] ماذا بعد جولة كوشنير وجرينبلات؟ - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
السبت 7 تموز (يوليو) 2018

ماذا بعد جولة كوشنير وجرينبلات؟

علي بدوان
السبت 7 تموز (يوليو) 2018

باعترافٍ صريح منهما، فشلت جولة المبعوثين الأميركيين لوجارد كوشنير وجيبسون جرينبلات الأخيرة إلى عدد من دول المنطقة، وعادا إلى واشنطن خاليي الوفاض، بل وقال لوجارد كوشنير في تصريحات مقتضبة وسريعة بأنَّ “فرص تمرير ونجاح حلول ما بات يُعرَف بــ(صفقة القرن) ضئيلة للغاية، وأصابها التراجع”.
الواضح أنَّ العقبات التي واجهت المبعوثين الأميركيين، ودفعتهما للتشاؤم ليست بسبب الموقف الفلسطيني الرسمي والشعبي فقط على أهميته ودوره الحاسم في هذا الشأن، بل بسببٍ من الموقف العربي لعدة عواصم إقليمية أيضا، متحفظة على تلك الصفقة، ومنها مصر التي ترى بأنها مستهدفة من وراء تلك الصفقة حين يتم الحديث عن اقتطاع مساحات من أراضي سيناء المصرية لصالح الحل الأميركي الداعي لتوسيع مساحات القطاع باتجاه الأرض المصرية، وإقامة منشآت فوقها تخص قطاع غزة كالمطار ومحطات الطاقة الكهربائية وتحلية مياه البحر، وإسكان نسبة معينة من سكن القطاع. كذلك إنَّ الصفقة إياها تدعو الدول العربية الخليجية لفتح التطبيع مع دولة الاحتلال من أوسع أبوابها، فضلا عن تمويل كل مراحل تلك العملية التسووية المطروحة أميركيا، من ألفها إلى يائها.
وعليه، كان متوقعا عودة المبعوثين الأميركيين إلى واشنطن ولسان حالهما يردد حالة التشاؤم، فحتى في ظل الضغوط الأميركية التي مورست، وقد تمارس على مختلف الأطراف العربية، وخاصة الفلسطينيين المكتوين بنار الاحتلال يوميا، فإن لا حياة لتلك الصفقة اللعينة المعنونة بــ”صفقة القرن”، ما دامت بعيدة عن روحية ومضمون قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، التي قبل بها الفلسطينيون بالرغم من الإجحاف الذي تُلحقه بحقوقهم التاريخية الكاملة والناجزة على أرض وطنهم فلسطين الكاملة. فالصفقة تنسف عمليا العناوين الرئيسية للحقوق الوطنية الفلسطينية وفي مقدمتها حق العودة وتقرير المصير وحل الدولتين …. الخ.
في هذا السياق، إنَّ لغة التصعيد “الإسرائيلية” لم تتوقف باستهداف الفلسطينيين، وخاصة في قطاع غزة، حيث وفرت الإدارة الأميركية، وما زالت توفّر، الغطاء لسياسات الاحتلال والعدوان على القطاع، ففي ليلةٍ واحدة خلال شهر حزيران/يونيو 2018 الماضي، سقطت واشنطن مرتين في مجلس الأمن الدولي: واحدة ضد الفلسطينيين عندما استخدمت حق النقض (الفيتو) لمنع تمرير قرار دولي تقدمت به دولة الكويت لتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني تحت الاحتلال. والثانية مع الاحتلال “الإسرائيلي”، عندما فشلت في تمرير مشروع قرار بديل، يُدين ما أسمته واشنطن في مشروع قرارها “إطلاق النار من قطاع غزة على إسرائيل”، وفي كلتا الحالتين صوّتت واشنطن مُنفردة في مجلس الأمن، بمعزل عن بقية الأعضاء والمجتمع الدولي.
مشروع القرار الكويتي الذي تم تقديمه لجلسة مجلس الأمن في حينها، دعا في نسخته النهائية إلى “النظر في اتخاذ تدابير تضمن أمن وحماية” المدنيين الفلسطينيين، ويطلب من الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، تقديم تقرير حول إمكانية وضع “آلية لحماية دولية”. وقد استخدمت الولايات المتحدة حق النقض ضد مشروع القرار الأممي الذي قدمته الكويت باسم الدول العربية، وهو مشروع القرار الذي يدعو إلى حماية الفلسطينيين، كما رفض مجلس الأمن في تصويت لاحق مشروع قرار صاغته واشنطن يُدين حركة حماس.
لقد كانت المندوبة الأميركية في مجلس الأمن (نيكي هايلي) في تلك الجلسة من جلسات مجلس الأمن، في غاية الفجاجة، وفي قمة تزوير الحقائق واتباع لغةِ الديماغوجيا السياسية، ففي حين استشهد أكثر من 120 مواطنا مدنيا فلسطينيا في مسيرات العودة السلمية على حدود القطاع مع فلسطين المحتلة عام 1948، وأصيب الآلاف بنيران جيش الاحتلال، دون وقوع إصابات في صفوف “الإسرائيليين”، فقد ادَّعت مندوبة الولايات المتحدة “أنَّ مشروع القرار الكويتي ليس دقيقا في توصيف الأحداث”. وحظي مشروع القرار الكويتي بتأييد عشر دول بينها الصين وفرنسا وروسيا، بينما امتنعت بريطانيا وأثيوبيا وهولندا وبولندا عن التصويت. ونشير بأن أي مشروع قرار في مجلس الأمن يحتاج لموافقة تسعة من أعضائه وعدم استخدام أي من الدول الخمس الدائمة العضوية (بريطانيا، وفرنسا، والولايات المتحدة، وروسيا، والصين) لحق النقض “الفيتو”.
يُشار هنا كذلك، إلى أنَّ الحديث يجري عن المرة الثانية التي تلجأ فيها المندوبة الأميركية (نيكي هايلي) لاستخدام حق النقض (الفيتو) ضد إجراء أممي يتعلق بجرائم الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني في الأشهر الأخيرة. وكانت قد لجأت إلى حق النقض (الفيتو) في كانون الأول/ديسمبر 2017 الماضي ضد نص يرفض قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، القاضي بنقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة، باعتباره مناقضا لقرارات الشرعية الدولية التي تقول بأن القدس الشرقية أرض محتلة. وفي المقابل رفض مجلس الأمن الدولي مشروع قرار صاغته الولايات المتحدة والذي يدين حركة حماس وعموم حركات المقاومة الفلسطينية على خلفية المواجهات الأخيرة في غزة.
إذا، هي ليست المرة الأولى، بطبيعة الحال، التي تستخدم فيها واشنطن حق النقض (الفيتو) لصالح “إسرائيل”، فمنذ إنشاء الأخيرة، وهي التي لم تنفذ قرارا واحدا من قرارات مجلس الأمن، فيما استخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) عشرات المرات لصالح “إسرائيل”، غير مكترثة بهيبة مجلس الأمن الدولي، أو تعطيل دوره في حفظ الأمن والسلم الدوليين، جاعلة من دولة الكيان الصهيوني دويلة فوق القانون تماما، وتساعدها على مواصلة الإفلات من العقاب وبمنأى عن أي محاسبة، طالما أنها تحظى بالحماية الأميركية، وحيث تفرض غطرسة القوة لاستباحة حقوق الشعب الفلسطيني وارتكاب الجرائم تلو الجرائم بحقه من دون رادع.
السقوط الأخلاقي والعمى السياسي الأميركي الذي يتحدث عنه البعض ليس جديدا، ولا هو وليد الصدفة، ولم يبدأ مع مشروع الرئيس دونالد ترامب المطروح في المنطقة تحت عنوان “صفقة القرن”، بل هو من وجهة نظر مغايرة، امتداد طبيعي لحماية مشروع تعهدته الولايات المتحدة منذ عشرات السنين، وهو مشروع الدولة الصهيونية حين قامت على أنقاض الكيان الوطني والقومي للشعب العربي الفلسطيني، ولا تزال تقدم الدعم والحماية لها بلا حدود.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 25 / 2342227

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

33 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 33

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28