] كي تنتصر فلسطين - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
السبت 8 شباط (فبراير) 2020

كي تنتصر فلسطين

بقلم: عبدالحليم قنديل
السبت 8 شباط (فبراير) 2020

لا بأس بكسب رفض عربي ودولي للخطة الإسرائيلية الأمريكية، المعروفة اختصارا باسم «صفقة القرن»، وقد فعلها وزراء الخارجية العرب في اجتماع الجامعة الأخير بالقاهرة، وبلغة بدت أكثر وضوحا من النمط البليد المعتاد لبيانات الجامعة العربية، وقد تفعلها القمة العربية المقبلة، وكذا القمة الافريقية المنتظرة قبلها، وفعلها اجتماع «منظمة التعاون الإسلامي» التي تضم 57 دولة، وقد تفعلها اجتماعات مماثلة لمجموعة (77 زائد الصين)، إضافة لإثارة القضية في مجلس الأمن الدولي، والخطاب المتوقع للرئيس الفلسطيني محمود عباس أمامه، وإن كان مستبعدا بالطبع، أن يصدر قرار مؤات للمطامح الفلسطينية عن مجلس الأمن، فالفيتو الأمريكي جاهز لرفض الرفض الدولي.
وكل هذا مطلوب ومقدر، ويدخل في باب الدعاية والعمل الدبلوماسي، وجلب تضامن لفظي مع قضية الشعب الفلسطيني، قد لا يقدم ولا يؤخر، فالأقدار تكتبها حركة الوقائع على الأرض، والحقوق لا تستعاد بغير قوة تسندها، وليس بالبيانات والقرارات، التي يجف حبرها فوق الورق، مهما تكررت مرات استظهارها من جديد، ومهما جرى التشديد على السعي إلى سلام، لا يتحقق في غيبة تعديل جذري بموازين القوى، لا تجدي أي مفاوضات بدونه، سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة، وبوساطة أمريكا الراعية لإسرائيل، أو بوساطة مظلة دولية متعددة الأطراف، تفضلها السلطة الفلسطينية اليوم.
وليس صحيحا أبدا، أن الفلسطينيين أضاعوا أي فرصة سلام، ولا أي طرح يعيد اليهم الحد الأدنى من الحقوق، فقرار التقسيم الذي صدر عن الأمم المتحدة أواخر 1947، جرى تجاوزه بالقوة الصهيونية، قبل أن يجف مداده، وقرار 242 الذي صدر عقب عدوان 1967، أعلنت منظمة التحرير الفلسطينية قبوله بوضوح عام 1974، وعلى قاعدة ما سمته وقتها بالحل المرحلي، ثم جعلته حلا نهائيا في اجتماع المجلس الوطني عام 1988، وأصدرت وقتها ما سمته «إعلان الاستقلال الفلسطيني»، والاكتفاء بدولة فلسطينية في الضفة وغزة والقدس المحتلة في 1967، ثم قبلت ما طرح عليها من المشاركة في «مؤتمر مدريد للسلام»، وأدارت بالتوازي مفاوضات مباشرة سرية في العاصمة النرويجية «أوسلو»، ودخلت في متاهة مفاوضات، استمرت على مدى يقارب ربع قرن، ودخلت في مفاوضات «كامب ديفيد الثانية» بوساطة رئاسية أمريكية، ولم يتزحزح الوضع للأفضل، بل زادت عمليات الاستيطان اليهودي أضعافا، وتوحشت عملية تهويد القدس المحتلة، وفرض الأمر الواقع الذي بدأت به خديعة أوسلو أواخر 1993، وقضم الأرض التي تصورها الفلسطينيون أساسا لدولتهم، وقصر حضور السلطة الفلسطينية على ما وصف بالمنطقة (أ) في اتفاق أوسلو، ووضع المنطقتين (ب) و(ج) تحت السيطرة الإسرائيلية الاحتلالية المباشرة، ومن دون تحقق وعود أوسلو الأولى، ولا قيام الدولة الفلسطينية التي كانت منتظرة عام 1999، وعلى 22% فقط من مساحة فلسطين المحتلة بكاملها.

الاحتلال لا يزول ولا ينكسر، إلا إذا زادت تكلفته على عوائد بقائه، وهو ما ينطبق بالبداهة على الوضع الفلسطيني

مرّت بعدها عشرون سنة وتزيد، ومن دون أن يكون المطروح بالتفاوض على الفلسطينيين، شيئا أقل كارثية من خطة ترامب الإسرائيلية، والمعنى بسيط وظاهر، وهو أن المفاوضات والمبادرات لم تصل إلى شيء إيجابي يذكر، ولو عند سقف الحد الأدنى، ربما باستثناء الوضع في قطاع غزة المحاصر من سنوات، والذي جلت عنه قوات الاحتلال من طرف واحد، أواسط العقد الأول من القرن الجاري، ليس بطريق المفاوضات من أي نوع، بل بالمقاومة المسلحة والجماهيرية وحدها، في غمار الانتفاضة الفلسطينية المعاصرة الثانية، التي تفجرت بدورها بعد فشل مفاوضات كامب ديفيد الثانية. والمعنى مجددا، أن الفلسطينيين المتنفذين لم يضيعوا أي فرصة سلام، بل ضاعوا بسبب أوهام السلام بالذات، وأضاعوا نصف عمر قضيتهم تقريبا، جريا في متاهات المفاوضات، وبالذات في زمن متاهة أوسلو، الممتدة لنحو ثلاثين سنة إلى الآن، وتحقق فيهم قول الشاعر الفلسطيني العربي المرموق محمود درويش، حين استقال من عضوية اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، احتجاجا على سلام «أوسلو»، وانتقد في خطاب استقالته «هذا السلام الذي سيتركنا حفنة غبار»، وقد كان ذلك هو أخطر ما ترتب على أوسلو، فإضافة لمتاهة الخرائط، التي قضمت فيها إسرائيل أهم المناطق المحتلة بعد عدوان 1967، دخل الفلسطينيون في متاهة أخرى، عزلت أغلبهم، عن حرارة الشعور بحقيقة القضية، وكونها قضية تحرير وطني، الأساس فيها هو حق المقاومة المشروعة بكافة صنوفها، وليس انتظار أنباء جولات التفاوض السري والعلني، التي لم تأت أبدا بشيء مما تشتهيه النفس الفلسطينية، وباستثناء غزة كما قلنا، التي جلت عنها إسرائيل بطريق المقاومة وحده، ودخلت في ثلاث حروب طاحنة مع جيش الاحتلال الإسرائيلي، لم ينجح كيان الاحتلال في كسب أي منها، تماما كما انسحب من الجنوب اللبناني مدحورا، ومن دون توقيع اتفاق سلام ولا صك تطبيع.
والمحصلة في ما جرى، ليست جديدة في مغزاها، بل هي خلاصة خبرة كل الشعوب التي تعرضت للاحتلال، أيا كان نوعه، وحتى في حالات الاستعمار الاستيطاني الإحلالي، كالذي تعرضت وتتعرض له فلسطين المحتلة، كانت المقاومة الجماهيرية والمسلحة المثابرة، هي الطريق الأساسي للنصر، فقبل مفاوضات استقلال الجزائر مثلا، بعد احتلال استيطاني فرنسي، ابتليت به الجزائر لمدة 130 سنة، كان الشعب الجزائري المقاوم على موجات، قدّم ما يزيد على المليون ونصف المليون شهيد في حروب المقاومة، والقاعدة الذهبية في سجال المقاومة والاحتلال، أن الاحتلال لا يزول ولا ينكسر، إلا إذا زادت تكلفة الاحتلال على عوائد بقائه، وهو ما ينطبق بالبداهة على الوضع الفلسطيني، الذي أضاعوا بوصلته في متاهات أوسلو وما تلاها، وجعلوا الفلسطينيين يدفعون تكلفة الاحتلال بالوكالة عن العدو، إلى أن انتهينا إلى حقيقة لا تدحض، هي أن هدف إقامة دولة فلسطينية في الضفة والقدس وغزة، لم يعد وارد التحقق في المدى المنظور، بمفاوضات من أي نوع، وهو ما يعني ضرورة مراجعة المسار كله، وطي صفحة أوسلو ومضاعفاتها، وسحب الاعتراف بكيان الاحتلال الإسرائيلي، وحل السلطة الفلسطينية بطابعها الوظيفي الخادم موضوعيا للاحتلال، وقد قيل إن الرئيس عباس هدد خطيا بوقف خطيئة التنسيق الأمني مع كيان الاحتلال، وبدأت عمليات صحوة مقاومة في الضفة والقدس، ونأمل أن يكون ذلك طريقا نهائيا، وأن يجري إحياء منظمة التحرير الفلسطينية، وضم حركتي «حماس» و «الجهاد الإسلامي» إليها، ووقف خطايا الانقسام المهين بين سلطتي «رام الله» و»غزة»، والتركيز كليا على خط المقاومة المسلحة الشعبية الجماهيرية السلمية، والعودة إلى خطة الرصاصة الأولى في أواسط ستينيات القرن العشرين، وتطليق «حل الدولتين» الموهوم العبثي، والعودة إلى هدف التحرير الكامل، وإقامة دولة واحدة ديمقراطية على كامل أرض فلسطين التاريخية، فقد صمد الفلسطينيون فوق أرضهم المقدسة، وأنجب الشعب الفلسطيني شعبا جديدا عفيا، وصار عدد الفلسطينيين اليوم فوق أرضهم المقدسة، أكثر من عدد اليهود المجلوبين للاستيطان الاستعماري، صار عدد الفلسطينيين فوق ستة ملايين وسبعمئة ألف اليوم، بينما عدد يهود الاحتلال عند رقم الستة ملايين ونصف المليون، ولم تعد هناك مخازن بشرية جاهزة لرفد كيان الاحتلال بمدد جديد، فوق أن الفلسطينيين في الوطن ومنافي اللجوء صاروا أكثر من عدد اليهود في الدنيا كلها، والمعنى ظاهر، وهو أن شعبا فلسطينيا عفيا متكاثرا فوق أرضه، قادر على رفد خطوط المقاومة بمدد لا ينفد، وقد لا تمر ثلاثون سنة مقبلة، حتى يصبح الفلسطينيون فوق أرضهم أغلبية ساحقة، ليس بوسع أحد سحقها أو تهجيرها من جديد، خاصة أن الشعب الفلسطيني أفضل الشعوب العربية تعليما، وتاريخه الكفاحي حافل بالتضحيات، وبوسعه تقديم مئات الآلاف المضافة من الشهداء، في طريق المقاومة الشاملة، الذي لا طريق غيره، لنيل كامل الحقوق، وعلى مراحل، في صراع طويل الأمد بطبعه، يعيد النجوم إلى مداراتها الأصلية، ولا ينهك حيوية الشعب الفلسطيني بتقسيمه جغرافيا، ولا يعود به إلى متاهة «حل الدولتين»، الذي لا يقود إدمان التفاوض حوله اليوم، وفي هذه الظروف، سوى إلى تقزيم «حل الدولتين» المتقزم بالخلقة.
نعم، ليس السلام إياه هو الخيار الاستراتيجي، بل المقاومة الشاملة هي الخيار الاستراتيجي، فهي التي تغير وتعدل موازين القوى على الأرض، وهي التي تزيد تكلفة الاحتلال دما ومالا، على جدوى بقائه، وهي التي ترغم الاحتلال ـ أي احتلال ـ على التسليم بالحقوق، وتفتح أفقا للوصول إلى هدف الدولة الديمقراطية الواحدة ذات الأكثرية الفلسطينية الحاسمة.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 62 / 2342879

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات وقضايا   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 17

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28