] بريطانيا وأوروبا وأسفار الخروج - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
السبت 4 آب (أغسطس) 2018

بريطانيا وأوروبا وأسفار الخروج

د. أحمد مصطفى
السبت 4 آب (أغسطس) 2018

تشير نتائج الاستطلاع الذي أجرته سكاي نيوز البريطانية حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكزت) ورضا الناس عن حكومة رئيسة الوزراء تريزا ماي إلى أن المزاج العام في البلاد لم يعد كما أظهرته نتائج استفتاء يونيو 2016 التي أدت إلى بدء عملية البريكزت. الخلاصة الأهم لنتائج الاستطلاع هي أن نسبة تقل عن نسبة مؤيدي بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، مع تعدد أسباب ذلك. والنتيجة الثانوية أن ثقة الناخبين البريطانيين في حكومتهم الحالية وقدرتها على ترتيب الخروج من أوروبا تتراجع. هناك بالطبع عوامل عديدة أدت إلى هذه النتائج التي تعكس بالفعل وضعا مضطربا في بريطانيا يتجاوز الطبقة السياسية في البلاد. فمنذ جاءت نتائج استفتاء 2016 لصالح الخروج واستقالة رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون وتشكيل ماي الحكومة من حزب المحافظين الحاكم (الفائز في انتخابات 2015) يخسر الحزب لصالح حزب العمال المعارض. لكن أسباب ذلك التراجع للمحافظين أمام العمال ليست كلها قاصرة على موضوع البريكزت.
المهم، فيما يتعلق بالخروج من أوروبا هناك عدة عوامل جعلت الرأي العام البريطاني يفيق على أن الأمر ليس بالسهولة التي صورها قادة حملة الخروج قبل الاستفتاء. أولا، تواجه جماعة حملة الخروج اتهامات جنائية حاليا بالكذب وتضليل الرأي العام في دعايتها ضد بقاء بريطانيا في أوروبا وتلفيقها للمعلومات المغلوطة للتأثير في الناخبين وبالتالي نتائج الاستفتاء. وثانيا، هناك تخبط حكومة ماي وأركانها بشأن خطط الخروج من أوروبا وهو ما أدى إلى استقالة عدد من الوزراء مؤخرا من بينهم الوزير المسؤول عن مفاوضات البريكزت مع أوروبا. وبغض النظر عن التفاصيل فإن ذلك يعطي رسالة سلبية للناس بأن تلك حكومة غير قادرة على حماية مصالح البلاد بشكل جيد. ومنذ فعلت حكومة ماي بند الخروج يدور الحديث عن احتمالات ثلاثة: خروج صعب بمعنى اتفاقات خروج لصالح الاتحاد الأوروبي وتضر ببريطانيا وخروج سهل أي باتفاقات لصالح بريطانيا على حساب الاتحاد الأوروبي وخروج بدون اتفاق ـ وهو احتمال صعب، خاصة مع تداخل العلاقات التجارية والمالية وحركة البشر وغيرها بين بريطانيا ودول أوروبا.
بالطبع لعب موقف الاتحاد الأوروبي دورا في تخبط الحكومة البريطانية في التوصل لاتفاق، ولا يمكن لوم الأوروبيين في ذلك ولم تفلح محاوت حكومة ماي إلقاء اللوم على الاتحاد الأوروبي في عدم قدرتها على التوصل لاتفاق جيد. فأوروبا تبحث عن مصالحها، ولم تكن هي الرافضة لوجود بريطانيا في الاتحاد ـ بل على العكس، كانت بريطانيا دوما العضو المعطل والمعرقل لكثير من الاتفاقات الأوروبية. بل إن قوى الاتحاد الرئيسية الأخرى، وتحديدا ألمانيا وفرنسا، كانت تعاني من مواقف بريطانيا ضمن الاتحاد واعتبرت باريس وبرلين أن لندن تكاد تمثل مصالح الولايات المتحدة داخل الاتحاد أكثر من تبنيها لمصالح أوروبا (على اعتبارات التنافس الاقتصادي بين أوروبا وأميركا). لا لوم إذا على الأوروبيين إذا تعاملوا بطريقة “من يريد أن يخرج من الاتحاد يتحمل تبعات الخروج كما تمتع بفوائد التواجد فيه”. لكن بريطانيا تريد تخفيف الخروج الصعب (طالما الخروج السهل غير ممكن) بالحفاظ على بعض الاتفاقات التي لا تضر بمصالحها بسرعة ومنها تبادل المعلومات الاستخباراتية والأمنية وعمليات المراقبة الجوية والبرية والبحرية وبعض بنود الجمارك والرسوم.
وهنا انقسم معسكر البريكزت ما بين مغالين في التشدد يرون أن أي تفاهم مع الأوروبيين انتقاص من سيادة بريطانيا وبين من يريدون الحد الأدنى من ضرر الخروج بالاتفاق مع الأوروبيين على تفاهمات مؤقتة. ومع اقتراب الوقت المحدد لنهاية التفاوض (الربيع القادم) تكاد تصبح بريطانيا أمام احتمال الخروج بدون اتفاق وهذا يعني مشاكل داخلية لا حد لها. وتسربت بعض التقديرات التي تعدها الحكومة لاحتمال الخروج بدون اتفاق ومنها تكديس الطعام والشراب والدواء تحسبا لحالة الطوارئ الأكيدة مع هذا الاحتمال. ولك أن تتخيل وقع ذلك على الناس العادية، وموقفها من حكومتها بل ومن فكرة البريكزت كلها بخياراتها المختلفة. خلاصة الوضع الحالي في بريطانيا أن أسفار الخروج المختلفة اتضح أنها كلها أكثر ضررا من البقاء في الاتحاد، وهذا ما أنعش معسكر البقاء في الاتحاد حتى عادت مجددا الدعوة لإجراء استفتاء ثانٍ على البريكزت ـ مؤكد أن نتيجته ستكون التصويت للبقاء في أوروبا. لكن هذا الاحتمال يبدو بعيدا، وأقصى ما يمكن أن يحققه معسكر البقاء هو الاستفتاء على أي اتفاق للخروج تبرمه حكومة المحافظين ولا يعرف في حال رفض الشعب له ماذا ستكون النتيجة.
راهن معسكر البريكزت من البداية على أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيتم تعويضه بعلاقات أقوى وأفضل مع الولايات المتحدة، لكن إدارة ترامب ليست بالمتحمسة لتعويض أحد، بل في الواقع هي ترغب في الحصول على تعويض من العالم. وتلك كانت المصيبة الأكبر لمؤيدي الخروج من أوروبا، خاصة وأن أوروبا لم تعد حريصة على بريطانيا كما تخيل هؤلاء، بل إن أغلب الأوروبيين يرون خروج بريطانيا من الاتحاد أفضل من بقائها لما سببته من مشاكل على مدى العقود الأربعة الأخيرة. وأغلب الظن أنه لن يمر عام قبل أن تشهد بريطانيا استفتاء، على الأقل على أي اتفاق خروج إن لم يكن استفتاء ثانيا على البريكزت أصلا، أو ربما انتخابات عامة مبكرة تطيح بحكومة تريزا ماي وحزب المحافظين.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 22 / 2342879

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

7 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 8

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28