] آفاق المرحلة الثانية من العمليات البرية الإسرائيلية في غزة - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الثلاثاء 5 كانون الأول (ديسمبر) 2023

آفاق المرحلة الثانية من العمليات البرية الإسرائيلية في غزة

الثلاثاء 5 كانون الأول (ديسمبر) 2023

- محمد منصور

بعد 7 أيام توقفت فيها العمليات العسكرية في قطاع غزة، تم استئناف هذه العمليات مطلع الشهر الجاري، وهو استئناف كان متوقعاً، بالنظر إلى عدة عوامل من أهمها الصعوبة البالغة التي شابت عملية التفاوض التي أدارتها مصر وقطر حول تمديد الهدنة الإنسانية المؤقتة، وكذا التلويح الإسرائيلي المستمر والمتكرر، وخصوصاً من جانب وزير الدفاع ورئيس الأركان، بأن “إسرائيل” مستعدة لبدء المرحلة الثانية من عملياتها البرية، وهي المرحلة التي أقر رئيس الأركان الإسرائيلي خططها الميدانية قبيل يوم واحد من استئناف القتال.

وبصرف النظر عن الأسباب التي أعلنها كلا الجانبين لتبرير سقوط هذه الهدنة، يمكن القول إن “الجيش” الإسرائيلي كان يتجهز خلال فترة الهدنة لاستئناف العمليات البرية، كما أنه سعى لتطبيق الهدنة من أجل إراحة وحداته المقاتلة، ومنح أعداد كبيرة من جنود الاحتياط المنخرطين في هذه الوحدات إجازات، إلى جانب إعادة التذخير والملء بالذخائر الجوية وتلك الخاصة بالدبابات عبر الجسر الجوي الأميركي المستمر منذ أواخر الشهر الماضي.

النقطة الأهم في هذا الإطار تتعلق بما يبدو أنه “استفادة من أخطاء المرحلة الأولى من العمليات البرية”، إذ شابت العمليات البرية الإسرائيلية عدة مصاعب، من أهمها عدم فعالية التكتيكات الميدانية المعتمدة على القوة المدرعة بشكل أساسي، ناهيك بفشل القوة العسكرية الإسرائيلية في تحقيق أي إنجاز ميداني ملموس، رغم وجودها على الأرض في 3 محاور قتالية في شمال غزة، إذ استمرت وتيرة إطلاق الصواريخ من قطاع غزة، ولم تفقد قيادة كتائب القسام قدرتها على القيادة والسيطرة، وهو ما أكدته عمليات التبادل التي تمت خلال الهدنة.

التكتيك الجديد المتوقع من جانب “الجيش” الإسرائيلي يقتضي استئناف التوغل البري في قطاع غزة بصورة تدريجية وأكثر تأنياً، إذ يعمل الجيش حالياً على تنفيذ عمليات تمهيدية للمرحلة الثانية من العمليات البرية، مع التأني في تفعيل واسع للعمليات البرية في شمال القطاع، وهذا ربما يُعزى إلى الحرص على الاستمرار في تسريح قسم من قوات الاحتياط، وعدم استدعاء أعداد كبيرة منهم، لتفادي حالة الشلل الجزئي التي شابت الحياة الاقتصادية في “إسرائيل” منذ بدء العمليات البرية أواخر تشرين الأول/أكتوبر الماضي، إضافة إلى وجود قناعة بأن المرحلة الثانية من العمليات البرية قد تستمر لفترة طويلة، وبالتالي يجب خوضها على مراحل.

الهدف الرئيسي للقوات الإسرائيلية في مرحلتها الثانية من العمليات البرية يبقى الهدف نفسه الذي كان موضوعاً للمرحلة الأولى، وهو ترحيل سكان قطاع غزة نحو الجنوب والتمهيد لإنشاء مناطق عازلة داخل القطاع. هذا ما أيده إعلان “الجيش” الإسرائيلي عن تقسيم القطاع إلى مناطق عملياتية، بلغ عددها نحو 2300 منطقة، بهدف تسهيل عملية إخلاء هذه المناطق بمجرد الإعلان عن أرقامها للسكان.

اللافت في هذا الصدد أن المنشورات التي ألقتها الطائرات الإسرائيلية مع عودة العمليات العسكرية استهدفت المناطق الشرقية والشمالية من خان يونس جنوب القطاع، وتحديداً مناطق القرارة وخزاعة وعبسان وبني سهيلة، وهي مناطق تعرضت للقصف الجوي بشكل مركز خلال الأسابيع الماضية.

وقد تضمّنت هذه المنشورات مناشدة للسكان بالمغادرة نحو مدينة رفح، وتحولت هذه المناشدة في اليوم الثاني لعودة العمليات لتكون مطالبة لقاطني مربعات سكنية في خان يونس وفي مدينة غزة بالانتقال إلى مناطق أخرى، إذ طالب “الجيش” الإسرائيلي سكان خان يونس بالانتقال شمالاً إلى منطقة المواصي في شمال رفح، وطالب سكان مخيم جباليا وحي الشجاعية بالانتقال إلى مدينة غزة شمالاً أو حي التفاح جنوباً، وهو ما قد يؤشر إلى تركيز الجيش الإسرائيلي في المرحلة المقبلة على إخلاء وسط مدينة غزة، وتحديداً الثقل السكاني الأساسي فيه “مخيم جباليا”، واقتراب إطلاقه عمليات عسكرية شرق خان يونس.

هذا يعني عملياً أمرين أساسيين؛ الأول هو أن تفعيل المحور البري في شرق خان يونس بات قريباً جداً، وهو ما يعني أن المرحلة الثانية من العمليات التي تستهدف المنطقة الوسطى -دير البلح وخان يونس- أصبحت قاب قوسين أو أدنى. أما الأمر الثاني، فيرتبط بمرحلة جديدة من عمليات إجبار الفلسطينيين على النزوح نحو الجنوب.

هذه المرة بات الحدث بشكل أوضح عن مدينة رفح، وليس جنوب وادي غزة، كما كانت الحال سابقاً، وبالتالي يمكن القول إن منطقة “النواصي” قرب الحدود المصرية أصبحت بشكل عملي هدفاً أساسياً لعمليات الترحيل القسرية من جانب “إسرائيل”.

يؤيّد هذا التقدير عدة عوامل ميدانية، تتمثل بأن المحاور الحالية للتحركات البرية الإسرائيلية في شمال قطاع غزة تشمل، إلى جانب حي الشيخ رضوان والمناطق الشرقية والغربية لمخيم جباليا وأحياء الصبرة والنصر والزيتون، المناطق الشمالية لمخيم النصيرات أو ما يسمى “محور نتساريم”، وهو ما يشير إلى تحركات إسرائيلية نحو المنطقة الوسطى لقطاع غزة من الجهة الشمالية.

يضاف إلى ذلك تنفيذ القوة البحرية الإسرائيلية الخاصة “شايطيت-13” عملية برمائية خاصة في وقت متأخر من مساء الثاني من الشهر الجاري على شاطئ غرب مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، إذ أصبح من الواضح أن المرحلة الثانية من مراحل العمليات البرية الإسرائيلية تستهدف بشكل أساسي المحاور الفرعية وسط قطاع غزة، وتحديداً مناطق شرق خان يونس وشرق دير البلح، بهدف أولي هو فصل دير البلح ووسط قطاع غزة عن المنطقة الجنوبية، وثانياً خان يونس عن مدينة رفح، ليصبح قطاع غزة نظرياً مقسماً إلى منطقة شمالية ومنطقة جنوبية. وعملياً، يصبح مقسماً إلى 4 أقسام.

وقد بدأ تنفيذ هذه الخطة بشكل عملي على الأرض بعدما بدأت الدبابات الإسرائيلية منذ اليوم الأول لانتهاء الهدنة المؤقتة بالتحرك على محور شرق دير البلح “المغازي”، ودخلت في عمق هذه المنطقة، وصولاً إلى تقاطع “أبو هولي - المطاحن”، وهي نقطة تقع على بعد 12 كيلومتراً شمال خان يونس، لتقطع بذلك الطريق الرابط بين دير البلح وخان يونس، وهو ما يتزامن مع عمليات مماثلة على المحور الموازي لهذا المحور -محور “كيسوفيم - القرارة”، حيث تحاول القوات الإسرائيلية التقدم في منطقة القرارة شمال شرق خان يونس، لكنها تواجه مقاومة عنيفة.

هذه التطورات، في المجمل، تشير إلى أن هدف “الترحيل القسري لأهالي غزة” وتقطيع أوصال قطاع غزة وتحويله إلى 3 مناطق معزولة، الأولى هي منطقة شمالية “مدينة غزة”، والثانية هي منطقة وسطى “النصيرات ودير البلح”، والثالثة جنوبية “خان يونس - رفح”، ومن ثم تقسيم هذه المناطق إلى مناطق أصغر، بهدف الضغط على سكان القطاع، ما زالت كلها أهدافاً أساسية للعملية العسكرية البرية الإسرائيلية في قطاع غزة.

يبقى التحدي الأساسي أمام القوة العسكرية الإسرائيلية هو أن ملامح خطة المرحلة الثانية من العمليات البرية تعني عملياً أن العمليات العسكرية ستكون طويلة الأمد، وقد تمتد لأشهر، وربما لعام أو أكثر، وهو ما لا يمكن لـ“تل أبيب” على المستوى البشري أو الاقتصادي تحمله.

وبالتالي، باتت بعض الأوساط الإسرائيلية تطرح “تكتيكات معاونة” قد يمكن من خلالها تقصير أمد العملية البرية، مثل حملة اغتيالات تطال قيادات الصف الأول في حركات المقاومة الفلسطينية أو حتى توسيع قوس العمليات البرية ليشمل المناطق الشرقية لمدينة رفح جنوبي القطاع، بحيث تكون العمليات العسكرية متزامنة على كامل الشريط الحدودي الشمالي والشرقي لقطاع غزة، وهو ما سيهدف إلى زيادة الضغط على مقاتلي المقاومة الفلسطينية، لكن سيقتضي أيضاً توفير أعداد إضافية من قوات الاحتياطي.

في الخلاصة، يمكن القول إن الجيش الإسرائيلي يدخل المرحلة الثانية من عملياته في غزة بذهنية مختلفة تضع في اعتبارها أن تدوم هذه المرحلة لمدة أسابيع، وربما أشهر، لكن الأكيد أن أهدافه الأساسية من هذه العملية ما زالت كما هي -بالنظر إلى أنها لم تتحقق في المرحلة الأولى- لكن ستبقى احتمالات التوصل إلى “هدن مؤقتة” قائمة، نظراً إلى أن تقديرات الجيش الإسرائيلي تشير إلى أن هناك حالياً في قطاع غزة 137 أسيراً إسرائيلياً، في حين عاد 113 رهينة، بينهم 24 أجنبياً، خلال عمليات تبادل الأسرى التي تم تنفيذها على مدار 7 أيام.

وبالتالي، في لحظة معينة من الجائز فرض هدنة مؤقتة أخرى يتم من خلالها تبادل الأسرى، لكن بالتأكيد ستكون شروط التبادل مختلفة تماماً، نظراً إلى أن التبادل في هذه الحالة قد يطال جنوداً إسرائيليين موجودين في قطاع غزة. هذه النقطة كانت السبب الأساسي لانهيار الهدنة المؤقتة السابقة.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 26 / 2342227

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات وقضايا   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

32 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 29

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28