] المجازر الصهيونية لتأليب الرأي العام.. والفلسطينيون نحو احتضان أكبر للمقاومة - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
السبت 25 تشرين الثاني (نوفمبر) 2023

المجازر الصهيونية لتأليب الرأي العام.. والفلسطينيون نحو احتضان أكبر للمقاومة

زياد غصن -سوريا
السبت 25 تشرين الثاني (نوفمبر) 2023

في جميع الاعتداءات التي نفذتها “إسرائيل” على مدار العقود السابقة، شكلت المجازر الجماعية بحق المدنيين العرب العزل واحدة من السمات الرئيسية لتلك الاعتداءات، إلا أن هذه المجازر باتت أكثر وحشية مع تعرض الكيان الصهيوني لهزائم متتالية على أيدي فصائل المقاومة في فلسطين المحتلة ولبنان.

هذا ليس مجرد محاولة للانتقام من فصائل المقاومة وطمأنة الصهاينة بأنهم قادرون على فعل ما يريدون من دون أدنى محاسبة أو ملاحقة دولية، إنما الغاية الرئيسية هي محاولة تقليب الشارع العربي عموماً، والفلسطيني واللبناني خصوصاً، على فصائل المقاومة والتشكيك في جدوى عملياتها وخياراتها، وصولاً إلى تغيير الوعي الجمعي العربي حيال حقائق القضية الفلسطينية، معتمدة في ذلك على أمرين: الأول يتمثل في الموقف الرسمي العربي الذي دعمت بعض أنظمته وحكوماته سراً بعض الاعتداءات الإسرائيلية، على أمل الخلاص من فصائل المقاومة وكسر شوكتها، والأمر الآخر يكمن في عجز المجتمع الدولي عن اتخاذ إجراءات عقابية بحق هذا الكيان، أياً كانت مجازره وجرائمه.

هذا بالضبط ما يسعى إليه الكيان الغاضب بارتكابه آلاف المجازر ومنعه الغذاء والمياه والدواء عن أكثر من مليوني مدني خلال عدوانه المستمر على قطاع غزة منذ عقود طويلة، والذي زادت وحشيته منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي.

لذلك، لم يكن مستغرباً أن تُقصف مقار الأمم المتحدة بعامليها ونازحيها، وتستهدف المستشفيات، ويُقتل مواطنون يحملون جنسيات أجنبية، وأميركية تحديداً، وما إلى ذلك من جرائم ضد الإنسانية.
النازية المتجددة

الانتقام من المدنيين ومحاولة تقليب الشارع الشعبي على بعضه بعضاً هما سياسة اتبعتهما الدول الاستعمارية على مر التاريخ، وخصوصاً عندما كانت تواجهها ثورات تطالبها بالاستقلال والحرية، إلا أن أدوات تلك السياسة وأشكالها كانت تختلف من دولة إلى أخرى.

مثلاً، هناك دول احتلال اعتمدت في مواجهتها الثورات الوطنية على تجويع السكان ومصادرة ممتلكاتهم وأرزاقهم، وأخرى قصفت التجمعات السكنية وطردت السكان من بيوتهم وأراضيهم وحاصرتهم، وثالثة اعتمدت أسلوب الأرض المحروقة كما في الجزائر.

أما الكيان الصهيوني، فقد سبق الحركة النازية في انتهاجها أسلوب المجازر الجماعية مستفيداً من الماضي الإجرامي للكثير من الدول الاستعمارية، كالمجازر العثمانية المرتكبة بحق المواطنين العرب والأرمن، وكذلك المجازر وحملات التصفية بحق المواطنين الأصليين في القارة الأميركية وغيرها.

يمكن للقارئ أن يعود بذاكرته قليلاً إلى الوراء، وتحديداً عام 1996، عندما شنت “إسرائيل” عدوانها المسمى “عناقيد الغضب” على لبنان، ويتذكر أن قوات الاحتلال كانت تلاحق السيارات المدنية المحملة بالأطفال لقصفها، وتستهدف المدارس والمراكز الصحية المليئة بالنازحين، بما فيها مقر الأمم المتحدة في قرية قانا، الذي اعتقد المدنيون اللبنانيون أنه قد يعصمهم من الإجرام الصهيوني، وهو أيضاً ما تكرر في عدوان تموز عام 2006، وفي جميع الاعتداءات اليومية على قطاع غزة والضفة الغربية، وتحديداً تلك التي تأخذ صفة العدوان الشامل، كما حصل في أعوام 2009 و2014 و2023. وفي كل ذلك، كانت “إسرائيل” تسعى إلى إحداث شرخ مجتمعي وفكري بين فصائل المقاومة من جهة، والبيئة التي توجد فيها أو حاضنتها الشعبية من جهة ثانية.

لكن هل تمكنت الصهيونية بعد آلاف المجازر من أن تحقق غايتها في صناعة رأي عام جمعي يخالف خيار المقاومة، وتحديداً في بعده العسكري؟

مع كل مجزرة يرتكبها العدو الصهيوني، كانت شعبية الكفاح المسلح كخيار أساس لاسترداد الحقوق وإنهاء الاحتلال تزداد أكثر فأكثر، وكان مؤيدو ما يسمى بالكفاح السلمي الذي لم يسفر إلا عن مزيد من المجازر الصهيونية والأسرى وبناء المستوطنات ومصادرة الأراضي والممتلكات ومحاولة تشويه التاريخ والحقائق يتراجع حضورهم أكثر فأكثر.

ومع ذلك، لم يتعلّم الاحتلال أن الشاب الفلسطيني الذي كان جنوده يكسرون يده بالحجارة أمام عدسات التلفزة في انتفاضة الحجارة عام 1987 حمل بعد سنوات قليلة بندقية بيده الأخرى لمقاومته، وأن الطفل الذي كان في منتصف التسعينيات يحاول اعتراض دبابة إسرائيلية بحجر صغير هو نفسه الذي حاول لاحقاً اصطياد تلك الدبابة بصاروخ أو بعبوة ناسفة، وأن ما يرتكبه اليوم من مجازر في قطاع غزة لن يجلب له مستقبلاً الأمن والهدوء، إنما سيكون على موعد مع سيناريو جديد أكثر بطولة مما حدث في السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي.

مؤشرات ذلك نراها جميعاً، فالفلسطيني الذي لا يزال تحت أنقاض منزله، ولا يعرف إن كان سيخرج حياً أو شهيداً، يرفع شارة النصر والتأييد لفصائل المقاومة، ولو أن الله انطق الشهداء، سواء ممن وجدت أجسادهم الطاهرة طريقها إلى المقابر أو التي لا تزال ملقاة في الشوارع وبين ركام الأبنية السكنية، لقالوا: نحن مع القسام والجهاد والأقصى، ولو قتلتنا “إسرائيل” ألف مرة ومرة.
الشيطان الأكبر

موقف الإدارة الأميركية المؤيد والداعم لمجازر الكيان الإسرائيلي ليس نتيجة للتحالف القائم بين الجانبين فقط، إنما لأن واشنطن تتبع السياسة نفسها في جميع الحروب التي شنتها على الدول الأخرى، فسجل مجازرها وجرائمها كبير جداً في فيتنام والعراق وأفغانستان والصومال وغيرها.

واليوم، تحاول عبر فرضها حصاراً اقتصادياً خانقاً على سوريا واحتلال حقول نفطها وقمحها تجويع السوريين وصولاً إلى محاولة تقليبهم على دولتهم وحكومتهم، في تكرار للسيناريو العراقي في تسعينيات القرن الماضي، والذي تسبب بقتل نحو مليون مواطن عراقي من جراء نقص الغذاء والمرض والتلوث وغير ذلك.

ليس هذا فحسب، بل إن المشروع الأميركي يسعى إلى تحقيق أبعد من ذلك، كمحاولة تغيير الموقف الشعبي السوري من مسألة التطبيع مع العدو الإسرائيلي، وذلك بالتزامن مع نجاح “تل أبيب” باستقطاب شخصيات سورية تصنف نفسها أنها معارضة. كما أن بعض القراءات السياسية لا تستبعد أن تكون غاية السياسة الأميركية في بعض إجراءاتها هي دفع السوريين إلى القبول بخيار التجزئة والتقسيم تحت يافطة “الفدرالة”، كما فعلت في دول أخرى.

والمثير للسخرية أن واشنطن تصرّ على محاولتها استغباء الشعوب بادعاء حرصها على حياة المدنيين وتجنيبهم تأثيرات أي حرب، كأن صور المجازر اليومية المروعة في قطاع غزة لا تجد طريقها إلى البيت الأبيض، وصرخات الأطفال الذين يضطر الأطباء إلى بتر أطرافهم بلا مخدر لا تسمع.

مسلسل الكذب الأميركي المفضوح دفع ولي العهد السعودي الأمير عبد الله عام 2002 إلى تسليم الرئيس الأميركي جورج بوش صوراً لمجازر الإرهابي الصهيوني أرييل شارون في الضفة الغربية وقطاع غزة، داعياً إياه إلى مراجعة التأييد والانحياز الأميركي الكامل إلى “إسرائيل”، فما الذي حدث بعد ذلك؟

لم تعد السياسات الأميركية والإسرائيلية وما يتمخض عنها من إجراءات وممارسات عدوانية تخفي مراميها وأهدافها، بل إن بعض المسؤولين الأميركيين والصهاينة تحدثوا أكثر من مرة بوضوح عن تلك الأهداف، فالمدنيون، بحسب رأيهم، يجب أن يدفعوا ثمن انتصارات المقاومة ويتحملوا تبعات خياراتهم.

لكن في المقابل، فإن الشعوب لم تكسرها تلك الممارسات العدوانية أو تجبرها على سلوك خيارات لا تعبر عن مبادئها الوطنية أو تتعارض مع حقوقها المشروعة، وهذا ما يجعل واشنطن و“تل أبيب” تتوحشان أكثر في جرائمهما ومجازرهما، استشعاراً منهما بأن هزيمتهما النهائية بات توقيتها وشيكاً جداً.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 25 / 2342227

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات وقضايا   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

37 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 36

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28