] كنت ساذجة: جميعهم شركاء في الجريمة! - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الخميس 26 تشرين الأول (أكتوبر) 2023

كنت ساذجة: جميعهم شركاء في الجريمة!

بقلم: تاليا عراوي
الخميس 26 تشرين الأول (أكتوبر) 2023

قبل ما يقارب 20 عاماً، عملت مع الصليب الأحمر الدولي ومركز السيطرة على الأوبئة (CDC) في مجال «القانون الإنساني الدولي أثناء النزاعات المسلحة». على الرغم من قناعتي أن تنظيم الحروب كما لو كانت لعبة أمرٌ عبثي لأن الحرب من الأساس يجب ألا تكون، إلا أنني كنت ساذجة إلى حدّ تصديق أن تنظيمها ممكن.

القانون الدولي الإنساني هو مجموعة من القواعد التي تسعى، لأهداف إنسانية، إلى الحد من آثار النزاعات المسلّحة. تشكّل اتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها الإضافية جوهر القانون الإنساني الدولي. فهو يحمي الأشخاص الذين لا يشاركون، أو لم يعودوا يشاركون بشكل مباشر أو نشط في الأعمال العدائية، ويفرض قيوداً على وسائل الحرب وأساليبها، ويُعرف أيضاً باسم «قانون الحرب» أو «قانون النزاعات المسلّحة».
والمبادئ الأساسية لهذه القوانين هي:
- التمييز بين المدنيين والمقاتلين، أي إنه لا يجوز استهداف أيّ أحد إلا المقاتلين.
- حظر الهجمات ضد الأشخاص العاجزين عن القتال؛ أي عدم الهجوم على أي شخص خارج القتال (المرضى والجرحى وأسرى الحرب).
- حظر التسبب في معاناة لا داعي لها؛ يحظر التسبب بأذى كبير لا ضرورة له.
- مبدأ التكافؤ أو التناسب، وهو يحث على أن يكون الفعل ورد الفعل متكافئيْن لدى الطرفين المتنازعين.
- مبدأ الضرورة ومفاده أن اللجوء إلى الحرب مبرر فقط عند الضرورة ولا يعطي للقوات المسلحة الحرية في تجاهل الاعتبارات الإنسانية أياً كانت والقيام بما تريد.
- مبدأ الإنسانية، وكان غيابها أثناء معركة سولفرينو عام 1859 هو الفكرة المركزية التي ألهمت مؤسس اللجنة الدولية للصليب الأحمر، هنري دونان، وينص المبدأ على أن جميع البشر لديهم القدرة على إظهار الاحترام والرعاية للجميع، حتى لأعدائهم. (كل هذه القواعد، بل وأكثر منها، وضعها النبي محمد قواعدَ للحرب).
عملت في تطوير وتحرير السرديّات التي يتمحور حولها النقاش وسافرت إلى جنيف وحصلت على تدريب مكثّف، وسافرت مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى ماليزيا وإلى إيران لنشر القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف. علّمتها لطلابي في المدرسة وعلّمتها لطلابي في الجامعة، حتى إنني عملت مع طلابي وقمنا بتطوير أول لعبة لوحية من نوعها لتعليم القانون الدولي الإنساني، ما أثار دهشة اللجنة الدولية التي طلبت امتلاكها.
مع إعجابي بتلك الشابة الإنسانية من الماضي، التي بذلت قصارى جهدها للدفاع عن القانون الدولي الإنساني، أعتقد أنها كانت ساذجة، بل ساذجة للغاية. الآن، كوني متخصّصة في الأخلاقيات، أعرب دائماً عن مخاوفي من انتهاك هذه القوانين باستمرار وأصرّح في كل فرصة أنها كونها بدون مساءلة ومحاسبة، لا تتعدى حبراً على ورق. لقد أعربت عن ذلك عدة مرات لمنظّمة الصحة العالمية، واليونسكو، وغيرهما من هيئات دولية، ولكن صوتي ظل صوتاً وحيداً في البرية، قد تتفق معه ولكنه يبقى هباء منثوراً.

إنّ ما حدث، وال يزال يحدث، في غزة، هو أكثر من مجرد انتهاك صارخ للحد الأدنى من الإنسانية وقواعد الحرب. هذه الدولة المتوحّشة المدعومة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، تمتهن قتل الأولاد والرُّضَّع والمدنيين، واستعمال الفسفور الأبيض المحظور عالمياً، واستهداف الكوادر الطبية، والصحافة، والمستشفيات، والكنائس والجوامع وسوى ذلك من أهداف محظورة.
كنت أؤمن أيضاً بالضمير وبمعنى العدالة. كنت أؤمن بالعزة والوحدة العربيتيْن. يا لها من معتقدات ساذجة وغبية.
إنّ إدانة الفصل العنصري، والتحدّث ضد الإبادة الجماعية ومذبحة الأرواح البريئة، كلام مثير للاشمئزاز عندما لا يكون مصحوباً بأفعال لوقف المذبحة. سيناريوهات يائسة لإراحة ضمير يحتضر أو هو ميت. محاولات عقيمة لاستغباء البشر وإرضاء القوى العظمى. ودم كل شهيد، حياً كان أو ميتاً، في رقابكم أنتم والجامعة العربية إلى يوم الدين.
نصف المواقف هي مواقف الخونة، وأنا كإنسان بسيط تافه يصرخ في وجوهكم: أنتم خونة، كلكم مجرمو حرب. أنا أتهمكم جميعاً!

* المديرة المؤسِّسة لـ«برنامج سليم الحص للأخلاقيات الأحيائية والاحتراف»
في المركز الطبي لـ«الجامعة الأميركية في بيروت»


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 20 / 2342879

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات وقضايا   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

24 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 25

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28