] سد النهضة ونظرة للمستقبل - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
السبت 30 تشرين الثاني (نوفمبر) 2019

سد النهضة ونظرة للمستقبل

خميس بن عبيد القطيطي
السبت 30 تشرين الثاني (نوفمبر) 2019

أنجزت قبل أيام قليلة بالعاصمة الأثيوبية أديس بابا مباحثات وزراء وخبراء الري للدول الثلاث المعنية بموضوع سد النهضة، وهي مصر والسودان وإثيوبيا، هذه المباحثات التي تم جدولتها خلال الاجتماع الماضي بواشنطن للوصول إلى اتفاقات حول النقاط الخلافية فيما يتعلق بسد النهضة الذي تقيمه إثيوبيا بالقرب من حدودها مع السودان، وهو ما يعتبر مشروع القرن بالنسبة لهذا البلد الذي تنبع من أراضيه مياه نهر النيل العظيم بداية من البحيرات المرة ورافدي النيل الأبيض والنيل الأزرق الذي يقع على مسار سد النهضة.
الاجتماع الآخر المقبل سيكون في شهر ديسمبر القادم، والاجتماع الثالث الأخير سيكون بتاريخ الـ١٣ من يناير ٢٠٢٠م، وإذا لم يتم التوصل لاتفاق حول نقاط الخلاف سيعمل بالمبدأ العاشر من اتفاقية إعلان المبادئ الموقعة في الخرطوم لعام ٢٠١٥م، وهو مشاركة الطرف الدولي (البنك الدولي) المضطلع بملفات المياه والأنهار حول العالم.
الاجتماع الأخير في أديس أبابا ربما قدم إفادة جيدة لحلحلة إحدى أهم نقاط الاختلاف العالقة فيما يتعلق بفترة ملء السد والتي يراها الجانبان المصري والسوداني سبع سنوات على الأقل بعدما أصبح السد أمرا واقعا لا محالة بانتهاء الجزء الأكبر من إنشائه. كذلك هناك أيضا نقطة تتعلق بهيدروليكية النهر والتشغيل بالشكل الذي لا يؤثر على منسوب المياه في السد العالي في مصر، والسدود الثلاثة الأخرى بالسودان الرصيرف وسنار ومروي. ولا شك أن الاجتماعات القادمة ستقدم حلولا مرضية لنقاط الاختلاف الأخرى مثل هيدروليكية التشغيل في سنوات الفيضان وتجنب سنوات الجفاف حسب دورة نهر النيل، علما أن منسوب مياه النيل ينخفض خلال فترات الجفاف بشكل يؤثر على حصص مصر والسودان، مع الأخذ بالاعتبار تضاعف عدد سكان البلدين بشكل لا يحتمل أي تقليص آخر، وبالتالي فالآمال معقودة على هذه الاجتماعات التي قد تصل بالأزمة إلى نهايتها وحسب جدولها الزمني. كما أن الوعي السياسي للبلدان الثلاثة وإدراكهم خطورة أي توتر أو تصعيد مع إدراكهم التام بوجود أطراف خارجية تسعى إلى إثارة مثل هذه القضايا العالقة، لذا فإن الأشقاء بمصر والسودان وجارهم الإثيوبي مدركون أهمية طي أزمة سد النهضة حسب جدولها الزمني، ولكن هل لهذا الملف تداعيات مستقبلية على الأمن القومي لدول حوض النيل؟؟
موضوع سد النهضة سبق الحديث عنه بمقال في تاريخ الـ٧ من نوفمبر ٢٠١٩م، وهو بالتأكيد حديث وسائل الإعلام العربية والدولية لما يمثله من أهمية استراتيجية تمس الأمن القومي لدول حوض النيل عموما والدول الثلاث المعنية وذلك على المدى البعيد. فالقضية مرتبطة بالمدى الزمني في حال تدخلت أطراف خارجية أو حدثت توترات بين دول حوض النيل قد تفسح المجال لاستخدام هذا الملف والتأثير على الأمن القومي لدول الحوض عموما، مع العلم أن بقية دول الحوض الأخرى اجتمعت منذ عقد من الزمن تقريبا للمطالبة بحصصها من مياه النيل كما لمصر والسودان، وتم التعامل مع الأزمة بطريقة دبلوماسية لتنتهي في مهدها، وهذا مثال قد يتكرر، وبالتالي فمثل هذه الإشكالات مرشحة للظهور في أي وقت، فربما ترغب بقية دول الحوض في إنشاء سدود مماثلة، وتكرر مطالبها السابقة باستقطاع حصصها من مياه النيل، كما لا يمكن استبعاد مخاطر هذه السدود في المستقبل إذا ما حدث أي استهداف مباشر لها، وبلا شك ملفات المياه حول العام تمثل أهم القضايا الدولية لارتباطها بالأمن القومي لكثير من دول العالم.
تسريب صحيفة لوبوان الفرنسية عن صفقة الأسلحة بين فرنسا وإثيوبيا والتي تشمل صواريخ يصل مداها الى ٦٠٠٠ كيلو متر قادرة على حمل رؤوس تقليدية ونووية، بالإضافة إلى طائرات رافال وأنظمة دفاع جوي وأنظمة تشويش إلكترونية ومروحيات، هذه التسريبات إن صدقت فهذا مؤشر على أن إثيوبيا لم تغفل الردع إذا ما تعلق الأمر بالخيار العسكري، وأنها ستوفر القدرات العسكرية لحماية مشروعها الاستراتيجي، مع أن رئيس وزرائها آبي أحمد قد صرح بأن الحرب ليست من مصلحة أحد.
اتفاقية عام ١٩٥٩م حددت حصص مصر والسودان من مياه النيل، فحددت لمصر ٥٥،٥ مليار متر مكعب وللسودان ١٨،٥ مليار متر مكعب، وأقرت عدم إقامة أي منشآت مائية على منابع النيل دون موافقة مصر، واليوم أصبح سد النهضة أمرا واقعا والمطلوب فقط التنسيق بين الدول الثلاث لتجنب أي ضرر واقع عليها.
مياه النيل تعتبر قضية أمن قومي بالنسبة لمصر، فقد قامت حضاراتها نظرا لوجود هذا النهر العظيم، ولا شك أن مصر تمثل الثقل المحوري العربي ولها تاريخ نضالي في سبيل الأمة العربية، كما أن جميع المعارك التي خاضتها مصر منذ حطين وعين جالوت والحملات الصليبية وارتباطها بمختلف قضايا الأمة، بالإضافة إلى وجود الكيان الصهيوني وتاريخ الصراع معه يضع مصر في دائرة الاستهداف، وأي قضية تمس مصر بلا شك هي تمس الأمن القومي العربي عموما.
قضية سد النهضة ينبغي أن تكون قضية شراكة يستفيد منها جميع دول حوض النيل، من خلال توقيع اتفاقيات ثنائية أو جماعية بين دول الحوض وبإشراف الاتحاد الإفريقي لضمان حقوق كل الدول المعنية بمياه النيل، وتوقيع ميثاق شرف لضمان عدم الإضرار بأي من هذه الدول واعتماد الخيار التفاوضي فيما إذا برز أي إشكال حول سد النهضة في المستقبل؛ لذا تبرز أهمية الشراكة الاستراتيجية وتقاسم هذه الثروة المائية بين دول الحوض وقطع الطريق أمام قوى الاستعمار الدولية التي قد تحاول استخدام مثل هذه القضايا للتأثير على الأمن القومي للدول بهدف تحقيق مآربها الخاصة، وهذا الملف لن يسلم من المساومات والمتاجرة به من قبل الدول الاستعمارية؛ لذا ينبغي الانتباه بوضع كل النقاط في مسارات آمنة، ودمج المصالح والشراكة لدول الحوض وربطها من خلال هذا المشروع العظيم، وتحويله من أزمة قائمة إلى مصلحة دائمة، ودائما النيات الحسنة تتبعها نتائج حسنة ومستقبل آمن بعون الله.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 44 / 2342879

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات وقضايا   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

22 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 21

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28