] تاجر الشنطة .. وصفقة القرن - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
السبت 30 حزيران (يونيو) 2018

تاجر الشنطة .. وصفقة القرن

ابراهيم بدوي
السبت 30 حزيران (يونيو) 2018

تحول الحديث الأميركي عن ما يسمى بصفقة القرن إلى مسلسل عبثي لا تستطيع أن تصل منه لمضمون، فالأطراف العربية كافة تبرأت منه وأعلنت بوضوح أنها غير موافقة على تلك الصفقة، برغم أن تلك الصفقة لا تزيد عن أحاديث وأفكار أميركية اسرائيلية، ولم تتبلور بعد، بل إنني أزعم أن الرئيس الاميركي دونلد ترامب ذاته لم يعرف بعد هوية تلك الصفقة، التي لم تنفك إلا أن تكون مجرد رغبات اسرائيلية يتم صياغتها مع الحلفاء، بشكل يرضي الحلفاء العرب الاخرين، وتظل حالة التبشير التي ينتهجها النظام الاميركي لتلك الصفقة أبرز العبثيات فيها، فكيف لصفقة سلام ما بين الفلسطينيين والكيان الصهيوني، يرفضها كافة ألوان الطيف الفلسطينية، أن تمر بأحاديث مريبة وغير منطقية عن موافقة عربية من هنا أو هناك، برغم النفي الرسمي لكافة الأفكار التي تم طرحها وقيل أنها من مقومات هذه الصفقة المشؤومة، التي تسعى إلى تجاوز ثوابت وجوهر الصراع مقابل ما يسمى بتسهيلات حياتية للفلسطينيين.
الأغرب في حالة الضبابية التي فرضت على تلك الصفقة، وهي ضبابية أعتقد أنها متعمدة، يقصد بها تمرير أفكار ومعطيات قد ترفض اليوم، لكن بما نراه من تراجع في الدور العربي تجاه القضية الفلسطينية، وأدوات الضغط التي باتت تملكها واشنطن والكيان الارهابي تجاه بعض العواصم العربية الكبرى، وما يملكه الطرفان من أدوات أضحت تصدح بتحالفها مع هذه الافكار في فضائنا الاعلامي، الذي كان يرفض حتى وقت قريب مجرد مناقشة تلك الثوابت، أو التلميح إلى إمكانية التفريط فيها، فبرغم ما شهدته دول المنطقة من صراعات ومشاكل إلا أن الثابت كان إبراز دور الكيان الاسرائيلي في هدم المقومات التنموية والاجتماعية العربية بكافة العواصم والحواضر في المنطقة، حيث كان ينظر حتى وقت قريب إلى أن هذا الكيان أنه العدو الاوحد للامة العربية، وأنه أحد اهم الاسباب في حالة الاستهداف التي تعيشها الامة العربية، وأن بواسطة ما يملكه من أذرع في الدول الكبرى، هو الخطر المحدق لهذه الامة، فهو وفق الايدلوجية العربية رغم تبايناتها، كيان زرع في ليلة حالكة السواد، ليقضي عن اي محاولة نهضوية حقيقية في هذه المنطقة التعيسة من العالم.
إن هذا التراجع العربي جعل جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأميركي يتحدث بوضوح على أنه سيتجاوز الرئيس الفلسطيني محمود عباس المعارض الكبير لهذه الصفقة المزعومة في سبيل تمريرها، وقال كوشنير:” أن عباس قد قال علانية إنه لن يجتمع معي، وقد اخترنا عدم ملاحقته. لقد واصلنا عملنا بشأن الخطة وبناء توافق في الآراء حول ما يمكن واقعيًا تحقيقه اليوم وما الذي سيستمر في المستقبل”، ليصل التبجح ذروته في تأكيده على تجاوز رفض الرئيس الفلسطيني وعرض خطته المزعومة علانية، بل وصل إلى حد التشكيك في مدى قدرة الرئيس عباس، أو رغبته، أن يميل إلى إنهاء الصفقة، زاعما إلى أن الرئيس الفلسطيني، لديه نقاط الحوار التي لم تتغير خلال السنوات الـ٢٥ الماضية، مدعيا بأن صفقته ستتيح للجانبين أن يتحركا وأن يلتقيا في نقطة ما بين مواقفهما المعلنة، خاتما حديثه أنه ليس متأكدًا من قدرة الرئيس عباس على القيام بذلك”.
خلاصة القول أن ما يقال وما يشاع، والتصريحات التي تخرج من عراب الصفقة كوشنير، كلها تقول أن تاجر الشنطة الاميركي، يصر على التعامل مع دول المنطقة كزبائن يعرض عليهم بضاعته، فإذا كان رئيسه قد نجح في عقد صفقات بالميارات، فإنه يسعى إلى إغلاق ملف صراع الوجود وتحويله لمشروع استهلاكي يكسب منه الطرفان أكثر مما يعطيان، مدعيا أن الشعب الفلسطيني أقل اكتراثًا في نقاط الحوار بين السياسيين، وأكثر اهتمامًا ليرى كيف ستوفر هذه الصفقة له وللأجيال المستقبلية فرصًا جديدة، والمزيد من الوظائف ذات الأجور الأفضل وآفاق الوصول إلى حياة أفضل، فهو يعزف على وتر الحياة والاستثمارات الضخمة والبنية التحتية الحديثة، والتدريب المهني والتحفيز الاقتصادي، مبشرا الشعب الفلسطيني بقفزات تجعله من قادة العصر الصناعي القادم!! وبما أن هذا الاسلوب نجح مع العرب، فإنه من وجهة نظر هذا الغر في عالم السياسة أكثر منطقية وقبولا من قبل الفلسطينيين.وبرغم البريق الذي يشع من الصفقة على الصعيد الاقتصادي وما تحمله تصريحات الصهر من وعود بجنان وأنهار، بشرط التنازل عن الثوابت، فمن وجهة نظره أن القضايا الجوهرية العالقة ضرورية لكن مجرد حلها دون خلق مسار لحياة أفضل لن يؤدي إلى حل دائم، داعيا في ختام احاديثه إلى تنازلات فلسطينية من أجل الدخول إلى جنته المزعومة.
لكن لم يفهم هذا الحديث على عالم السياسة أن الثوابت الفلسطينية، لن تتغير اذا تغيرت القيادة، فحق العودة والاسرى والقدس … الخ جزء من التكوين الفلسطيني في الداخل والخارج، وأن أجيالا فلسطينية متعاقبة قد رفضت أكثر مما عرضه كوشنير جراء ايمانهم بقضيتهم وحقوقهم، وأن التكوين الفلسطيني لا يزال يرفض الرضوخ لكافة الاساليب الذي تتبع ضده سواء كانت ترغيبا أو ترهيبا، ولا يزال يتمسك بهذه الثوابت، ولن يغير موقفه التبشير الكوشنري، ولا الخنوع العربي، فأكثر الميزات التي يحملها الفلسطينيون في الجينات المتوراثة هو المثابرة على الحقوق والثوابت حتى وان تم التضحية في سبيلها بالغالي والثمين، فأمة تهب أبناءها للشهادة، وللدفاع عن الحقوق والثوابت، غير قابلة للمساومة على تلك الحقوق مقابل حتى حق الحياة ذاته، وليس مقابل اقتصاد وغيرها من المغريات الاميركية في صفقة القرن.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 36 / 2342879

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

26 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 26

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28