين سلطاتنا و نحترم قوانينا و قرارات قضائنا و نتفق على برنامجنا الوطني.
حينها فقط قد يكون لنا امل في العودة بقضيتنا الى ما تستحق من مكانه.
* كاتب وزير سابق بالسلطة من جماعة الدحلان
