] الدولة الفلسطينية في المتاهة... - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
السبت 24 شباط (فبراير) 2024

الدولة الفلسطينية في المتاهة...

السبت 24 شباط (فبراير) 2024 par بثينة عليق

مجدداً، تعود فكرة “الدولة الفلسطينية” إلى التداول في ضوء الحديث عمّا بات يُعرف بـ“اليوم التالي للحرب الإسرائيلية على غزة”. وتبدو الولايات المتحدة الأميركية من أكثر المتشجعين لهذا الطرح غير الجديد، والذي تم الخوض به مطولاً خلال العقود الماضية.

ويمكن القول إن هذا الطرح، كغيره من العناوين التي طرحت خلال مسار المفاوضات، تم إدخاله في متاهة ضاعت فيها الحقوق والثوابت الفلسطينية، وأتخمت بالاتفاقات والمعاهدات والخطط والخرائط والتفاهمات والقرارات والتوصيات والصور والابتسامات والمصافحات...والنتيجة لا شيء.

دور واشنطن في إيجاد المتاهة واستمرارها ليس جديداً. في العام 1976، استخدمت الولايات المتحدة الأميركية حق النقض ضد قرار لمجلس الأمن ينص على حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولة فلسطينية، وفقاً لميثاق الأمم المتحدة.

كما دانت إعلان الرئيس ياسر عرفات الدولة الفلسطينية للمرة الأولى في تشرين الثاني/نوفمبر 1988 في العاصمة الجزائرية، خلال اجتماعات المجلس الوطني الفلسطيني.

وعندما هدد الرئيس أبو عمار بإعلانها مجدداً في العام 1999 بالتزامن مع موعد انتهاء المرحلة الانتقالية التي أقرها اتفاق أوسلو، والتي لم تلتزم به “إسرائيل” كان للولايات المتحدة رأي آخر.

فقد أعلنت واشنطن ومن دون أي مواربة رفضها القاطع. حكي عن تهديدات أميركية دفعت عرفات إلى تغيير لهجته. تخلى الرجل عن مطلب الدولة، واستبدله بمناشدة واشنطن تقديم المساعدة على التنفيذ الدقيق للاتفاقات التي وقّعت في البيت الأبيض.

أعلن كلينتون في تلك المرحلة عن موقف واشنطن: لا تغيير في السياسة الأميركية المعتمدة في الشرق الأوسط، ومن أبرز ملامحها “عدم تأييد قيام دولة فلسطينية، ورفض إعلان موقف أميركي من حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني؛ لأن واشنطن لا تتعامل مع مثل هذه اللغة”.

وأضاف الرئيس الأميركي الأسبق لازمة أن حق تقرير المصير، وحق إعلان دولة فلسطين هو موضوع يتم التفاوض عليه مع “إسرائيل”. وطبعاً، المفاوضات وفق الرؤية الأميركية والإسرائيلية هي مفاوضات من دون سقف، ومفتوحة بلا أي حدّ زمني أدنى أو أقصى.

هذا الموقف عكس التزام واشنطن الدائم بالموقف الإسرائيلي، خاصة أنه صدر على الرغم من الخلاف الذي ظهر في تلك الفترة، وبشكل واضح، مع رئيس حكومة “إسرائيل” آنذاك بنيامين نتنياهو.

هذا الالتزام استمر على الرغم من تغيير واشنطن لغتها. الرئيس بوش، وانطلاقاً من حاجته إلى العالمين العربي والإسلامي في ما سُمّي “الحرب على الإرهاب”، كان أول رئيس يؤيد فكرة الدولة الفلسطينية. أطلق بوش وعده الأول في العام 2002 بأن ترى الدولة النور في العام 2005 ضمن خارطة الطريق الشهيرة التي تضمنت رؤيته لحل الدولتين.

لم يخلُ وعد بوش من الخبث. فقد استطاع الرئيس الأميركي أن يحوّل فكرة الدولة الفلسطينية من بين الأفكار الثورية والحيوية إلى حيّز الأفكار الرتيبة التقليدية. فمحور النضال لم يعد هو التحرير وإنهاء الاحتلال، بل أصبحت إقامة الهياكل الحكومية هي المحور الأهم. هكذا، تاهت الفكرة مجدداً في المتاهة الأميركية. فواشنطن لم تتخذ أي إجراء جدّي لوضعها على سكة التنفيذ.

كما أن هذه الدولة المنتظرة لم يحدد أحد حدودها وسلطاتها. وظلت من دون الأركان التقليدية لقيام الدولة في القانون الدولي، وهي مفتقدة إلى الامتداد الجغرافي؛ نظراً إلى تخللها بالمستوطنات الخاضعة للسيادة الإسرائيلية، والسلطة التي من المفترض أن تبسط سيادتها على الدولة، لا تستطيع من الناحية العملية ممارسة تلك السيادة، نظراً إلى عدم امتلاكها مقومات الدفاع.

اكتفى بوش بالأقوال، أما الأفعال، فكما كتب نعوم تشومسكي، حينها، فقد “تولتها الجرافات الإسرائيلية التي تعمل بنشاط لتغيير الحقائق على الأرض” في ظل حملة سياسية إعلامية معارضة لفكرة الدولة الفلسطينية.

رئيس الحكومة الإسرائيلي في ذلك الوقت شارون أعلن صراحة أنه لن يسمح بدولة فلسطينية ذات سيادة، وأن العودة إلى حدود 1967 غير مطروحة، وأصرّ على أن “إسرائيل” ستحتفظ بسيطرتها الكاملة على 50% من الضفة الغربية، إضافة إلى جيوب استيطانية داخل الحصة الفلسطينية من الضفة.

وكتب جون بولتون في “واشنطن بوست” يدعو إلى إغلاق ملف الدولة الفلسطينية عبر ضم غزة إلى مصر، وإلحاق الضفة الغربية بالأردن. الخيار الأردني طرحه أيضاً روبرت كاغان، معدّاً الأردن الوطن الطبيعي للفلسطينيين.

أما نتنياهو فقد دعا في برنامجه الانتخابي إلى استبدال شعار “الأرض مقابل السلام” بـ“السلام للنهوض بالاقتصاد”، وهو يعني ضرورة التوقف عن البحث عن اتفاقات سياسية لإقامة دولة فلسطينية، والعمل، بدلاً من ذلك، على تحويل فلسطينيي الضفة إلى مستهلكين اقتصاديين عبر إقامة مناطق صناعية في بعض مناطق الضفة المحاذية لـ“إسرائيل”، تستوعب اليد العاملة الفلسطينية بإشراف مالي وتكنولوجي إسرائيلي.

هذه المواقف كانت استمراراً لثوابت الدولة العميقة الإسرائيلية. قبل نتنياهو وشارون اليمينيين، كرّس شيمون بيريز حياته لتقويض فرص قيام دولة فلسطينية. الرجل الذي قدم الدعم الشفوي لما عرف بـ“عملية السلام” تغاضى عن بناء أكثر من 430 مستعمرة، وتبنى خطة تقضي بطرد السكان العرب من فلسطين. هذه الخطة كانت هي البرنامج الانتخابي لبيريز أثناء حملاته المتتالية.

هذه الأجواء شكلت بيئة مناسبة لفشل طرح بوش الملغوم أصلاً. بيد أن السبب الأبرز لهذا الفشل الذي سيرافق أوباما أيضاً الذي استخدم مصطلح الدولة “القابلة للحياة” ليضاف المصطلح إلى قاموس القضية الفلسطينية المتخم بالألفاظ والمصطلحات، فقد أشار إليه الدبلوماسي الأميركي آرون ديفيد ميللر في كتابه “البحث الأميركي المراوغ عن سلام عربي إسرائيلي”.

الرجل الذي لعب أدواراً خلال المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين وصل إلى قناعة بأن سبب فشل الرؤساء الأميركيين وضياع الجهد هباء منثوراً هو تبني واشنطن مواقف “إسرائيل”، ووقوف عدد من المسؤولين الأميركيين في خانة “محامي إسرائيل” وتحوّل العلاقة الإسرائيلية-الأميركية من علاقة “خاصة” إلى علاقة “استثنائية” تفوق المصلحة الوطنية للولايات المتحدة الأميركية، وفق ميللر نفسه.

لذلك، غلب على الصيغ التي طرحها الأميركيون حول الدولة، كما الصيغة الحالية، الطابع الإنشائي والعمومية المفرطة والافتقار إلى الوضوح والتحديد والآلية، باستثناء أن الحدود لا تصل إلى حدود ال 1967 وأن القدس الشرقية لن تكون العاصمة، وأن حق العودة يسقط إلى غير رجعة.

هكذا، تحوّل واشنطن طرح “الدولة الفلسطينية” إلى رزمة تختزل وتصفي كل الحقوق الوطنية الفلسطينية من جهة، وإلى مشروع يستهدف حماية مصالح “إسرائيل”، ويؤدي إلى هزيمة المقاومة، وتحديداً حركة حماس، من جهة أخرى.

كل هذا يعني أن الهدف بقي هو هو. إبقاء الدولة الفلسطينية في المتاهة. في حين أن الخروج منها لا يمكن إلا عبر تبني السير وفق خط مستقيم يبدأ بالمقاومة ويصل إلى التحرير.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 77 / 2342879

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات وقضايا   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

35 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 27

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28