] صفقة “الأرض” وليست “القرن” - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الجمعة 5 تموز (يوليو) 2019

صفقة “الأرض” وليست “القرن”

الجمعة 5 تموز (يوليو) 2019 par جودة مرسي

حين يتحول المؤتمر إلى مجرد (ورشة)، وحين تتحول الوعود بخمسمئة مليار دولار مساعدات اقتصادية إلى خمسين مليار دولار نصفها ديون، هنا ندرك أن هذا المؤتمر أو بالأحرى هذه الورشة فشلت. فبعد أن احتدم النقاش والخلاف حول ماهية “صفقة القرن” بين مؤيد ومعارض، ومعرفة بنودها والتي اتضح مؤخرا أنها مجرد وعود لحلول اقتصادية ـ وليس سياسية ـ للقضية الفلسطينية، بمعنى القبول بمبدأ الرشى المالية للتنازل عن الحقوق مع عدم وجود أي إعلان يبين ما هي بنود الحل. وقد كانت الخيوط التي تدور حول هذه الأطروحات كلها في يد الشاب الأميركي جاريد كوشنر الذي يعمل مستشارا للرئيس الأميركي دونالد ترامب وزوجا لابنته، وهو بالمناسبة يهودي الديانة، وبالتالي فمن العجب أن تجد من يثق في أن يهوديا هو من يأتي بحل للفلسطينيين المحتلة أرضهم من قبل اليهود!!!
وتناولت (ورشة كوشنر) السلام بالمنامة والتي شهد فعالياتها الكثير من رجال المال والأعمال من مختلف أرجاء المعمورة من عرب وعجم وخواجات، وتبنت (الورشة) فكر السلام الاقتصادي والذي اتضح أنه يسعى لفرض إملاءاته لتصفية القضية الفلسطينية، مع الانحياز الكامل للاحتلال الإسرائيلي وتجاوز حل الدولتين، بخطاب لجاريد كوشنر حاول من خلاله تبرير تقديمه للشق الاقتصادي على المسار السياسي الذي يعد أساس أي حل للقضية الفلسطينية بقوله إن “التوافق حول مسار اقتصادي شرط مسبق ضروري لحل المسائل السياسية التي لم يتم إيجاد حل لها من قبل”، ونسي أو تناسى أن الطبيعي في عالم السياسة والتاريخ والجغرافيا والحساب، أنه لكي يكون هناك نمو اقتصادي وحياة رغدة ـ كما وعد الشعب الفلسطيني ـ يجب أن يتوافر الحل السياسي الدائم والعادل للقضية الفلسطينية، وليس بحجم الاستثمارات المتوقعة والتي أعلن عن أنها تتجاوز 50 مليار دولار ومليون فرصة عمل، حصة فلسطين من هذه المشاريع نحو 27.5 مليار دولار، تستهدف قطاعات الرعاية الصحية والتعليم والطاقة والمياه والتكنولوجيا والسياحة والزراعة وستضاعف الإنتاج المحلي الفلسطيني، خلال مدة تنفيذ ما سماه بـ”فرصة القرن” الممتدة لعشرة أعوام.
في خضم هذا التعريف تجاهل كوشنر كل المبادرات العربية السابقة التي كانت تسعى للحل الدائم والعادل بناء على قرارات الأمم المتحدة وما قبل حرب 1967، وعلى عكس ما طرحه كوشنر فقد تجاهل ذكر مصير ثروة فلسطين من الغاز، والتي يضم فيها قطاع غزة داخل حدوده البحرية حقول غاز أشهرها حقل ماريان وتقدر احتياطياته بنحو تريليون متر مكعب، وتسيطر عليه إسرائيل منذ اكتشافه في العام 1996، وحقلي نفط وغاز في قرية رنتيس وسط الضفة الغربية وتم الاكتشاف في العام 2011، وقدرت احتياطياته بـ2.5 مليار برميل، و182 مليار متر مكعب من الغاز، تقدر قيمتهما الإجمالية بأكثر من 155 مليار دولار، وكل هذه الاكتشافات ضمن المناطق الاقتصادية للسلطة الفلسطينية، أي أن الأراضي الفلسطينية تملك أكثر بكثير من الأموال المطروحة للحل الاقتصادي.
ما يحزن أن الحاضرين في المؤتمر لم يكن منهم من ناقش كوشنر في كيفية وجوب الحل السلمي للشعب الفلسطيني على أساس المبادرات العربية السابقة الساعية للحل الدائم والعادل والتي تجاهلتها إدارة ترامب بعد أن تخلت عن التزام الحياد، واختارت بدلا منه الانحياز للاحتلال والذي تمثل في قطع المساعدات الأميركية بل والوقوف في وجه المساعدات الدولية المقدمة لمنظمة “اونروا” لمنعها عن الفلسطينيين والاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأميركية إليها.
واللافت أيضا أن ما تشير إليه النتائج المستنتجة من الورشة هو الرفض الواسع في تصفية القضية الفلسطينية والذي عبر عنه الرفض المطلق للشعوب العربية والمقاطعة الفلسطينية بكل أطرافها، وعدم حماس بعض الحكومات العربية مع هبوط ما روج له من توزيع مساعدات تقدر بخمسمئة مليار دولار لإنعاش الاقتصاد الفلسطيني والدول العربية المجاورة لها والتي كانت تراهن الإدارة الأميركية على تمثيل أكبر لوفودها، فكانت خيبة الأمل بتمثيل ضعيف لا يوازي أهمية الحدث بالنسبة للكيان الصهيوني، ولم ينفع الخطة الأميركية الإغراءات التي عرضتها في تحويل فلسطين إلى سنغافورة، أو كما قالت مديرة صندوق النقد الدولي، كريستين لاجارد من أنه يمكن تقديم دروس لفلسطين من تجربة موزمبيق.
إن الحضور الدولي لرجال الأعمال ومسؤولي المال والاقتصاد في العالم لم يبهروا الفلسطينيين أو يدفعوهم للتجاوب معهم، أو إجبارهم على التنازل عن حقوقهم في الأرض مقابل القليل من المليارات التي لا توازي استفادة ترامب من صفقات الأسلحة مع بعض الدول الخليجية مؤخرًا، أو اقتراح مثل منح كل شاب فلسطيني 5 آلاف دولار “لتحقيق أفكاره”، والاقتداء بنموذجي سنغافورة وموزمبيق؛ لأن المعادلة تقول إنه لا ازدهار اقتصاديا بدون أمن، وإن الأمن لن يكون في ظل الاحتلال، فيجب ـ أولا ـ إنهاء الاحتلال الإسرائيلي ثم البحث عن حقوق الفلسطينيين بسلام عادل، ثم يأتي بعد ذلك الحديث عن الفرص الاقتصادية، وطرق التنمية لتكون صفقة (الأرض) لا صفقة (القرن) وتكون ورشة (للانسحاب) بدلا من ورشة (للاقتصاد).


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 39 / 2341215

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

38 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 38

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28