] المختبر السوري للعلاقات الروسية - التركية - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الاثنين 21 كانون الثاني (يناير) 2019

المختبر السوري للعلاقات الروسية - التركية

الاثنين 21 كانون الثاني (يناير) 2019 par عبدالاله بلقزيز

ليس مؤكَّداً، بعد، إن كانت الاستراتيجية الروسيّة في استيعاب تركيا، ودفعها إلى إتيان سياسات بنّاءة في معالجة الأزمة السوريّة، قد أفضت إلى ما ابتغته موسكو من إلجام اندفاع أنقرة نحو خيارات جنونيّة تزيد الأزمة اشتعالاً. غالبت روسيا مراراتها من تصرّفات تركيا حيال وجودها العسكريّ في سوريّا، وإسقاطها طائرة لها في الشمال السوريّ، ومحاولاتها الخائبة استغلال عضويّتها في «منظمة حلف شمال الأطلسيّ»؛ لتأليب المنظومة الأطلسيّة ضدّها، وتجريبَ إمكانِ جرّها إلى مواجهة عسكريّة مع الروس؛ بل هي غالبت لتنسى ما بين روسيا وتركيا من عداوات تاريخيّة، منذ العهد القيصريّ -العثمانيّ، التي تعاظمت بعد انضمام تركيا إلى الحلف الأطلسيّ في مواجهة حلف وارسو، وتزايُد تدخّلاتها في المجال الحيويّ الروسيّ -عقب انهيار الاتحاد السوفييتيّ- من طريق بعض جمهوريّات آسيا الوسطى (السوفييتيّة سابقًا).
فعلت ذلك كلّه مدفوعة بالرغبة في تحقيق هدفٍ مزدوج: تحييد تركيا من الحلف الأمريكيّ -الدوليّ ضدّ سوريّا، ثم دفعها إلى أداء دورٍ إيجابيّ؛ من خلال المساعدة في إجبار الجماعات المسلّحة التابعة لها على التزام أحكام الاتفاقات، التي تكون تركيا طرفاً فيها (ما دامت موسكو ليست في وارد التفاوض مع المجموعات الإرهابيّة). وواضح أنّ روسيا، في الحالتيْن، إنّما تسعى إلى وقف محاولات نظام «العدالة والتنمية» تحقيقَ أطماع توسّعيّة في الشمال السوريّ - أفصحَ عنها منذ نيّف وسبْع سنوات- تحت عنوان صدّ الخطر الكرديّ على حدودها.
على قاعدة هذه الحسابات، تخطّت روسيا صفعة إسقاط طائرتها، ورفعتِ الحظر السياحيّ (الاقتصاديّ) والتجاريّ المضروب على تركيا، فاستعادت العلاقات بها، وأشركتْها في المساعي السياسيّة، التي قادتها؛ لتذليل استعصاءات الأزمة السوريّة، مثل «مؤتمر سوتشي»، ناهيك بالتنسيق العسكريّ معها في الساحة السوريّة. وكم كان دالاًّ، في هذا الباب، ما قدّمتْهُ روسيا من تنازلاتٍ لتركيا في موضع تمثيل القوى الكرديّة في أيّ مفاوضات؛ حيث وافقت على عدم دعوتها إلى الحوار، نزولاً عند رغبة أنقرة في ذلك، وأملاً في كسب أداءٍ سياسيّ تركيّ إيجابيّ في الأزمة السوريّة، على الرغم ممّا في إقصاء تلك القوى من عَوَارٍ في أيّ تسويةٍ للأزمة تلك. ومع ما كان لدى بوتين من شكوك في النوايا التركيّة -كما في لهجتها النقديّة للولايات المتحدة بعد فشل الانقلاب العسكريّ على حكم رجب طيّب أردوغان في منتصف يوليو/تموز 2016- إلاّ أنه أصرّ على أن تكون (تركيا) شريكاً رئيسياً في اتفاقات خفض التوتّر تلك في المناطق، التي يشملها الاتفاقُ عليه، على الرغم من أنّ الحكومة السوريّة لم تكن تبدي ارتياحاً لإدخال تركيا في ورشةٍ سياسيّة تفاوضيّة حول سوريّا؛ هي (الحكومة السوريّة)، التي تعدها قوّةً محتلّة ينبغي مقاومتها.
ليست المسألة، هنا، معرفة ما إذا كانت روسيا قد صدّقت، فعلاً، نوايا القيادة التركيّة، واطمأنّت إلى حسن تعاوُنها في الشأن السوريّ، أم إنّها أقدمت على التعامل مع أنقرة براغماتياً؛ أي بما هي أمرٌ واقع إقليميّ لا يَقْبَل التجاهُل، وإنما المسألة في معرفة المدى الذي بلغتْه هذه السياسة الروسيّة في ترويضها الموقفَ الرسميّ التركيّ، ودفْعِه إلى الانتظام تحت سقف برنامج تذليل استعصاءات الوضع السوريّ، مقدّمة لإنضاج شروط الحلّ السياسيّ للأزمة. وهنا لابدّ من الانتباه إلى معطييْن صَنَعَا شكل العلاقة الروسيّة-التركيّة اليوم على المسرح السوريّ. أول المعطيين أنّ تركيا وجدت نفسها، فجأةً، في حالة تناقض مع السياسة الأمريكيّة في مسألتين: في الإيواء الأمريكيّ لمعارضي أردوغان؛ كإيوائها (لغولن ومؤيديه) واتهام الإدارة الأمريكية بالتواطؤ معهم في محاولة الانقلاب؛ ثم في الدعم الأمريكيّ لِ «وحدات الحماية الشعبيّة» (الكرديّة) في سوريّا، التي تعدها أنقرة منظمةً «إرهابيّة» وذراعاً لِ«حزب العمّال الكردستانيّ». والتناقض هذا حَمَلَ تركيا على تصحيح العلاقة بروسيا، ومحاولة الاستقواء بها؛ لمواجهة الضغوط الأمريكيّة عليها. وثانيهما أنّ روسيا، التي تعرف أنّ دورها في سوريّا يصطدم بنفوذ تركيا لدى الجماعات المسلّحة، لا يمكنها أن تفوِّت فرصة اغتنام الخلاف التركيّ- الأمريكيّ لتحييد الدور التركيّ دوليّاً، على الأقل، أو لدفع تركيا إلى تأدية التعويض عن المحالفة الروسيّة لها في شكل تسهيلٍ لممكنات الحلّ السلميّ في سوريّا.
بالعودة إلى المسألة الأساسية (مدى نجاح أو عدم نجاح روسيا في سياسة استيعاب تركيا)، يمكن القول إنّ ما أحرزتْهُ موسكو من مكاسب - حتى الآن- ليس سلبيّاً تماماً؛ لكنّه مهدَّدٌ في أيّ لحظة بالتبدُّد. وليس قليلاً، هنا، أنّ نظام «العدالة والتنميّة» توقّف، منذ عاميْن، عن لوْك شعار «إسقاط النظام ورحيل الأسد»؛ بعد أن تبيّنت له حدود إمكانياته وإمكانيات جماعاته المسلّحة؛ لكنّ النجاح هذا مهدّد في حالِ أيّ اتفاقٍ تركيّ-أمريكيّ على ترتيباتٍ ما في الشمال، أو في حالِ ركوب تركيا خيار الاندفاع نحو اجتياح منبج ومناطق شرقي الفرات؛ لضرب الحركة الكرديّة السوريّة. يمكن أن نذكّر بأنّ الامتحان الأكبر لتركيا سيكون، غداً، في إدلب ومستقبل هذه البؤرة التي تشكّل آخر معاقل المسلّحين، وبالتالي، آخر موطئ قدم لفكرة تغيير الأوضاع في سوريّا. وحينها، ستدخل العلاقات الروسيّة-التركيّة اختبارَها الأكبر والحاسم.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 272 / 2332414

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

38 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 38

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28