] على هامش الإحلال والاختزال - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الأحد 4 آب (أغسطس) 2019

على هامش الإحلال والاختزال

الأحد 4 آب (أغسطس) 2019 par علي جرادات

عندما اتخذ المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية في دوراته المتلاحقة، منذ مارس/‏آذار 2015، قراراته المتعلقة بالتخلص من الاتفاقات الموقعة مع الاحتلال، وبالتحلل من الالتزامات المترتبة عليها، وخاصة المتعلق منها ب«التنسيق الأمني»، وباتفاق «باريس الاقتصادي» الإلحاقي، وبتعليق الاعتراف ب«إسرائيل»، كان على اللجنة التنفيذية تنفيذ هذه القرارات بوصفها تكليفاً لها، لا تعطيلها عبر تشكيل اللجان لوضع آليات عملية لتطبيقها، علماً بأن هذه القرارات التي أكدها المجلس الوطني لا تشكل سوى الحد الأدنى للإجماع الوطني، وأن تعطيل تنفيذها من قبل اللجنة التنفيذية هو قلب لميزان العلاقة بين مؤسسات المنظمة، عبر نظرية إحلال التنفيذي منها محل التشريعي، واختزال لهذا وذاك في رئاسة التنفيذي، علماً بأن المنظمة ليست فقط الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في الوطن والشتات؛ بل هي أيضاً إطار جبهوي وطني لقيادة نضالاته في مرحلة تحرر وطني وديمقراطي لم تُنجز مهامها بعد.
هنا، وعلى الرغم من أن نظرية الإحلال والاختزال هذه، أحدثت خللاً بنيوياً صاحَب مسيرة اتخاذ القرار داخل المنظمة، وأدى فيما أدى إلى تمكين قيادتها من السير في مسار «مدريد أوسلو»، وجدنا من اعتبر قرار هذه القيادة الأخير الذي أعلنه باسمها الرئيس الفلسطيني أبو مازن، والقاضي ب«وقف العمل بالاتفاقات الموقعة مع الاحتلال.. وتشكيل لجنة وطنية لوضع آليات لتطبيقه»، قراراً تاريخياً يؤسس لمرحلة جديدة؛ ذلك أنه صادر عن القيادة التنفيذية للمنظمة.
إن تحميل هذا القرار أكثر مما يحتمل إنما يُظهر تغلغل نظرية «الإحلال» والاختزال آنفة الذكر، والخلل البنيوي المترتب عليها، لدى النخب القيادية الفلسطينية، خطاباً وممارسة، لدرجة اعتبار هذه النظرية وليس عكسها، بمثابة الأمر الطبيعي الذي لا يجوز العمل على تغييره. كيف لا؟ وقد تم إعلاء شأن قرار القيادة التنفيذية هذا، على الرغم من أنه يُكرر، ولا يختلف، في المضمون والشكل، عن القرارات السابقة التي سبق أن اتخذتها مؤسسات المنظمة التشريعية، ولناحية أن «وقف العمل بالاتفاقات الموقعة» لا يعني إلغاءها أو إنهاءها؛ بل يبقي الباب مفتوحاً على عودة العمل بها، ولناحية أن «تشكيل لجنة لوضع آليات عملية للتنفيذ» إنما يكرر الأمر ذاته لتعطيل تطبيق القرارات السابقة، هذا ناهيك عن أن هذا القرار لم تسبقه دعوة من قيادة المنظمة إلى حوار وطني شامل لإنهاء أخطر وأعقد انقسام عرفته الساحة الفلسطينية منذ انطلاق الثورة المعاصرة، ويحول دون اتخاذ قرار جريء للتخلص من «أوسلو» والتزاماته؛ أعني الانقسام بين «سلطتي أوسلو» في الضفة وقطاع غزة، كانقسام لم يبدأ بالخلاف السياسي حول «أوسلو»؛ بل بالصراع بين قيادتي المنظمة و«حماس» على تمثيل الشعب الفلسطيني، منذ نشأة الأخيرة بعد اندلاع انتفاضة 87 الشعبية الكبرى، علماً بأن «السلطتين» في القطاع والضفة الغربية هما «سلطتان» شكليتان محدودتان، ولا سلطة فعلية لهما على الأرض.
خلاصة القول: كان يمكن إنهاء «مسار اتفاق أوسلو» بتكلفة أقل حينما انتهى عمره الزمني في مايو/‏أيار 1999 إلى صفر نتائج، باستثناء تعاظم عمليات الاستيطان والتهويد والتطهير العرقي المخطط التي تلغي حتى إمكانية إقامة دولة مستقلة على حدود 67؛ ذلك أن اللجنة التنفيذية للمنظمة بدل التمديد الواقعي لهذا الاتفاق، دعت المجلس المركزي أو الوطني إلى إلغائه، كتعاقد سياسي، بما ترتب عليه من التزامات أمنية واقتصادية، وبما قُدِّم في إطاره من تنازلات مجانية متسرعة بوزن الاعتراف ب«إسرائيل» على 78% من أرض فلسطين، دون أن تعترف هي بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.. والاعتراف بالقرار 242، دون التزام منها أي «إسرائيل» بتطبيقه، ودون أن تلتزم بوقف حروبها واعتداءاتها واقتحاماتها العسكرية وملاحقاتها واعتقالاتها وإجراءاتها الأمنية، وتعديل بنود الميثاق الوطني الأساسية، واعتباره متقادماً، (كادوك)؛ أي عفى عليه الزمن، بينما لا يوجد ل«إسرائيل» دستور يُعرِّفها ويحدد حدودها.
لقد لخص مترتبات هذه الأخطاء، إقدام «إسرائيل» على سن قانون أساس القومية ل«إسرائيل» اليهودية، ك«دولة للشعب اليهودي على أرض آبائه وأجداده التاريخية»، كقانون ترتكز إليه خطة ترامب لتصفية القضية الفلسطينية بالمعنى الوجودي للكلمة.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 2171 / 2337246

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

43 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 44

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28