] «ضربة شاكوش» برأس الثقافة المصرية - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الأحد 23 شباط (فبراير) 2020

«ضربة شاكوش» برأس الثقافة المصرية

الأحد 23 شباط (فبراير) 2020 par عبدالله السناوي

في لحظة كاد يتلخص الجدل العام في مصر بأزمة واحدة بدت بموضوعها وأطرافها لا تستحق درجة الاهتمام التي أوليت لها، ومدى الانقسام حولها والصخب الإعلامي الذي صاحبها.
خلف الضجيج طرحت تساؤلات قلقة عن حقيقة أزمة «أغاني المهرجانات»، ما هو مصطنع فيها وما هو كاشف لأحوال غاطسة في المجتمع المصري.
بدأت الأزمة بتصرفين متضادين، أحدهما متفلت والآخر متسرع.
ما هو متفلت أن ينقل عبر الشاشات التلفزيونية إلى البيوت أغنية تحمل اسم «بنت الجيران»، تضمنت كلمات غير مستساغة، تهدد ب«شرب خمور وحشيش» في مسائل الحب والهجران.
وما هو متسرع ما أصدرته نقابة الموسيقيين من منع نهائي لكل مطربي المهرجانات، يلزم المنشآت السياحية والبواخر النيلية والملاهي والكافيهات دون تبصر بمجافاة القرار المطلق لأية قيم دستورية وقانونية، فضلاً عن أنه ليس حلاً بقدر انتشار هذا النوع من الغناء على شبكات التواصل الاجتماعي، حتى إن الأغنية موضوع الأزمة تجاوزت أكثر من (70) مليون مستمع.
وجه التفلت يستحق وقفة ووجه التسرع يتطلب مراجعة.
لماذا انتشر هذا النوع من الغناء؟
ببساطة لأنه يخاطب بؤس الحياة اليومية والمشاعر المكبوتة بنوع من صخب الإيقاعات، كأنها مهرجان، ونوع من الرقص، كأنه حفل «زار»، ونوع من الكلمات، كأنها مواساة جماعية.
لا تكتسي أسماء مطربية أية رومانسية معتادة للمطربين العاطفيين، فهم «حسن شاكوش» صاحب أغنية الأزمة، و«حمو بيكا»، و«كزبرة»، و«حنجرة»، إلى آخر قائمة الأسماء الغريبة.
بصورة ما فإن أسماءهم تشبه البيئات الفقيرة والعشوائية التي خرجوا منها وحاولوا التعبير عنها على طريقتهم.
هذا النوع من الغناء وجد طريقه إلى الطبقات الأعلى، التي تحوز الثروة والنفوذ والمكانة الاجتماعية.
السؤال هنا: هل بوسع عقلية المنع والمصادرة أن تلغي احتياجات قطاعات واسعة من المواطنين عجز الغناء التقليدي، الذي يدعي رقيه، عن تلبيتها؟
بتعبير «ابن خلدون» في مقدمته: «أول ما ينهار في العمران هو صناعة الغناء».
المعنى أننا أمام أزمة حضارية لا يصلح معها إصدار أوامر إدارية بلا أثر عملي كبير بالمنع والحجب والمصادرة.
فكرة المنع نفسها مستحيلة في عصر وسائل التواصل الاجتماعي والعوالم المفتوحة.
إذا أردنا أن نواجه أنفسنا بالحقائق فإننا أمام حالة انكشاف له أسبابه وجذوره، غياب أي مشروع ثقافي وراء تفاقم الأزمة.
الذائقة العامة ترتبط بحركة المجتمع، تحولاته وحروبه وثوراته وإحباطاته وهزائمه.
في ظروف ما تنشأ ظواهر بعينها وفي ظروف أخرى تنحسر.
بعد ثورة (1919) جرى التلاعب بالدستور والحكومات وحرمان «الوفد»، حزب الأغلبية الشعبية بلا منازع، من حقه في الحكم باستثناء مرات معدودة، لكن آثارها في حركة المجتمع والاقتصاد والثقافة والفنون والتعليم جعلت مصر أكثر ثقة في نفسها ومستقبلها.
هكذا نشأت حركة فنية وثقافية وبرزت أسماء كبيرة ألهمت العالم العربي كله في كافة مجالات الفكر والأدب.
وفي تجربة ثورة «يوليو» ازدهرت حركة الترجمة؛ لإتاحة ما ينشر من فكر حديث في الغرب أمام القارئ بأرخص الأسعار.
أنشئت أكاديمية الفنون بالهرم وأرسلت بعثات إلى عواصم أوروبية، خاصة موسكو؛ لتعلم الموسيقى الكلاسيكية وفن الباليه والمسرح.
وكان صعود فن الرقص الشعبي في تجربتي «فرقة رضا» و«الفرقة القومية للفنون الشعبية» علامة على نوع التجديد الثقافي، الذي زاوج بين الفنون الحديثة والفنون الشعبية.
أهم ما انطوت عليه النهضة الثقافية في الستينات من القرن الماضي إتاحة حرية النقد والاختلاف.
نشرت رواية نجيب محفوظ «أولاد حارتنا» كاملة على صفحات «الأهرام»، رغم الزوابع التي أثارتها.
سمح بعرض الشريط السينمائي «شيء من الخوف» عن رواية بالاسم نفسه ل«ثروت أباظة»، رغم الاعتراضات الرقابية التي تصورت أن «فؤادة» هي مصر و«عتريس» هو «عبدالناصر» وأن الزواج بينهما باطل.
لم يوافق عبدالناصر على الاعتراضات الرقابية ف«نحن لسنا عصابة وإذا كنا كذلك لا نستحق أن نحكم أو نبقى».
في سبعينات القرن الماضي أطفئت أنوار الثقافة وجرت حرب على المثقفين وتصويرهم على أنهم «أفندية» يبتغون مصالحهم الشخصية، حسب كلام الرئيس الأسبق أنور السادات.
تدهور مفهوم الفن الشعبي ودخلت مصر في مرحلة بائسة ثقافياً، رغم الجهود التي بذلت لتخفيض الكلفة.
إذا كان لابد من استخلاص حقيقي من «ضربة شاكوش» في رأس الثقافة المصرية أن ننتبه إلى أهمية فتح المجال العام أمام حريات التفكير والإبداع واحتضان المواهب ونشر الثقافة العامة.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 147 / 2342227

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

36 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 32

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28