] فِي زَمَنُ الفِتْنَة… - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الجمعة 23 آب (أغسطس) 2019

فِي زَمَنُ الفِتْنَة…

الجمعة 23 آب (أغسطس) 2019 par علي عقلة عرسان

قُلْ هي الكارثة تستمر في دَقُّ الأبواب باباً بعد باب، ويَستجيب لها من لا يرى أبعد من أنفه، إذ يكسر ظهره بسيفه ويحفر قبره بظلفه؟!.. والكارثة مشاهد وفصول، وشواهد وشهود، ومراحل مداخل ، ونوافذ وأبواب، منها ما يُرى بالعين المجرَّدة، ومنها ما يحتاج إلى عيني زرقاء اليمامَة لترى وتُنْذِر إن وعى المُنْذَرون وانتَفعوا، ومنها ما لا يُرى إلا تحت مجاهر المُختبرات.. ومن الخطأ وفساد الرأي وسوء الرؤية، الأخذ بقول القائلين بتأجيج الصراع الدموي، وإعمال الاجتثاث وتفعيل الإلغاء، للخروج من الكارثة.. فذاك مدخل من مداخل الإبادة المُزدَوَجة، وزيت يُصَبُّ على جحيم الكارثة.. تلك مداخل هدامين وفوضويين وجاهلين، وهي مداخل مجربة ومعروفة نتائجها، وقد انتهى إلى خير مَن انتهى عنها وأفلح بالخروج عليها.. ” أن تسيل الدماء للرُّكَب” كما يقول “المراهقون الثوريون والفتنويون الغُلاة”.. يعني أن يخسر الوطن أبناءه وقدراته ومستقبل الوئام بين مكوناته البشرية،وأن تخسر الأمة مستقبلها ودينها ودنياها.. فالفوضى تجرّ الفوضى، والدم يستدعي الدم، والهدم يضاعف تكاليف البناء، وكل ذلك يصبُّ في مجرى الكارثة ولا يخرجنا منها. وفي أتون الكارثة الولوع.. يبقى شواظ الجُثث في الجو، ويبقى الدم ينزف، والدمار يجتاح، والألم يعتصر القلوب، والموت يتخطَّف من يتخطفهم من الناس في الدروب، وينتج عن ذلك المزيد من التشرد والذل، من التآكل والعذاب، من الضعف والضلال البعيد، وتُستنبت في حقوله الأحقاد والكراهية.. وفي هذا المناخ تتغذَّى الفتنة بنا وتكبر بنا وتكرج بديارنا.. والفتنة ولود، ووقودها الناس والعمران والأوطان.. لقد تحاشيناها ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، لكنها فرَّخت هنا وهناك، وما زالت قائمة تستنزفنا وتفرقنا وتهددنا.. وحين يقف وراءها الأعداء، والبعيد والقريب من مرضى الأنفس، وممن ليس لهم من العقل والدين والوطنية نصيب، وممن غلَّف قلوبهم الجهل والغُلوُّ .. فإنه لن يكون لها رادع ولا مانعٌ ولا دافع !! والفتنة فتَّاكة مكلفة وكارثية، تزرع من الحقد والبؤس والذل والضعف أكثر مما تجتث ـ إن هي اجتثت، على رأي بعض قصار النظر والمتعصبين ـ فالفتنة لا تجتث إلا سلامة الأنفس والعقول والأحكام.. تجتثُّ السلم والأمن والاستقرار، والصحيح من العلاقات ومقومات الحياة، والصالح من الأعمال .. الفتنة تلوِّثُ الأنفس والقلوب، وتُبَيِّت في الذاكرة والوجدان الفردي والجمعي ما يشغلهما ويتحكم بهما ويوجههما باتجاه الشر والغدر والمكر لعقود من الزمن، وربما لقرون منه، بلا برئٍ مِن أدوائها.. ويؤجج الفتنة ويفاقمها ما يكتنفُها ويحيط بها ويغذيها من أقوال وأفعال وأموال وتواطؤ وتآمر، وما يحكُم أطرافها من قُصورِ رأي وقِصَر نظر..
في زمن الفتنة/ الكارثة.. تغيَّب العقول، وتضمُرُ الضمائر، وتُزدَرى الحِكْمة، وتزول الحشمة، وتُهمَّش الفعاليات والكفاءات الوطنية والقومية والثقافية والدينية الأصيلة.. هذا إن لم تُلغَ وتُرْدَم بأشكال ولأسباب، وفي زمن الفتنة تُهَمَّش الآراءُ التي تدعو إلى وئدها وإلى صلح ووفاق وخير للناس مما يثمر أمناً وسلماً ووعياً وعيشاً أفضل.. وفي زمن الفتنة يفسدُ المناخ الذي تتوالد فيه الأفكار النيرة، ويرتفع فيه شأن التبصُّر والتدبُّر والتصرُّفُ العقلاني الحكيم العادل المنصف المسؤول الذي من شأنه أن يساهم في الخروج من أنفاق الأزمات الحادة وظلمات الظلم والجَور والفساد والإفساد، ومن مجاري الدم والإثم.. إلى نور العدل والتسامح والتصافي وتقوى الأنفس وسلم الأرواح والناس وحسن تربية الناشئة ليكون المستقبل الأفضل لها وتنعم بأمن وسلم وعدل وعقل.
ويتساءل المرء، بينما تؤرجحُه الفتنة بين ضفتي هاويتها، وهي تفضي به وبأهله وشعبه ووطنه من مصيبة كارثية إلى أخرى، يتساءل: ما جدوى النُّذُر حين تنفلت الغرائز من عقالها، وحين يصبح القتل لغة حوار، والتآمر وجهة نظر ووسيلة تغيير، ولسان الظاهر ستائر سميكة لكوامن الباطن ولعفَن الأنفس، وحين يصبح الدَّم مخاضة على كل طرف من أطراف الفتنة وفرقائها أن يخوضها ليبلغ شاطئ ما يُسمَّى ” السلامة؟!”.. فيا لسوء العقل والفهم والنقل في سلامة من هذا النوع ” فهل في القتل، وفي سيول الدم، وركام الردم، وتراكم الكراهية.. هل في ذلك سلامة من أي نوع؟! هل في الفتن أصلاً سوى الكوارث.!؟ ألا يتداعى كل أطراف الفتنة وأنصارها ودعاتها بالنتيجة إلى “قتل الإنسان وانتهاك المحرمات، وتدمير العمران، وإنهاك الأوطان”، وهل يفكرون بشئ أو يكترثون لشئ إلا في الاستغراق في معمعان أحقادهم وشراسة معاركهم وفي نيلهم من الدين والقيم والأوطان والعمران والإنسان؟! هل تأخذهم بأنفسهم أو بغيرهم رحمة.. ألا ينخرطون حتى النخاع بالقتل والاقتتال لتحقيق انتصار على.. على ماذا؟!.. “على الحياة، والذات، والأمن، والأمة، والدين والحضارة، والحاضر والمستقبل و..”.. هل ترتفع بينهم نأمة حكمة تقول بوقفة مسؤولة أمام الذات والشعب والوطن، أمام الله والناس، لإنقاذ الذات والأجيال وإنقاذ الوطن والشعب والأمة، ولإعلاء شأن الحياة والحق على شأن الضغائن والصغائر والمصالح والقبائح..؟! هل يمكن أن يفعلوا ذلك من أجل المحفاظة على مقومات العيش وقيمه ومكوناته في أرض هي بيتهم كافة، وبيت أجيالهم القادمة كافة.. ؟!..
في الأحوال التي يتمزق فيها الشعب، ويتكاثر الأعداء عليه وعلى الوطن ويمزقونهما، ويصبحون قوة احتلال واستغلال تحكم وترسم.. في تلك الأحوال يحتاج الوطن إلى الحكمة والحنكة، ويحتاج الحاكم إلى ثقة الشعب به إلى الاعتماد على شعبه، ويحتاج الشعب إلى كل فرد من أفراده ليكونوا جميعاً قوة تُدرك ما يجري، وتعي ما يتهدد حاضرها ومستقبلها ومصيرها، وتعرف ما يجب عليها أن تفعل.. أن تتصدى للفتنة والاحتلال بوحدة موقف وصف ورؤية، وأن تصمد بوجه التفتيت والتمزيق والتشكيك والتدمير والتقتيل، وأن توحد صفوفها وكلمتها وموقفها لتحرر وتتحرر.. كل فرد من أفراد الشعب، في تلك الظروف وفي كل الأوقات “قوةٌ وسلاحٌ وقدرةٌ على لجم الفتنة، ووقف عجلة التدهور، ودعم الصمود وتحقيق النصر..”.. والقوة الحقة قوة شعب بقلب ينبض فيبث دماء في الجسم/ الشعب..”.. والقوة شعب موحد، لا أحد يمكن أن يحل محل شعب، لا يوجد واحد بديل لشعب.. الشعب هو القوة، والحامي، والمنقذ، والمحرِّر، والباني، ومصدر السلطة والسيادة.. والتخلص من الفتنة يحتاج إلى شعب لا يتغذى على الفتنة ولا يتبع دعاتها والمستثمرين فيها والمستفيدين منها.. والتخلص من الاحتلال يحتاج إلى شعب حُرِّ القرار والإرادة والسلاح، شعب لا يعتمد على الاحتلال، ولا يتعاون معه، و لا يحالفه بطبيعة الحال.. والشعب/ القوة، هو الشعب القادر على التحرير والبناء والاعمار والاستثمار.. هو الذي لا يأكل بالفتنة، ولا يسمح بأن تأكله الفتنة، وهو الذي يحمي ويحرر ويتحمل التبعات.. ولذا فهو بحاجة إلى كل فرد من أفراده، على أرضية من المساواة في الحقوق والواجبات، وعلى أرضية الحرية والاحترام والأمن والشراكة التامة في المُواطَنَة والقرار والمصير، وعلى أرضية الثقة المتبادلة والاعتماد المُتبادَل، والمسؤولية أمام الله والوطن والقانون.. ومِن المؤكد أن الشعب الذي تفتك به الفتنة وتأكله الكارثة يحتاج إلى معالجة أدوائه التي لن يحس بها أحد أكثر منه إن لم نقل سواه، ويحتاج إلى نظافة بيئته السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية، وإلى الأمن والسلم وهما شرطان من شروط الاستقرار والازدهار.. ولا بد من مداخل ضرورية إليهما وإلى الاستقرار والازدهار على رأسها إعمال العقل بحكمة، والضمير بحيوية، وإرساء الحكم على أسس وعبر مؤسسات، وإقامة العدل بإيمان ووفق نصوص سليمة وتطبيق دقيق شامل نظيف، ويحتاج إلى المعرفة البناءة، واتباع النهج العلمي في التخطيط والتدبير والتسيير والعمل، وإلى التقدم والتطبيق التقني والتطور المعلوماتي، لتجاوز التخلف ولكي يعود أصلح للحياة، وأقدر على التجدد والنهوض، وعلى مواجهة متطلبات الواقع المأساوي الذي تنتجه الفتنة/ الكارثة وتتطلبه حياة ما بعد التدمير والتقتيل.. وليكون قادراً ومؤهلاً للتعامل مع تحديات العصر ومقتضيات الوقت والتقدم.
وما من شك في أن هذا يحتاج إلى حسن استثمار طاقات الإنسان أولاً، وإلى استثمار ثروات البلد وقدراته، والاستفادة من وفاء أبنائه المقتدرين “علمياً ومعرفياً ومالياً”، ويحتاج إلى وقف النهب والسلب والفساد والإفساد أولاً وآخراً.. وما من شك في أنه سيحتاج إلى مساعدة الأشقاء والأخوة والأصدقاء الخُلَّص، وإلى مساعدة المؤسسات الدولية النظيفة من التدخل المشبوه..
واللهُ وليُّ التَّوفيق.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 31 / 2333947

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

68 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 70

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28