] ما قد يحدث غداً في أمريكا - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الأحد 7 حزيران (يونيو) 2020

ما قد يحدث غداً في أمريكا

الأحد 7 حزيران (يونيو) 2020 par عبدالله السناوي

بأثر ضربتين متزامنتين من وباء «كورونا»، ووباء «العنصرية المتجذرة»، انكشفت الشقوق والشروخ في الروافع، التي حملت الدور الأمريكي إلى منصة القيادة الدولية.

لم تعد الولايات المتحدة الأمريكية هي الدولة نفسها التي خرجت من بين أطلال الحرب العالمية الثانية، قبل 75 عاماً، كقوة عظمى قدراتها الاقتصادية تضارع قوتها العسكرية ونفوذها بقدر أدوارها.

وتكاد تتقوض الآن روافع الدور الأمريكي في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، حين تنازعت على زعامة النظام الدولي مع الاتحاد السوفييتي السابق، قبل أن تنفرد به بصورة شبه مطلقة، بعد سقوط جدار برلين، ونهاية الحرب الباردة، مطلع تسعينات القرن الماضي.

وبأثر ضربتين متزامنتين من وباء «كورونا»، ووباء «العنصرية المتجذرة»، انكشفت الشقوق والشروخ في الروافع، التي حملت الدور الأمريكي إلى منصة القيادة الدولية عقوداً طويلة متتالية.

وعند نهاية الحرب العالمية الثانية، اكتسبت الولايات المتحدة صفة «قائد النصر»، و«المنقذ»، الذي جاء من خلف المحيط لانتشال أوروبا، والعالم معها، من براثن النازية المتفشية.

كان ذلك تلخيصاً مخلاً لحقائق الحرب، فقد تأخرت الولايات المتحدة أكثر من عامين عن خوضها، وبذلت دول أوروبية عدة، تضحيات هائلة في المقاومة والصمود، وتمكنت القوات السوفيتية من حسم معارك أوروبا الشرقية كلها، ودخول برلين قبل أي قوة عسكرية أخرى، لكنها قوة الصورة، والدعاية، مستندة إلى روافع ناعمة، وصلبة.

وفي أزمة «كورونا»، تخلفت الإدارة الأمريكية الحالية عن مد يد العون طبياً، ومالياً، للدول الأوروبية الأكثر تضرراً مثل إيطاليا، وإسبانيا، ولا ساعدت أية دولة حليفة خارج أوروبا.

كانت تلك علامة على تقوض واحدة من أهم روافع المكانة الأمريكية بين حلفائها المفترضين.

وبالمثل، كان التحلل من اتفاقات تجارية، واقتصادية، واستراتيجية، من دون تشاور يعتد به، أو وضع مصالح الحلفاء في ميزان التصرفات سحباً من رصيد الثقة، وحسابات الصورة.

وكانت ثاني رافعة للدور الأمريكي بناء قاعدة صلبة مستدامة للتحالف العسكري بين الحلفاء أخذ صيغة حلف «الناتو»، في مواجهة حلف آخر نشأ بقيادة الاتحاد السوفييتي السابق انتسب إلى العاصمة البولندية «وارسو».

وكانت ثالث رافعة حجم ما ضخته الولايات المتحدة من أموال في شرايين المنظمات الدولية بالقياس على أية دولة أخرى، وقد أضفى عليها هذا الدور نفوذاً استثنائياً لم تحصل عليه أية دولة منافسة.

واكتسب الخروج الأمريكي من منظمة الصحة العالمية صدمته من توقيته في لحظة جائحة تصيب وتميت ملايين البشر.

وبالنهج نفسه خرجت الولايات المتحدة من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة، «اليونسكو»، بذريعة أنها تنحاز ضد «إسرائيل»، وأوقفت تمويل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين «الأونروا»، للضغط على العصب الاقتصادي الفلسطيني، ليقبل الفلسطينيون ب«صفقة القرن» .

وكانت رابع رافعة للدور الأمريكي الصورة التي بنيت كأحلام ملونة للإمبراطورية الصاعدة، صاغتها «هوليوود»، وصحافتها، ومراكز الأبحاث والتفكير والجامعات المتقدمة، والسبق الذي تحوزه في التقنيات الحديثة.

وعبر العقود انكسرت الصورة الأمريكية، خاصة هنا في العالم العربي، حتى بدت مؤخراً موضوعاً لسجال عالمي بدواعي انكشافها تحت ضربات الوباء، والعنصرية.

ولخصت الاحتجاجات الصاخبة على مقتل «جورج فلويد»، حجم التدهور الفادح في الصورة الأمريكية: مجتمع ممزق، ومنقسم، تتغلغل العنصرية في مؤسساته، خاصة الأمنية، والعدالة تجري حسب العرق، حسبما قيل في تأبين الضحية الأسود.

أمام الأزمتين الكاشفتين يطرح السؤال نفسه: ماذا قد يحدث غداً في أمريكا؟

أول اختبار حقيقي، مدى قدرة النظام السياسي في تجنب الانزلاق إلى فوضى ضاربة، أو حرب أهلية ثانية، تفضي إلى تفكيك الدولة.

وفي الوقت قد تخفت الاحتجاجات، لكن يظل الجرح ماثلاً، ومرشحاً لانفجارات أكبر في المستقبل، إذا لم تدخل إصلاحات جذرية على مؤسستي العدالة والأمن.

وثاني اختبار حقيقي، مدى قدرة النموذج الأمريكي على ترميم صورته في عين شعبه أولاً، وفي مرآة العالم ثانياً، وهذه مسألة صعبة للغاية تستدعي إجراءات قانونية، وعملية، تنفذ إلى صلب المشكلة في اجتثاث العنصرية من الجذور.

وثالث اختبار حقيقي، مدى قدرة المؤسسة الأمريكية على تقبّل فكرة الإصلاح الاجتماعي من داخلها.

ورابع اختبار حقيقي، مدى استعداد أية إدارة أمريكية مقبلة على تقبّل أنه لم يعد بوسع بلادها أن تقود العالم منفردة.

وهذه مسألة سوف تحكمها حقائق القوة، وموازينها المتغيرة قبل أي شيء آخر.

وخامس اختبار حقيقي، مدى التغيير الذي قد يلحق بالسياسات الأمريكية في قضايا الشرق الأوسط، حيث تضرب العنصرية الصهيونية شعباً أعزل، وتعمل على اقتلاعه من أرضه، وضم ما تبقى منها حتى يكاد الفلسطينيون أن يصرخوا، كما الأمريكي الأسود القتيل: «نحن أيضاً نريد أن نتنفس».


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 11 / 2342879

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

24 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 24

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28