] “طوفان الأقصى”.. ضربة استراتيجية لإسرائيل تذكّر بأكتوبر 1973 أصابت هيبتها وثقتها بنفسها.. ونتنياهو لم يحدّد هدف “السيوف الحديدية” - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الأحد 8 تشرين الأول (أكتوبر) 2023

“طوفان الأقصى”.. ضربة استراتيجية لإسرائيل تذكّر بأكتوبر 1973 أصابت هيبتها وثقتها بنفسها.. ونتنياهو لم يحدّد هدف “السيوف الحديدية”

الأحد 8 تشرين الأول (أكتوبر) 2023

- وديع عواودة

غداة اندلاع حرب لبنان الثانية في الثاني عشر من يوليو/ تموز 2006، عنونت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية على صدر صفحتها الأولى بكلمة واحدة: “حرب”، وتكرر العنوان اليوم الأحد، لكن الصحيفة أضافت كلمتين على عنوانها الأول: “على البيت” ليصبح العنوان باللون الأحمر “حرب على البيت”.

هذا الفارق يبدو شكليا لكنه ينطوي على فارق جوهري بين الحالتين. ففي 2023، نجحت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في أن تنقل المعركة من يومها الأول إلى “أرض العدو” داخل المستوطنات والمدن الإسرائيلية بما فيها مدينة “أوفكيم” البعيدة 25 كيلومترا من الحدود مع قطاع غزة.

غداة الذكرى الخمسين لحرب أكتوبر 1973، نجحت المقاومة الفلسطينية في غزة بمباغتة إسرائيل وإصابتها بهيبتها، مناعتها، ثقتها بنفسها، إلى جانب مئات القتلى ونحو ألفي جريح.

لم يكن ممكنا أن تقع مثل هذه الضربة الاستراتيجية الموجعة لإسرائيل التي تذكّر بما حصل في أول أيام حرب 1973 مقابل جيوش عربية نظامية، لولا توفّر روح المبادرة والفعل، بدلا من ردات الفعل، الجرأة في التخطيط والتنفيذ ونقل الاشتباك في الساعات الأولى إلى مناطق العدو، علاوة على امتلاك عناصر النجاح في المعركة على الوعي منذ اللحظة الأولى. المعركة التي دارت في “تيك توك” وبقية منتديات التواصل الاجتماعي بتحضير مسبق ومحكم، كما تجسّد في توثيق الكثير من مشاهد القتال، ورصد “صورة الفشل الذريع” كما عنونت “سيما كادمون” المعلقة السياسية في صحيفة “يديعوت أحرونوت”.
الأهداف المعلنة والسرية

في أهدافها المعلنة، قالت حركة “حماس” إنها شنت “طوفان الأقصى” انتصارا للمسجد الأقصى بعد انتهاك حرمته، وانتصارا للأسرى الفلسطينيين. لكن هذا لم يكن كافيا للخروج في مثل هذه العملية غير المسبوقة في خطورتها، وهناك أهداف غير معلنة ترتبط ربما بمحاولة تحقيق تغيير استراتيجي في واقع حال غزة المحاصرة، وربما سحب البساط من تحت المبادرة السعودية للتطبيع، وربما هناك خيوط تصل بحزب الله وإيران وغيرها من الحسابات والاعتبارات التي يتساءل عنها عدد كبير من المراقبين الإسرائيليين اليوم.
ملامح الفشل الذريع

في محاولة لاسترداد ماء الوجه والردع المفقود والهيبة العسكرية والسياسية الجريحة، تصعّد قوات الاحتلال في الساعات الأخيرة من هجماتها على القطاع، رغم أن بعض بؤر الاشتباك داخل “مستوطنات غزة” ما زالت ساخنة حتى الآن. وهذا التصعيد مرشح للمزيد بضوء أمريكي وغربي.

مع ذلك، تحاشى رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو في خطاباته، الإعلان عن حرب، وامتنع عن مقولة “تحطيم نظام حكم حماس داخل القطاع”، وبذلك يسعى لخفض سقف التوقعات، خاصة وأنه يدرك حدود القوة والأثمان الإسرائيلية المترتبة على اجتياح بري واسع لتغيير واقع الحال هناك، وأنه ربما راغب بمواصلة رهانه على تكريس الانشقاق بين القطاع والضفة الغربية، وهو نهج تمسك به منذ عاد للسلطة في 2009.

رغم الوقت المبكّر واحتمال امتداد هذه “الحرب المدمّرة”، حمل عدد كبير جدا من المراقبين والمعلقين الإسرائيليين اليوم على القيادات الإسرائيلية خاصة مستواها السياسي. في حديث للإذاعة العبرية العامة، حمل بشدة الجنرال في الاستخبارات سابقا، والمحاضر في جامعة تل أبيب، الدكتور ميخائيل ميليشتاين على حكومة الاحتلال ورئيسها، فقال إن استراتيجية نتنياهو في التفريق بين الضفة وغزة من أجل منع تسوية الدولتين قد فشلت، وإن محاولة شراء الهدوء من خلال السماح بنقل الأموال القطرية لحركة حماس قد انهارت، بل إنها انفجرت في وجهه.

وذهب زميله الجنرال في الاحتياط عاموس غلعاد للقول للقناة العبرية 12، إن ما مكّن حماس من هذه الضربة المباغتة، ومن هذا التجرؤ الكبير على إسرائيل، هو توريطها من قبل نتنياهو بصراعات داخلية عمقّت حالة التشظي ونسجت صورة “بيت العنكبوت” في عيون أعدائها، مما حفزّهم على مهاجمتها وإصابتها بهذه الجراح البشرية والمعنوية.

وتحت عنوان “يوم مظلم”، أكد المعلق السياسي البارز في “يديعوت أحرونوت” ناحوم برنياع، أن التاريخ سيكتب عن السابع من أكتوبر 2023 كيوم الفضيحة الكبرى التي لم يعرفها الجيش الإسرائيلي من قبل. ويضيف: “بما يتعدى التفاصيل، كانت حالة الدهشة والذهول مما يبدو سلسلة من الإخفاقات الطويلة. اعترف: بالأمس أحسست أنني لا أعيش في إسرائيل بل في الصومال”.

وتبعته زميلته سيما كادمون في تحليل بعنوان “صورة الفشل” في تلميح لاستبدال “صورة الانتصار” فقالت إن هناك من يقارن بين ما جرى أمس وبين ما جرى في 1973، ولكن عدا المفاجأة، لا يوجد وجه للمقارنة بين تلك الحرب البطولية وقتها وبين المهانة التي شهدناها أمس”.

ويتفق برنياع مع المحلل السياسي في صحيفة “معاريف” وفي القناة العبرية 12، بن كاسبيت، الذي أشار إلى نقل قوات عسكرية كبيرة من الحدود مقابل غزة للضفة الغربية المحتلة إرضاء للمستوطنين وتلبية لطلب الوزيرين المستوطنين إيتمار بن غفير وباتسلئيل سموتريتش، مما ساهم في حدوث فراغ، مكّن قوات حماس من اقتحام المستوطنات وكأنهم في “شمة هواء” بسرعة وبيسر، حتى رأينا مشاهد يتفوّق فيها الواقع على الخيال، وعناصر حماس باللون الأسود في سديروت وعسقلان وفي عشرات المستوطنات يطلقون النار ويقتلون ويأسرون جنودا بعضهم وهم نيام وشبه عراة مما زاد الحرج حرجا.
النبوءة المرعبة

“إذا لم ندوّن دروس عملية التضليل المصرية في حرب 1973، سنفاجأ مجددا ونُضبط ونحن غير مستعدين”. هذه الكلمات كتبها قبيل “طوفان الأقصى” بيوم واحد، رئيس الاستخبارات العسكرية الأسبق أهرون زئيفي فاركاش في مقال نشرته “يديعوت أحرونوت” يوم الجمعة الماضي. وفي الأمس، تبين أنها نبوءة قد تحققّت على الأرض.

وكان المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس” عاموس هارئيل، أشد قسوة في مهاجمة المستويين السياسي والأمني في مقال بعنوان “انهيار المنظومات” توقّف فيه عند فقدان الأمن والجاهزية المعطوبة، وقال إنهما ليستا المشكلتين الوحيدتين، مشددا على أن المفهوم الإسرائيلي العام للتعامل مع قطاع غزة قد تفجر في وجه إسرائيل.

ويشير هارئيل في تحليله لترجيحات وتساؤلات موجودة لدى أوساط إسرائيلية واسعة: “الآن متوقع أن يرد الجيش الإسرائيلي بقوة كبيرة، ومن غير المستبعد سيناريو الاجتياح البرّي داخل غزة وتصعيد في الشمال بعد تراكم إخفاقات كثيرة”.

وعلى غرار مراقبين إسرائيليين آخرين كثر، حمل هارئيل بشدة على نتنياهو، وقال إنه قد أدمن البحث عن الهدوء في القطاع بكل ثمن، لافتا إلى أنه “سيضطر لتسديد ثمن سياسي بعد انتهاء الحرب”.

وهذا ما تؤكده “هآرتس” في افتتاحيتها اليوم، التي اعتبرت فيها نتنياهو المسؤول الأول عن هذا الفشل، وهذه “الهزة الأرضية السياسية- الأمنية المزلزلة”.

وفي عنوانها الرئيس، تذكّر “هآرتس” بوقوع مئات القتلى من الإسرائيليين وعشرات الأسرى بيد حماس.

كعادته، يغرّد المعلق السياسي غدعون ليفي خارج السرب الإسرائيلي في مقال بعنوان “الغطرسة” قال فيه إنه “خلف كل ما نراه، تقف عنجهية إسرائيلية تقليدية، والتفكير الإسرائيلي بأن كل شيء مباح لنا، وأننا لن نسدّد ثمنا ونعاقب على ذلك، وسط تجاهل لوجود نحو مليوني فلسطيني داخل سجن كبير يدعى سجن غزة”.

وقال زميله المعلق السياسي في الصحيفة أوري مسغاف، إن نتنياهو هو صاحب التوقيع على الفشل الذريع في 2023. وعلى غرار مراقبين إسرائيليين آخرين، يتساءل “كيف تمحو إسرائيل هذا العار؟ وهل هي مستعدة لدفع ثمن اجتياح القطاع؟ وماذا عن اليوم التالي وتحمل المسؤولية عن إدارة شؤون مليوني فلسطيني؟ وهل تفعل ذلك رغم وجود عشرات الجنود والمدنيين أسرى داخل في بلدات القطاع؟”.

كما يخشى مسغاف كالكثير من الأوساط الإسرائيلية، من تدهور الأوضاع واستنساخ تجربة “هبة الكرامة” ووحدة الساحات بعد حرب “حارس” الأسوار(سيف القدس) على غزة عام 2021، ومن اشتعال الجبهة الشمالية، فيما تبدو جاهزية الجيش الإسرائيلي غير ناضجة.

يبدو أن إسرائيل في وضعها الحالي ذاهبة لضرب غزة بالنار عن بعد، وإلحاق أضرار كبيرة وغير مسبوقة في القطاع ضمن مساعيها لاستعادة الهيبة والكرامة القومية النازفتين، ودون تسديد أثمان باهظة بجنودها ومدنييها واقتصادها.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 18 / 2342879

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات وقضايا   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

25 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 22

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28