] بين انتهاك السيادة وانتهاك الخصوصية - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
السبت 20 نيسان (أبريل) 2019

بين انتهاك السيادة وانتهاك الخصوصية

السبت 20 نيسان (أبريل) 2019 par عصام نعمان

عندما أوقف رجال شرطة بريطانيون قبل أيام، مؤسس موقع «ويكيليكس»، جوليان أسانج، اللاجئ الى سفارة الإكوادور في لندن منذ العام 2012، أمكن سماعه وهو يهتف مراراً بعبارة «على المملكة المتحدة أن تقاوم»؟
مَن أَراد أسانج من بريطانيا أن تقاوم؟ أرادها أن تقاوم الولايات المتحدة التي تقدّمت بطلب استرداده بعدما اتهمته ب«القرصنة المعلوماتية». وكيف لبريطانيا أن تقاوم؟ أليست سلطاتها القضائية هي مَن أصدرت مذكرة توقيف بحق أسانج تعود الى شهر يونيو/ حزيران 2012 لعدم مثوله أمام المحكمة بتهمة تحرش بامرأة اسوجية، يعاقب عليها القانون بالسجن مدة سنة؟
محامية أسانج في لندن، جنيفر روبنسون، لم يُحبطها توقيف موكّلها الأسترالي الأصل، إذ صرحت على التوّ بأنه «سيطعن ويقاوم» طلب الولايات المتحدة استرداده، معتبرة أن توقيفه «يشكّل سابقة خطرة ومؤذية للمنظومات الإعلامية وللصحفيين في العالم».
توقيف أسانج، والطلب الأمريكي باسترداده، دفعا أنصار الحريات وحقوق الإنسان في الغرب، وحتى في الولايات المتحدة نفسها، الى الاعتراض، وشنّ حملة تقريع مضادة.
وقال محامي أسانج في مدريد بالتاسار جارتون، إن موكله ضحية «اضطهاد سياسي» من الولايات المتحدة. وتخوّف الصحفي في «ويكيليكس» كريستين هرافتسون، من أن توجّه الولايات المتحدة تهماً إضافية الى أسانج ما يعني انه قد يواجه عقوداً من السجن فيها.
وفي الولايات المتحدة، هبّ أنصار الحريات وحقوق الإنسان للدفاع عن أسانج، متهمين إدارة ترامب بأنها تلاحقه كصحفي الأمر، الذي يمسّ بحرية النشر. لكن وزارة العدل الأمريكية سارعت الى الردّ بأنه متهم بالتآمر لارتكاب «قرصنة معلوماتية» تمسّ الأمن القومي، وهي جريمة تصل عقوبتها الى السجن خمس سنوات.
وتبدو قضية أسانج (كما كشوفات «ويكيليكس») حتى الآن أنها قضية دولة حريصة على حماية أمنها القومي، وسيادتها. لكن نظرة متأنّية الى المسألة تشي بحقيقة أخرى هي أنها، كسواها من العمليات الاستخبارية والجاسوسية، تتعلق بصراع الإنسان مع السلطة، وصراع المواطن مع أجهزة الاستخبارات. فالدولة الأقوى من المواطن عموماً، تشرّع التجسس عليه بدعوى حماية الأمن القومي، وقد لا تتورع، أحياناً، عن انتهاك خصوصيته بدعوى حماية أمنه الشخصي، دونما طلب منه.
الدولة لا تتسامح في انتهاك سيادتها وأمنها، سواء كان الفاعل عدواً خارجياً، أو خصماً داخلياً، لكنها لا تتردد في انتهاك خصوصية المواطن لأسباب شتى من دون علمه. هكذا يصبح انتهاك السيادة والأمن ممنوعاً، وانتهاك الخصوصية مشروعاً.
اكثر من ذلك، توسعت عمليات التجسس والاستقصاء التي تستهدف الحكومات والجماعات والأفراد، وأضحى لها في بعض الدول مؤسسات وميزانيات ضخمة. بل إن «حروباً استخبارية ضارية متعددة الأغراض والوسائل اندلعت سراً وعلناً بين بعض الدول الكبرى، والمتوسطة، رافقها صعود لافت لأجهزة الاستخبارات، وتضخمها، وتزايد ملحوظ في انتهاكات حقوق الإنسان، ولاسيما لخصوصيته التي كرستها المواثيق الدولية، ولاسيما الإعلان العالمي لحقوق الإنسان للعام 1948.
في هذا المنظور، لا بدّ من الإشارة الى أن الثورة والتقدم الحاصلين في تكنولوجيا المعلومات ووسائل التواصل الاجتماعي، سهّلا على أجهزة التجسس والاستقصاء تنفيذ عملياتها، سواء ما يتعلق منها بالأمن القومي، أو برصد الأشخاص واختراق خصوصياتهم.
كيف الخروج من هذه المشكلة المؤذية؟
أرى أن الدول، كبيرها وصغيرها، ستصل يوماً ما بعد طول صراعات وانتهاكات مُكلفة، وغير مجدية، الى التسليم بضرورة معالجة ظاهرة التمادي في انتهاك خصوصية الإنسان، ابتغاء حماية كرامة الكائنات البشرية، وتوطيد الوئام بين الأفراد، والجماعات. ولعلها، في هذه الحال، تستلهم في المعالجة والتصحيح المبادئ والأسس الآتية:
*اولاً، تعزيز إعلان حقوق الإنسان للعام 1948 والمواثيق المتفرعة عنه بفصل خاص بالضوابط والكوابح والعقوبات الواجب توقيعها بحق مخالفي أحكامه.
*ثانياً، تعديل نظام المحكمة الجنائية الدولية كي يشمل اختصاصها جريمة انتهاك خصوصية الإنسان والمواطن من قبل مسؤولي أجهزة الاستخبارات، والاستقصاء والتجسس في الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.
*ثالثاً، إقامة منظمة أممية لحقوق الإنسان تمثل الشعوب، على أن تصبح توصياتها نافذة بقرارات صادرة عن الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة، بواسطة وكالاتها ومؤسساتها ذات الصلة.
هل تكون ملاحقة جوليان أسانج فاتحة مرحلة جديدة متقدّمة في تعزيز مواثيق حقوق الإنسان وحمايتها؟


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 15 / 2331796

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

35 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 35

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28