] الهدم العنصري في فلسطين - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الخميس 20 كانون الأول (ديسمبر) 2018

الهدم العنصري في فلسطين

الخميس 20 كانون الأول (ديسمبر) 2018 par احمد مصطفى

كثفت سلطات الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين مؤخرا ممارستها غير القانونية ولا الإنسانية بتفجير بيوت الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة كعقاب جماعي لأسر وعائلات من تتهمهم بأنهم “إرهابيون”. ومع أن إسرائيل لا تعدم الوسائل الأخرى للعقاب الجماعي للفلسطينيين الذين تحتل وطنهم، إلا أن تفجير وهدم المنازل يحمل دلالة أعمق كثيرا من مجرد كونه وسيلة عقاب جماعي. فمنذ سهل الاحتلال البريطاني هجرة جماعات الصهاينة الإرهابية إلى فلسطين مطلع القرن الماضي والوطن هو هاجس تلك الجماعات التي جاءت من أوروبا الشرقية والوسطى هربا من الاضطهاد الأوروبي ضد اليهود الذي استغله الصهاينة لإقامة وطن هم على أرض فلسطين. ويمثل المنزل/البيت الوطن (وبالمناسبة هي كلمة واحدة بالإنجليزية Home تعني وطن وبيت). ورغم مرور قرن على وعد بلفور البريطاني للصهاينة بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، إلا أن استمرار مقاومة الفلسطينيين ـ ولو بمجرد استمرار وجودهم في فلسطين ـ يشكل عقدة لدى دولة الاحتلال العنصري. لذا، فنسف وتفجير وهدم بيوت الفلسطينيين إنما هو محاولة دائمة من الاحتلال “لإزالة الوطن” الفلسطيني.
يعتقد كثيرون أن سياسة الهدم العنصري في فلسطين اعتمدتها إسرائيل بعد حرب عام 1967 ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، لكن الحقيقة أنها تعود إلى بدايات الاحتلال وحتى قبل إعلان دولة إسرائيل عام 1948. والواقع أن السلطات البريطانية هي التي شرعت تلك السياسة العنصرية مطلع القرن حينما منحت القيادات العسكرية لسلطة الانتداب في فلسطين حق هدم منزل من تعتبرهم “ارتكبوا أعمالا غير قانونية”. وفي ثلاثينيات القرن الماضي، خلال الثورة العربية في فلسطين، هدمت السلطات البريطانية نحو ألفي منزل من بيوت الفلسطينيين (على الأقل هذا ما هو مسجل تاريخيا)، ولم تهدم سلطات الانتداب سوى منزل واحد لعائلة يهودية خلال عمليات الجماعات الإرهابية اليهودية ضد البريطانيين في أربعينيات القرن الماضي. ورأت القيادات الصهيونية جدوى تلك السياسة العنصرية ضد الفلسطينيين من ممارسات البريطانيين فاعتمدتها منذ إعلان دولة الاحتلال.
ولأن العصابات الصهيونية، قبل إعلان دولتهم وبعدها لفترة، كانت تكثف عملياتها الإرهابية ضد السكان الأصليين لتفرخ قرى وبلدات بالكامل من سكانها ومن لم تقتله في مجازرها تدفعه لترك بيته وأرضه مهاجرا، فلم تكن سياسة تفجير وهدم المنازل محل اهتمام إذا كان التفجير والنسف والمجازر تطول تجمعات سكانية بكاملها. ولعل المهاجرين الفلسطينيين من ما قبل 1948 و1967 (الذين لجأ أغلبهم إلى الضفة الغربية وغزة ـ وبعضهم إلى الأردن ولبنان ومصر) يروون لك ما تعرضوا له ـ أو يرويه أبناؤهم ممن سمعوه من آبائهم. وبعد حرب يونيو، واحتلال إسرائيل الضفة الغربية وغزة، تصاعدت عمليات الهدم العنصري لبيوت الفلسطينيين بأسباب متعددة. من تلك الأسباب إقامة مشروعات استيطانية أو توسعة مستوطنات، والذريعة القانونية الجاهزة هي تجديد المنازل بدون ترخيص (وطبعا لا تعطي سلطة الاحتلال تراخيص للفلسطينيين). كذلك نسف منازل من تعتبرهم سلطات الاحتلال ضمن عناصر المقاومة الفلسطينية، كعقاب لأهله وأسرته كلها. لكن، مع تعدد الأسباب والأهداف يظل الغرض الأساسي هو دفع الفلسطيني لترك أرضه ووطنه، ومحاولة تلبية القلق المزمن لدى المحتل من أن هناك آخر يملك هذا الوطن الذي اغتصبه.
في نصف القرن الأخير، بلغ عدد المنازل الفلسطينية التي فجرها أو هدمها الاحتلال الإسرائيلي في الضفة وغزة ما يزيد عن 50 ألف بيت. إلا أن ذلك لم يحقق للمحتل العنصري هدفه الأساسي وهو “كسر شعور الفلسطيني بحقه في هذا الوطن”، بل على العكس يزداد تمسك الفلسطيني بأرضه التي هي وطنه/بيته. ولعل أبرع تصوير لتلك الحالة ذلك المشهد الافتتاحي في فيلم المخرج الشهير كوستا جافراس بعنوان “هانا ك” والذي شارك في بطولته الممثل الفلسطيني الكبير محمد بكري. يبدأ فيلم هانا ك بمشهد في ساعات الصباح الأولى لجنود الاحتلال وهم يفجرون منزلا فلسطينيا بزعم أن أحد أبناء الأسرة (القادم من الخارج) ينتمي لمنظمة التحرير الفلسطينية. وفي نهاية المشهد، يخرجون البطل (محمد بكري) من قاع البئر الموجود قرب البيت.
الآن، وبعد فترة مما بدا هدوءا في مقاومة الفلسطينيين للاحتلال تحت وطأة الضغوط عليهم من كل حدب وصوب تتصاعد وتيرة سياسة الهدم العنصري ـ ربما لكسر إرادة المقاومة، إذ إن توسعة المستوطنات واستيلاء الاحتلال على أراضي وبيوت الفلسطينيين بلغ حدا هائلا نتج عنه تغيير على الأرض يجعل أي اتفاق سلام بلا معنى بالفعل. وهنا يتجلى بوضوح الدافع الأساسي الكامن في نفس المحتل الذي يهدده مجرد وجود الفلسطيني في فلسطين. لذا لم يكن غريبا ما كتبه ابن نتنياهو على “السوشيال ميديا” من رغبته في رؤية كل هؤلاء يخرجون من فلسطين. إنه قلق المحتل المغتصب، الذي ينتقل من جيل إلى جيل ـ أيا كانت التفسيرات والتبريرات والحجج المفبركة لهدم منازل الفلسطينيين.
سيظل الفلسطينيون في فلسطين شاهدا على آخر كيان فصل عنصري (بعد زوال ما كان في جنوب إفريقيا)، ومهما قبل العالم بتلك الممارسات وصعد المحتلون من سياسة الهدم العنصري لن يزول “الفلسطيني” حتى تتحرر فلسطين.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 155 / 2339748

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

27 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 22

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28