] في اضمحلال دور النخبة الثقافية - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
السبت 7 تموز (يوليو) 2018

في اضمحلال دور النخبة الثقافية

محمد الدعمي
السبت 7 تموز (يوليو) 2018

ان مسببات اضمحلال وتردي دور النخب الثقافية في أغلب دول العالم العربي تضرب بجذورها عميقا في ذلك الجفاء بين النخبة المثقفة في دولة عربية ما، من ناحية، وبين الجمهور في تلك الدولة العربية، من الناحية الثانية. أدى هذا الجفاء إلى الافتراق، حيث ظهور فجوة تتسع الآن على نحو متواصل، تمتد باطراد بين النخبة والجمهور الذي يجد صعوبة في التفاعل معها ومع تطلعاتها وأفكارها.
أرجو أن لا يخرج عليَّ أحد ليدّعي بأن النخب الثقافية في الدولة العربية التي ينتمي إليها تضطلع بدورها الاجتماعي والسياسي والفكري بجدارة وكفاءة، كما تفعل النخب الثقافية في الدول التي تحترم الثقافة وتضمن لشواخصها الحماية والاحترام وما تستحق من مستوى معيشة رفيع.
تأسيسا على هذا التعميم، يمكن للمرء أن يزعم بأن أدوار النخب الثقافية العربية هي الآن في حال من التراجع والتردي والنكوص. ومسببات ذلك قد خضعت إلى المناقشات والحوارات المتعددة، ومنها تلك التي بادرت إليها الدولة في بعض أقطار العالم العربي، ليس حبا بالنخبة الثقافية لديها بعينها، وإنما حبا بإظهار الذات على نحو يكرّم ويرعى الثقافة وزبدتها الحقيقية. إلا أن هذه المناقشات قد دارت دورانا غريبا كي تهجر التموضع المحلي العربي لتهاجر مع حملة لواء الثقافة من أفراد هذه النخبة، لتستقر، لا في القاهرة ولا في مراكش، لا في دمشق ولا في البصرة، ولا في أي من الحواضر العربية المتشبثة بدور ثقافي رائد يشار من خلاله إليها بالبنان.
إن مسببات اضمحلال وتردي دور النخب الثقافية في أغلب دول العالم العربي تضرب بجذورها عميقا في ذلك الجفاء بين النخبة المثقفة في دولة عربية ما، من ناحية، وبين الجمهور في تلك الدولة العربية، من الناحية الثانية. أدى هذا الجفاء إلى الافتراق، حيث ظهور فجوة تتسع الآن على نحو متواصل، تمتد باطراد بين النخبة والجمهور الذي يجد صعوبة في التفاعل معها ومع تطلعاتها وأفكارها. وقد قاد عجز النخبة عن مد جسور التواصل والحوار مع الجمهور إلى شكل خطير من أشكال “الاغتراب”، وهو لفظ، أي الاغتراب، أشاعته النخبة بناءً على ما تعاني منه من شعور بالوحدة والعزل ووجود في فراغ لا مُجدٍ: فليس هناك من يقرأ لها، أو من يستمع إلى أفكارها ويتفاعل معها، للأسف.
هذا هو الجانب الأول والأخطر من معطيات الاغتراب النخبوي لأنه يؤدي إلى أن المثقف يجد نفسه “منشدا في جزيرة نائية” في نهاية المطاف، إذا ما استعرنا تعبير الشاعر الإنجليزي وليام موريس Morris حول هذا الاغتراب المضني والمميت أحيانا، هذا الجانب يتلخص في شكوك الدولة (ممثلة بالحكومات) بأفراد النخبة وبنياتهم وأفكارهم، بل حتى بتطلعاتهم ومواقفهم السياسية. وهنا تزدوج أوجه الاغتراب وتثقل وطأتها على الإنسان، فيغدو أكثر إيلاما، بل وأكثر خطورة حتى على وجود أفراد النخبة.
هذا، بدقة، هو ما أدى الى النزعة الانعزالية أو الانكماشية لأفراد النخبة الثقافية: فهم محرومون من ممارسة دورهم الثقافي كما ينبغي، وكذلك من الاضطلاع بدور سياسي فاعل بسبب تطليق الجمهور والدولة إياهم، ثلاثا.
بلى، هناك من حكومات الدول العربية العديد التي خصصت جوائز، بل وحتى مرتبات نقدية شهرية لأفراد النخبة، إلا أن حواجز الشك والتوجس تبقى موانع فاعلة على الجانبين، حتى يضيق المثقف ذرعا بوضعه وبما يحيط به من مخاطر، فيقرر هجر بلاده والعيش مغتربا، مغتربا بحق هذه المرة، هادرا ما تبقى من سني حياته متسكعا في حواضن مدن العالم الخارجي، يتقلب بين مقهى ومشرب، سوق وصالون وكأنه يعد سني حياته المتبقية في انتظار أن تحضره المنية، للأسف.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 33 / 2342879

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 10

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28