لم يفاجأ الفلسطينيون هذه المرة من غياب «دراما الصراع» عن الشاشات العربية في رمضان، لكن المفاجأة كانت في هذا الشهر الفضيل، في تركيز»الدراما السعودية»، بشكل لافت، على دس ملف التطبيع في الأعمال الفنية العادية، بخلاف مسلسل «أم هارون،» لتقديمه على أنه أمر واقع، يتطلب التعايش معه، في وقت أبدى المتابعون للدراما العربية، ومنهم الفلسطينيون، ارتياحهم لأحد الأعمال المصرية باسم «النهاية» الذي يحاكي أحداثا يتوقع حصولها بعد 100 عام، وتشمل زوال كل من أمريكا وإسرائيل.
ولم يكن العمل الدرامي «أم هارون» هو الوحيد الذي يثير قضايا التطبيع، الذي تبثه قناة «أم بي سي» السعودية، الذي صورت مشاهده في دولة الإمارات العربية المتحدة، التي وافقت على نص السيناريو.
وبقدر ما تهيأ المواطنون العرب الرافضون للتطبيع لقيام هذا العمل الفني بالترويج لثقافة التعايش مع إسرائيل، وتوسيع دائرة التطبيع، لمعرفتهم السابقة بأحداث هذا العمل الدرامي، الذي أثار جدلا واسعا، مع بداية عرض إعلاناته قبل حلول الشهر الفضيل، تفاجأوا بعمل درامي سعودي أخر وهو «مخرج 7»، الذي بث في إحدى لقطات الحلقة الأولى، حوارا بين اثنين من الممثلين السعوديين، أحدهما يدعو صراحة للتطبيع التجاري مع إسرائيل، ويصف الفلسطينيين بـ«الأعداء»، وآخر حين عارضه بالأمر، شن هجوما مبطنا على الفلسطينيين بأن وجه لقسم منهم تهمة «الخيانة».
وفي مسلسل «مخرج 7» ظهر الممثلان ناصر القصبي، وراشد الشمراني، حيث قال الشمراني، إنه ينوي التعاون مع إسرائيليين لتوسيع أعماله التجارية، ليقوم القصبي بالرد بأن الإسرائيليين «أعداء»، لكن صديقة في العمل يرد عليه وهو يشير إلى الفلسطينيين «العدو الحقيقي هو اللي يسبك وينكر تضحياتك ووقفتك معه ويسبك ليل نهار أكثر من الإسرائيليين»، ويضيف في تلك اللقطة التطبيعية يقول «دخلنا حروب علشان فلسطين، قطعنا النفط علشان فلسطين، ويوم صارت سلطة ندفع رواتب نحن أحق بها، وهم ما يصدقون فرصة هالكبر يهاجمون السعودية».
وحين حاول الآخر، الممثل القصبي، التفسير لصاحبه، بأن ليس كل الناس سواسية، عمل على شن هجوم مبطن على الفلسطينيين، فيقول لصديقه في الحوار إن هناك من الفلسطينيين من هو وفي ومن هو ناكر للجميل، وإن هناك فلسطينيين هجروا من أراضيهم وتعرضوا للمجازر، وهناك فلسطينيين «باعوا» أراضيهم.
ولم تكن هذه اللقطة التي وردت في هذا العمل الدرامي السعودي فحسب، وهو ما يدلل على ان هناك مخططا واضحا للدفع باتجاه إثارة قضايا التطبيع، ففي العمل يكتشف القصبي وهو رب أسرة سعودية، أن ابنه يلعب إحدى الألعاب الإلكترونية مع آخر إسرائيلي يدعى عزرا، فيما لا يعرف ما الذي تخبئه باقي الحلقات.
وأثار عرض العمل حالة غضب وسخط واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث قام ناشطون بمهاجمة القائمين على العمل، الذي حاولوا من خلاله تحييد المواطن الخليجي عن قضايا الصراع والملف الفلسطيني، بل ودفعهم نحو قبول إسرائيل والتطبيع معها، من خلال استخدام التأثير الثقافي والسياسي المباشر.
وكتب محمد العنزي على حسابه على «تويتر» يقول منتقدا هذه الأعمال «ام بي سي من باب أولى تجسيد معاناة المظلومين من إخواننا الفلسطينيين المرابطين من بطش اليهود الآن». وتابع وهو يصف الأعمال «رسائل تطبيع والاستهزاء بأهل الحق أمر مؤسف ومخز»، فيما كتب عبد الله الدرويش يقول «أم بي سي تعدّت مرحلة محاربة الدين بعد مسلسل «أم هارون» الحين «مخرج ٧» يمارس التطبيع ايضاً».
وكتب مواطن على حسابه في «تويتر» يقول «محطه أم بي سي شغالة تمهيدا للتطبيع مع اليهود «، فيما كتب عبد العزيز الفضلي «فلسطين قضيتي، ومحاولة تهيئة الأجواء للتطبيع مع الصهاينة عبر بعض المسلسلات الخليجية أصبحت مكشوفة، وسنظل نعتبر التطبيع خيانة، وسنقاوم التطبيع بكل الوسائل المشروعة».
جدير بالذكر أن قناة «أم بي سي» تواصل رغم الانتقاد الشديد بث مسلسل «أم هارون»، عن حياة امرأة يهودية عاشت في دولة خليجية بشكل خاص، وعن اليهود في منطقة الخليج العربي عامة، ويزعم تعرضهم للمعاناة هناك في حقبة الأربعينيات من القرن الماضي. وقد جرى تداول مقطع من العمل يظهر كيف روج القائمون عليه لخطأ تاريخي كبير، يتحدث عن تأسيس دولة إسرائيل عقب إنهاء الانتداب البريطاني على «أرض إسرائيل» عوضا عن فلسطين.
لكن وسط السقوط المدوي للدراما السعودية هذا الموسم، بتبنيها «قضايا التطبيع»، ووسط غياب «دراما الصراع» عن أعمال رمضان، لقي مسلسل «النهاية» بطولة الفنان المصري يوسف الشريف، إشادة واسعة، بعد أن توقع سقوط الولايات المتحدة، و «زوال إسرائيل»، وعودة مدينة القدس للأمة العربية.
وفي الحلقة الأولى للعمل الذي تدور أحداثه في المستقبل، وتحديدا بعد 100 عام، ظهر مدرس يشرح لتلاميذه عن عملية «تحرير القدس»، وعن حرب انتهت بسرعة وتسببت في تدمير إسرائيل الصهيونية، بعد أقل من 100 عام من قيامها، وعن تفكك الولايات المتحدة.
ولاقى هذا العمل إشادة وإعجابا كبيرا من قبل المتابعين، خاصة الرافضين لما جاء في «دراما التطبيع الخليجية»، التي تقدمها قناة أم بي سي، خاصة وأن هذا العمل لاقى هجوما حادا من إسرائيل، حيث انتقدت وزارة الخارجية في تل أبيب المسلسل، وقالت في بيان أصدرته إن «المسلسل التلفزيوني المصري يصور مستقبلًا دمرت فيه الدول العربية إسرائيل، وهو غير مقبول»، واعتبرت أن العمل «مؤسف، خاصة بين الدول التي أبرمت اتفاقية سلام مع إسرائيل منذ 41 عاما»، وتقصد بذلك مصر.
وقد دفع هجوم الخارجية الإسرائيلية على هذا المسلسل، مخرجه عمرو سمير عاطف، إلى الطلب من المشاهدين والمؤيدين للفكرة الدفاع عن العمل الدرامي، متوقعا هجوما إسرائيليا حادا عليهم.
ونقل عنه القول «زوال إسرائيل في المستقبل محتمل في غياب سلام حقيقي واستقرار حقيقي في المنطقة.. يجب أن يقوم السلام على العدل».
وفي غزة، قال الناطق باسم حركة حماس حازم قاسم، إن «الاحتفاء الواسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي من الجمهور العربي بما جاء في أحد مسلسلات رمضان المصرية الذي تنبأ بزوال الاحتلال الصهيوني وتحرير القدس، يؤكد بشكل قاطع أن كل الأمة تقف مع قضيتها المركزية، وأنها لن تنسى مقدساتها، وسيبقى الاحتلال الصهيوني عدوها المركزي».
وقال وهو يشير للأعمال الدرامية السعودية «الرفض الشعبي العربي الواسع لأي سلوك تطبيعي مع الاحتلال الصهيوني يؤكد عزلة أي جهة تسعى لجعل العلاقة مع الاحتلال طبيعية، لا يمكن لضمير الأمة الصادق على الدوام أن تخدعه بعض خزعبلات المطبعين»، مؤكدا «سيظل الاحتلال الصهيوني هو العدو المركزي للأمة لأنه يشكل خطراً على كل مكوناتها، وستظل فلسطين قضية كل الأمة»، لافتا إلى أن بعض أصوات التطبيع تعتبر»أصواتا شاذة لا تعبر عن الضمير الجمعي للأمة».
