] لصوصية وابتزاز في أقذر صورهما - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الجمعة 5 تشرين الأول (أكتوبر) 2018

لصوصية وابتزاز في أقذر صورهما

بقلم:خميس التوبي
الجمعة 5 تشرين الأول (أكتوبر) 2018

منذ مجيء الإدارة الأميركية الجمهورية بقيادة الرئيس دونالد ترامب لم تتوقف عن تقديم الصورة المغايرة والمواربة التي سلكتها السياسة الأميركية في عهد الإدارات الديمقراطية والجمهورية السابقة، ولم يقف الأمر عند حد الإصرار على إخراج الدبلوماسية الأميركية عن سياقها البروتوكولي، بل آخذة في الذهاب بعيدًا، سواء بمعاداة دول العالم ومن ضمنها الدول الكبرى التي ترى أنها منافس اقتصادي وعسكري وسياسي للولايات المتحدة، أو بالمجاهرة المطلقة وغير المسبوقة بالمواقف الأميركية تجاه كيان الاحتلال الإسرائيلي وضد القضية الفلسطينية، والعمل معًا على تصفية هذه القضية.
هذا المستجد الأميركي جاء ليعلن الطلاق البائن ـ كما يبدو ـ للنهج الأوبامي ـ رغم عدم نزاهته ـ المهادن في الظاهر، وما سبقه، تحت شعار “أميركا أولًا” الذي أعلنه الرئيس ترامب أثناء حملته الانتخابية، لكن من الواضح أن هذا الشعار ليس مقتصرًا على الولايات المتحدة ذاتها، وإنما يتعدى ليشمل كيان الاحتلال الإسرائيلي بحكم الزواج الكاثوليكي القائم بينهما، حيث مدار السياسة الأميركية الراهنة يمضي باتجاه خدمة المصالح الوحيدة فقط للولايات المتحدة وللكيان الإسرائيلي المحتل، فسلب قدرات دول المنطقة وابتزازها، وتهديدها ودعم الجماعات الراديكالية والمتطرفة والإرهابية فيها يحقق مصالح الطرفين (أميركا وكيان الاحتلال الإسرائيلي أولًا) وكذلك الحال مع معاداة باقي دول العالم وعلى رأسها الصين وروسيا الاتحادية والجمهورية الإسلامية الإيرانية.
لذلك، لم تخرج العربدة الإسرائيلية اليوم عن هذا السياق، أي سياق (كيان الاحتلال الإسرائيلي أولًا) بتصفية القضية الفلسطينية، وشل قدرات دول المنطقة، وتفكيكها وتقسيمها وتدمير مقدراتها، حيث تمضي دبلوماسية التآمر والعداء، وآلة العدوان في تقطيع الجسد العربي تزامنًا مع التنفيذ المتدحرج لما يسمى “صفقة القرن”.
يرى كل من الصهيو ـ أميركي أن مشروعاتهما الاستعمارية والاحتلالية في المنطقة تسير وفق المخطط بعنوانها الكبير “الربيع العربي ودعم ثوراته” القائد إلى الإنجاز المراد للهدف الأكبر وهو التخلص النهائي من ملف الصراع العربي ـ الإسرائيلي، وتبعاته المرهقة في نظر كل منهما.
اللافت أن الصهيو ـ أميركي نجحا معًا في صناعة أكثر من عدو دفعة واحدة (الإرهاب التكفيري والجمهورية الإسلامية الإيرانية) لإشغال دول المنطقة، وإنهاكها اقتصاديًّا وماليًّا حتى لا تقوم لها قائمة. وليس مبالغة، فهما يحصدان اليوم إنتاج صناعتهما، عبر الزعم بمحاربتهما الإرهاب التكفيري في سوريا والعراق وليبيا واليمن وغيرها، وحماية العربان من الخطر الإيراني. واللافت أكثر هو أنه مطلوب من العربان أن يوقِّعوا على صكوك بيضاء يتعهدون فيها بفتح خزائن أموال شعوبهم، ويتكفلوا بضخ الأموال لتأمين الابتزاز الصهيو ـ أميركي والتغطية على النهب المكشوف، وفي المقابل ممنوع عليهم أن يعملوا على رفع أسعار النفط، وتحسين دخلهم، وإلا فالعصا الغليظة تهتز توشك أن تقع على رؤوسهم؛ إنه ابتزاز وأي ابتزاز؟ أليس الهدف من كل ذلك هو إرجاع دول المنطقة إلى العصور الوسطى، وتحويل مظاهر التنمية إلى أطلال، وإعادة العرب إلى عصر الخيمة والناقة والشاة والخروف؟ ومن المستفيد من كل ذلك؟ أليس أعداء العرب والمنطقة وحدهم؟ وحين تصبح لقمة العيش لشعوب المنطقة بيد الصهيو ـ أميركي، هل سيكون هناك كرامة وأرض وعرض؟ أليس كله سيصبح رهينة وثمنه الحصول على فتات موائد الصهيو ـ أميركي؟
لا نخاطب الضمائر والعقول، ولا نحفز الوعي العربي ليستيقظ ويرتقي إلى مستوى الحدث، ولا نكتب عن ذلك، وعن كل ما يشغل همومنا ومصيرنا وقضايانا من وحي الخيال، أملًا في تحقيق أحلامنا، وما يعتمل داخل أنفسنا من أوجاع وآلام، وطموحات وآمال، وإنما ما نكتبه يستند إلى واقع مرير ومروع، وللأسف الشديد نصوغ فيه مفردات هلاكنا ودمار مستقبلنا، وقد سلمنا أعداءنا ـ طائعين ومكرهين ـ الرسن ووضعنا أعناقنا على مقاصلهم الممدودة بطول المنطقة وعرضها.
إن ما تابعناه على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة لمثير للأسى، وامتهان للكرامة واغتصاب للحقوق، من قبل قادة لم يتورعوا عن ممارسة تسولهم ولصوصيتهم وابتزازهم، مُشْهِرِين سيوفهم، مبدين استعدادهم لحز رقاب عرب إن خرجوا عن طوعهم، وتمردوا على ما يأمره به أسيادهم. فقد بدت النزعة الشعبوية في أقبح صورها، وأقذر كلماتها، تعكس الإرادة الأكيدة لتحويل العالم إلى إقطاعيات، تهيمن عليه اللصوصية والابتزاز، والخنوع والارتزاق والاستعباد، وتعمل على طي ما يحاول العقلاء والرشداء فرشه من قيم تعددية ومساواة وعلاقات مرتكزة على مبادئ الاحترام وتبادل المصالح والمنافع، وإعطاء الشرعية الدولية مكانتها، واحترام القانون الدولي، لذلك لم تكن قهقهات السخرية التي ضجت بها قبة الجمعية العامة للأمم المتحدة إلا تعبيرًا عن وجع وأسى، واستحضارًا لمستقبل عالمي يقوده لصوص وقطاع طرق نحو الانسلاخ من جميع قيمه، إيذانًا بغروب شمس ما أعلنه سلف هؤلاء اللصوص وقطاع الطرق كـ”النظام العالمي الجديد والعولمة”.
لم يخرج عن السياق القرار الأميركي بسحب منظومات صواريخ الباتريوت من بعض دول الخليج العربي وربما دول عربية أخرى أيضًا، فالقرار هو وجه آخر لوجوه الابتزاز؛ أي على هذه الدول أن تدفع بسخاء أكثر وتعقد صفقات تسلح أكبر إن أرادت حمايتها، ومن بين ذلك ربما تغيير المنظومة الصاروخية (الباتريوت) والإتيان بمنظومة (ثاد) الأكثر تطورًا، وهو ما يستلزم مضاعفة الأجرة للحامي الأميركي. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل هذه الدول لها أعداء حقيقيون؟ ومن هم هؤلاء الأعداء غير كيان الاحتلال الإسرائيلي؟ ثم ألا يعني هذا أن هذه الدول بهكذا ابتزاز يصورها الحامي الأميركي بأنها دول ضعيفة غير قادرة على الدفاع عن نفسها، بل حتى غير قادرة على منع ذبابة من أن تحط على وجهها؟ أوليس هذا التصوير الابتزازي فيه إهانة لهذه الدول وشعوبها وقواتها؟ ألا يدرك هؤلاء الذين وقع عليهم الابتزاز أن السلاح الأميركي أصبح في حالة انكشاف فاعلية وقيمة عملية أمام السلاح الروسي الأكثر فاعلية وتطورًا؟ ألا يعي هؤلاء أن العقوبات الاقتصادية الأميركية على الدول التي اقتنعت بحقيقة السلاح الروسي وعزمت على اقتنائه هي (أي العقوبات) بقدر ما تكشف تواضع الفاعلية للسلاح الأميركي (على الأقل المباع لهذه الدول) أمام السلاح الروسي، بقدر ما تؤكد أن الأميركي ليس أمامه وسيلة سوى العقوبات الاقتصادية لمنع تدهور صورة السلاح الأميركي في السوق العالمية، وبالتالي محاولة احتكارها بهذا النوع من الابتزاز والسطو؟ ثم ألا يعلم هؤلاء الذين وقع عليهم الابتزاز أن من الاستحالة أن يبيعهم الأميركي سلاحًا فعالًا وهو كل همه وشغله الشاغل تأمين حليفه الاستراتيجي كيان الاحتلال الإسرائيلي، وضمان تفوقه العسكري، فكل ما يفتعله من فتن وحروب، ويصطنعه من أعداء هو من أجل هدفين تنشيط سوق السلاح الأميركي، وخدمة أمن كيان الاحتلال الإسرائيلي؟


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 11 / 2342879

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

30 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 28

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28