] الفيروس والإنترنت - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
السبت 4 نيسان (أبريل) 2020

الفيروس والإنترنت

السبت 4 نيسان (أبريل) 2020 par احمد مصطفى

من كثرة استخدام الناس لكلمة فيروس في الفترة الأخيرة، خصوصا مع انتشار البرمجيات الخبيثة وكثافة استخدام الإنترنت، كادت تفقد معناها الطبي الأصلي الذي يعني تلك المركبات ذات الحمض النووي وحيد الشريط الجيني التي هي جماد يصبح حيا داخل نواة الخلية الحية. كل الأجيال الجديدة تعرف الفيروسات والديدان الخبيثة التي تصيب برامج تشغيل أجهزتها الإلكترونية من حواسيب (كمبيوترات) محمولة ولوحية وهواتف ذكية. ولدى الجميع برامج مضادة للفيروسات (Anti-virus software) على أجهزتهم، لكن أحدا لا يعرف عن أدوية مضادات الفيروسات التي طورتها شركات الأدوية في العقدين الأخيرين بعدما كانت الأمراض الفيروسية لا علاج لها. ومع ارتباط كلمة فيروس بالبرمجيات الحاسوبية (الكمبيوترية) لم يعد أحد يتذكر أن الفيروسات تصيب البشر وتسبب أمراضا بعضها فتاك قاتل، مثل هذه الفصيلة الجديدة من فيروس كورونا التي يواجهها العالم الآن.
فكأنما أرادت الفيروسات الحقيقية، وليست البرمجية، أن تعيد البشر إلى من يستحق الاسم الأصلي والذي كدنا ننساه مع استخدام الاسم مجازا لمنتجات افتراضية. لكن المفارقة المثيرة للسخرية، أنه على عكس فيروسات قاتلة من قبل مثل فيروس الإيدز والالتهاب الكبدي الوبائي وإيبولا، زاد فيروس كورونا الجديد (كوفيد-19) من أهمية الإنترنت واستخدام البشر لها في عزلتهم الحالية وسط حجر وإغلاقات يخضع لها أكثر من نصف سكان العالم لمواجهة تفشي الفيروس. فهل كان يمكن تصور أن يبقى الناس في بيوتهم دون وسائل الاتصال الحديثة بالصوت والصورة ودون مواقع التواصل على الإنترنت؟ وكيف كان الناس سيقضون حاجاتهم من التسوق إلى إنجاز الأعمال دون التطبيقات الحديثة على هواتفهم الذكية وأجهزة الحاسوب (الكمبيوتر)؟
لعل أكبر مستفيد حتى الآن من أزمة تفشي وباء كورونا هي شركات الإنترنت، من تطبيقات التسوق إلى مواقع بث الفيديو، هذا طبعا بعد شركات إنتاج المسلتزمات الطبية للوقاية من الفيروس من أقنعة الوجه ومواد التطهير والتعقيم. لكن حتى هذه الأخيرة أيضا بحاجة لمواقع التسوق الإلكتروني واستخدام المستهلكين للإنترنت في ظل إجراءات الحد من الحركة والانتقال لمنع انتشار الفيروس. وبدون الوقوع في فخ تفسيرات المؤامرة، التي هي بالفعل أكثر ضررا من الفيروس نفسه، يمكن القول إن أهم ما ستتمخض عنه أزمة الوباء الحالية ـ التي لا يساور المرء شك في قدرة البشر على تخطيها ـ هو زيادة الاعتماد على الإنترنت. هذا ما جعل الاتحاد الأوروبي مثلا يطالب شركة نتفليكس لبث الفيديو عبر الإنترنت، وغيرها مثل يوتيوب، بأن تخفض حجم ما تبثه حتى لا تنهار الشبكة نتيجة زيادة ضغط الاستخدام من ملايين الأوروبيين الذين أصبحوا يعملون من بيوتهم، ويتسوقون من بيوتهم، ويستعيضون عن الخروج ولقاء الآخرين بتصفح مواقع التواصل وغيرها.
في الأوبئة السابقة التي واجهتها البشرية، وتجاوزتها، شهد العالم هجرات مكثفة بهروب الناس من المناطق الموبوءة إلى مناطق أخرى فانتشر الوباء أكثر وفتك بحياة الملايين (وقتما كان سكان الأرض نسبة مئوية بسيطة من عدد سكانها الآن). وما كان يمكن للسلطات، مهما كانت الإجراءات التي تتخذها، أن تفرض كل هذا الإغلاق لمنع انتشار الفيروس لو لم تكن هذه البنية التحتية العالمية لشبكة الاتصال الدولية متوافرة. وبغض النظر عن المستفيد والخاسر من هذا الوباء، وستكون الخسائر والفوائد بحجم كارثة الوباء التي تواجهها البشرية، فإن هناك نمطا جديدا للسلوك البشري يكاد يطغى. وإذا طالت فترة الإجراءات الحالية وشملت أعدادا أكبر من سكان العالم فإن تغييرا مهما قد يحدث في حياة البشر وطريقة نشاطهم على كوكب الأرض.
فوجئت الأسبوع الماضي بأن ابني الأكبر سجل اسمه في قوافل التطوع لمساعدة القطاع الصحي الحكومي على مواجهة تبعات تفشي فيروس كورونا. وحين سئل: لديك عمل مهم في شركة كبيرة، وإن كنت تعمل من البيت مثل الآخرين، فكيف ستترك هذا وتذهب للمساعدة في مستشفيات ميدانية مؤقتة أو توصيل الأدوية والمستلزمات لكبار السن والمرضى في بيوتهم؟ أجاب إجابة أثارت أمرا في غاية الخطورة في ذهني. فهو لم يقلل من أهمية عمله في الشركة التي يعمل بها، لكنه رد بأن هذا الذي تطوع له هو العمل الحقيقي. وهذا بالضبط هو النمط الذي يخشى أن يتسيد بسبب الفيروس والإنترنت.
فالعمل من البيت والتواصل عبر الإنترنت يكاد يجعل الجميع على شاكلة المتعاملين في الأسهم، يضاربون على الشاشات عبر الإنترنت يشترون في أسواق آسيا، ويبيعون في أسواق أوروبا، ويضاربون في أسواق أميركا وهم على أرائكهم الوثيرة. وكثير منهم يشتري ويبيع عقود السلع ولا يعرف شكلها ويجني الأرباح الطائلة وهو في “عزل ذاتي اختياري” بدون وباء ولا فيروس. وإذا كان أكثر من نصف سكان الأرض الآن إما يعملون من بيوتهم أو في حالة “تباعد اجتماعي” وعزل ذاتي في منازلهم وبإمكانهم ممارسة حياتهم، فمن إذًا سيقوم بإنتاج السلع التي يتسوقونها (أو يتاجرون فيها) ومن سيزرع ويحصد الغذاء الذي يشترونه عبر الإنترنت ليصلهم إلى منازلهم؟ ومن؟ ومن..؟ أي في النهاية، كما يفكر ابني، من سيقوم بالعمل “الحقيقي” وليس إنتاج برامج حاسوبية (كمبيوترية) تحاكي الواقع بغرض الترفيه والتسلية رغم أن شركات إنتاجها تكسب المليارات؟ هذا حقا ما يخشاه المرء من تأثير الفيروس والإنترنت.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 11 / 2342879

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

7 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 7

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28