] الردّ المناسب.. في الوقت المناسب - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الأربعاء 17 نيسان (أبريل) 2024

الردّ المناسب.. في الوقت المناسب

عماد الحطبة
الأربعاء 17 نيسان (أبريل) 2024

“أكبر هجوم بالطائرات المسيّرة في التاريخ”، “أول هجوم واسع ينقل على الهواء مباشرة”، بعض من تعليقات وسائل الإعلام الغربية على الرد الإيراني على العدو الصهيوني. لم يكن هناك شك بأن الردّ الإيراني مقبل، كلّ الأسئلة دارت حول توقيت الردّ الإيراني وحجم هذا الرد. الأهم أن العدو استخدم جميع الوساطات الممكنة بما في ذلك التهديد في محاولة لثني إيران عن إطلاق عملية الرد. وللمرة الأولى لم تلجأ إيران إلى الصمت المرعب، بل جاءت التصريحات من كل المستويات القيادية بأن إيران تتجهّز للقيام بالرد المناسب.

على مدى عدة أيام شخصت أنظار العالم نحو إيران، وانطلقت التحليلات من كلّ بقعة في العالم في محاولة للتنبّؤ بالخطوة الإيرانية المقبلة. ولأن محور المقاومة أتقن سياسة إيقاف العدو على “رجل ونص”، فقد وقف العالم كله على “رجل ونص” يراقب المسيّرات والصواريخ الإيرانية وهي تعبر أجواء عدة دول، تحتشد فيها القواعد الأميركية والغربية، وأطلقت صفارات الإنذار في كل أنحاء فلسطين، وفتحت الملاجئ والمقار الآمنة، وكأنّ سماحة السيد حسن نصر الله كان يرى ما هو مقبل عندما توجّه إلى العدو بقوله: عليك أن تفتح الملاجئ والمدارس والخيام لأكثر من مليون لاجئ.

بالتأكيد لم يغب عن ذهن القيادة العسكرية الإيرانية أن قوى العدوان وحلفاءها سيقومون بكل ما يقدرون عليه لإحباط الرد الإيراني بجزئيته العسكرية. وهذا ما أركن إليه خصوم محور المقاومة، ليشكّكوا بفعالية الرد الإيراني وأهميته. لكن حساب بيدر العدو لم يوافق حساب محصول المقاومة. فإيران أعلنت أن العملية ستكون رداً على الهجوم الغادر على قنصليتها في دمشق، أي أنها عملية محدودة الأهداف، وليست إعلاناً للحرب الشاملة التي تتوق “إسرائيل” لإطلاقها في المنطقة.

كان المطلوب وصول عدد من الطائرات والصواريخ إلى أهدافها، في إعلان واضح عن تغيير قواعد الاشتباك بين محور المقاومة والعدو، بانتقال دولة إقليمية كبرى بحجم إيران من خانة دعم قوى المقاومة إلى خانة المواجهة المباشرة مع العدو الصهيوني. عسكرياً أظهرت إيران قدرتها على الوصول إلى مراكز العدو العسكرية مستخدمة جزءاً يسيراً جداً من قدراتها العسكرية، فكما هو معلوم تمتلك إيران قدرات عسكرية أكبر بمئات المرات من تلك التي استخدمتها في الهجوم على العدو، وفي حال استخدام جزء من هذه القدرات فإنّ خسائر العدو ستكون أكبر بكثير، وبشكل لن يستطيع الكيان تحمّله.

يطرح خصوم المقاومة وعملاء الاستعمار تساؤلاً حول السبب الذي دفع إيران إلى اللجوء لردّ محدود، بدلاً من استخدام قوتها كاملة في الرد على العدو.

الهدف من السؤال التشكيك بالرد الإيراني، ووضعه في خانة اتفاق وهمي بين إيران والولايات المتحدة. فقد سبق لإيران أن أعلنت أنها لا تخطّط لتوسيع المعركة في المنطقة، بل إن محور المقاومة يعلن وبصراحة أن هدفه هو وقف العدوان الإجرامي على غزّة، لإيقاف المجازر التي ترتكب بحق المدنيين. يعلم محور المقاومة أن العدو يبحث عن توسيع المعركة لإطلاق يده في الاستمرار بعملياته العسكرية وبشكل خاص عملية اقتحام مدينة رفح، وكذلك ضرب البنية التحتية للمقاومة في لبنان والعراق واليمن وسوريا.

سياسياً، فرضت إيران أجندة المقاومة على العالم، كان رد الفعل الأميركي الأوّلي الطلب من “إسرائيل” عدم الردّ على الهجوم الإيراني من دون التشاور مع الإدارة الأميركية، ورغم إعلان الرئيس بايدن قيام الولايات المتحدة بمساعدة “إسرائيل” في التصدّي للهجوم الإيراني، إلا أنه سرعان ما أعلن أن بلاده ستعقد لقاءً مع مجموعة الدول السبع للاتفاق على ردّ دبلوماسي على إيران.

الموقف الروسي والصيني الذي ربط الردّ الإيراني بفشل الأمم المتحدة وخاصة مجلس الأمن في اتخاذ إجراءات رادعة بحقّ “إسرائيل”، يشير إلى أن أي محاولة لإصدار بيان إدانة لإيران في مجلس الأمن سيواجه بفيتو مزدوج من الصين وروسيا. الأهم أن الدول الأوروبية ستضطر إلى إعادة حساباتها فيما يتعلق بالدعم الدبلوماسي المطلق للمخططات الإسرائيلية، وانعكاسات هذا الدعم على الاستقرار في المنطقة، وتهديده بانفجار حرب إقليمية تعمّق الأزمات الاقتصادية والسياسية التي تعاني منها أوروبا.

إضافة إلى استقبال الجماهير الفلسطينية للردّ الإيراني بفرح عارم، فإن هذا الرد جاء ليقدّم دعماً ضرورياً وحاسماً لموقف المقاومة في مفاوضات وقف إطلاق النار.

لقد حضرت إيران على طاولة المفاوضات وبقوة، وأصبحت أجندة هذه المفاوضات مفتوحة على ما يتجاوز الحرب على غزّة، نحو تسوية مؤقتة شاملة على جميع جبهات المواجهة مع العدو، بشروط وقواعد اشتباك جديدة تراعي مصالح قوى المقاومة وتعزّز حضورها السياسي والعسكري.

في الوقت الذي أعلنت فيه معظم الدول الحليفة لأميركا حيادها في المواجهة المقبلة، وعدم السماح باستخدام أراضيها لشن هجمات ضد إيران، جاء الموقف الأردني، المستهجن، والذي انخرط علناً، للمرة الأولى، في الجهد العسكري الأميركي الإسرائيلي، وحاول تصوير الأمر على أنه يتعلق بسيادة الأردن على أرضه وسمائه، متغافلاً عن عبور طيران العدو لأجوائه في العديد من المناسبات لقصف أهداف في العراق وسوريا.

هذا الموقف البعيد عن نبض الشارع الأردني الذي يتصدّر الشارع العربي في دعمه للمقاومة وخياراتها، يعدّ تعبيراً عن أزمة مزدوجة تعيشها السلطة الحاكمة في البلاد. فهي من جهة أكثر الدول المعرّضة لتحمّل العواقب الوخيمة للعدوان الإسرائيلي على غزّة، وفي الوقت نفسه تكبّلها الاتفاقيات الأمنية والعسكرية مع الولايات المتحدة وتحرمها من فرصة المناورة لكسب تأييد الشارع الداعم للمقاومة.

انتهى الرد الإيراني، ولو بشكل مؤقت، لكن تبعاته سوف تستمر لوقت طويل، وأقرب هذه التبعات تأجيل أي عملية عسكرية باتجاه رفح، وكذلك الدفع نحو اتفاق هدنة في أقرب فرصة ممكنة.

أما على المدى الاستراتيجي فإن آثار هجوم 14 نيسان/أبريل، لن تقلّ في أهميتها عن هجوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر، في ضرب الفكرة التي قامت عليها “إسرائيل”. فهذه الأرض ليست مكاناً آمناً إلا للشعب الفلسطيني المتشبّث بترابها، وهذه المنطقة لا مكان فيها للغرباء المحتلين.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 56 / 2336593

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات وقضايا   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

8 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 6

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28