] مراجعات يناير والأجيال الجديدة - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الأحد 19 كانون الثاني (يناير) 2020

مراجعات يناير والأجيال الجديدة

الأحد 19 كانون الثاني (يناير) 2020 par عبدالله السناوي

أسوأ اقتراب ممكن من شواغل الأجيال الجديدة النظر إليها من فوق، وإملاء الأحكام عليها، كأنها تحتاج إلى وصاية.
الوصاية بالادعاء جهل بالتاريخ. ولا يحق لأحد توهم احتكار الحكمة، ونفي حق الأجيال الجديدة في اكتشاف معنى حياتها، وتقرير مستقبلها بنفسها.
بالقدر نفسه، فإن التاريخ لا يعرف الانقطاع بين ثوراته، وتجاربه، وأجياله، وأي كلام آخر خطيئة متكاملة الأركان.
وفي تاريخ الأجيال المصرية الحديثة حدثت إحباطات وتراجعات، لكنها لم تصل إلى حد إطلاق الرصاص العشوائي على كل ما قبلها، ونفي أية صلة بإرث الثورات المصرية، كأنها ولدت فجأة لتبدأ التاريخ من جديد.
التاريخ فعل تراكم، فإذا ما نسف التراكم ارتبكت الخطى، وأهدرت المعاني. وأكثر ما يستحق المراجعة اليوم كيفية النظر للتاريخ الوطني المشترك حتى لا نقع في فخ القطيعة بين ثورات مصر مرة جديدة.
وكانت تلك القطيعة أخطر مثالب الحركة الوطنية المصرية على امتداد تجاربها. تحاملت الحركة الوطنية التي قادها «مصطفى كامل» أوائل القرن العشرين على «أحمد عرابي» والثورة التي قادها، وانتهت وقائعها بالاحتلال البريطاني لمصر عام (1882).
وجافت ثورة (1919) بزعامة «سعد زغلول» إرث «مصطفى كامل» الذي مهد لها، وأمعنت في الوقت نفسه في إنكار «عرابي». وبدت ثورة «يوليو» بزعامة «جمال عبدالناصر»، كما لو أنها تنكر أية صلة تجمعها بثورة (1919)، حتى وصلنا إلى تصور أن «يناير» تناهض «يوليو»، رغم أن أهدافها العامة تكاد تكون طبعة جديدة في ظروف مختلفة لما طمحت إليه، مع إضافة الحريات السياسية ثغرتها الرئيسية.
وأفضل تعريف ل«الناصرية» أنها «المشروع الوطني المتجدد»، لا نشأت من فراغ، ولا اخترعت قيمها وأفكارها الرئيسية، وكانت الديمقراطية ثغرتها الرئيسية، التي أفضت إلى الانقضاض عليها.
بدت «يناير» في مشاهدها الأولى تطويراً بالتصحيح والإضافة إلى المشروع الوطني المتجدد، غير أنها لم تتوصل إلى مبتغاها رغم التضحيات التي بذلت، ولم تكن أول ثورة مصرية تنكسر، ولا كانت أجيالها أول من أصابهم الإحباط.
جيل الأربعينات في القرن الماضي حارب في قناة السويس ضد معسكرات الاحتلال البريطاني، وتظاهر في الجامعات والميادين ولوحق وطورد، لكنه لم ينكسر رغم ذلك كله.
تأثر بعصره في طلب العدل الاجتماعي، ووصلت ريح التغيير إلى حزب الأغلبية، وتبنى زعيمه «مصطفى النحاس» «الطليعة الوفدية» بنزعتها اليسارية الصريحة على عكس التوجه العام للحزب.
بعبارة أخرى فإنها ثورة جيل الأربعينات. لحقت هزائم أفدح بجيل السبعينات، فكل ما حلم به تقوض، وكل ما دفع ثمنه تراجع. حارب كما لم يحارب جيل آخر على جبهات القتال بعد هزيمة (١٩٦٧) غير أن الجوائز كلها ذهبت إلى غير أصحابها. صدمته أوسع عملية نهب للمقدرات العامة، بينما إرث «يوليو» في مخيلته يلهم قواه الحية.
تجرع جيل السبعينات هزيمة بعد أخرى غير أنه لم ينكسر. عارض بدأب الرئيس الأسبق «أنور السادات» في خياراته الرئيسية من الإدارة السياسية لحرب أكتوبر، إلى الانفتاح الاقتصادي، وتفكيك القطاع العام، حتى «كامب ديفيد» والصلح المنفرد مع «إسرائيل».
وكانت انتفاضة «يناير» (١٩٧٧) ثورته الناقصة. جيل «يناير» يستشعر شيئاً مما تعرض له أسلافه من مرارة التراجعات، ومشكلته أن الثورة التي تصدر مشاهدها المهيبة سبقت تجربته، وشعاراتها غلبت مبادئها.
قصة الجيل الجديد بالكاد بدأت. وبحكم السن فإن (٦٠%) من المصريين تحت الخامسة والثلاثين. وهذا يستدعي الحوار بندية لا الصدام بقسوة، التفهم لا التعالي، فتح قنوات المستقبل لا إغلاقها.
ارتبطت «يناير» بعصر المعلومات وثورة الاتصالات، ذلك يجعل من شبه المستحيل فصم العلاقة بين الأجيال الجديدة وطلب الدولة الحديثة الديمقراطية والعادلة.
وفي أول العرض التاريخي جرى ما يشبه «التقديس» للفعل الثوري شاملاً جماعات الشباب، فهم «أفضل جيل في التاريخ المصري الحديث»، «لا قبلهم ولا بعدهم». كان ذلك نفياً لتواصل الحركة الوطنية المصرية جيلاً بعد آخر، وتسطيحاً في الوقت نفسه لطبيعة الثورة.
وأعقب التقديس تجريم وتشهير، وكان ذلك خطأ أفدح، ف«يناير» جذر الشرعية الدستورية، ولا توجد شرعيات معلقة في الفضاء بلا أرض تقف عليها.
وكأي ثورة أخرى في التاريخ فإن «يناير» ليست جملة عابرة تذهب إلى حال سبيلها بالنسيان، أو التجاهل.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 31 / 2342879

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

9 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 9

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28