] يا بؤسنا - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
السبت 2 حزيران (يونيو) 2018

يا بؤسنا

برهوم جرايسي
السبت 2 حزيران (يونيو) 2018

انتهت، كما يبدو، جولة من مقاومة الاحتلال، حملت الكثير من البطولات، والكثير الكثير من الدماء والضحايا، لتمهّد لما بعدها. وأظهرت المقاومة الشعبية الجماهيرية الواسعة، رغم الثمن الباهظ والمؤلم الذي دفعته، أنها الأكثر نجاعة أمام الاحتلال، الذي سعى في الأيام الأخيرة، إلى جر المقاومة مجددا، نحو المربع “المريح” له، المواجهة العسكرية، مستغلا الفارق الذي لا يقاس في القدرات. ولكن من جهة أخرى، فإن بؤس الحالة الفلسطينية، أسهم في عدم استثمار هذه المرحلة عالميا بالمستوى المطلوب، لأنه حتى شراسة الاحتلال، لم تُغيّب حدة الصراع الفلسطيني الداخلي، الكارثي.
كان واضحا، منذ أكثر من شهرين، أن الاحتلال سعى إلى إخماد المقاومة الشعبية في قطاع غزة، بأسرع وقت ممكن، لأنه يعرف تماما ضعفه أمام هذه المقاومة، رغم أنه يستخدم كل قوة بهدف قتل أكثر ما يمكن من الفلسطينيين. ولكنه في المقابل، يعرف أن هذا يتسبب بخسارته نقاطا في الرأي العام العالمي، الذي يضغط على حكوماته في دول العالم. وهذا ما رأيناه بعد مجزرة الـ14 من أيار الماضي. لذا فإن الاحتلال سعى للخروج من هذه الورطة أمام العالم، بجر المقاومة إلى المربع “المريح” له، المواجهة العسكرية. وحسنٌ أن هذه المواجهة العسكرية قد انتهت بعد وقت قصير، على أمل العودة إلى مسار المقاومة الشعبية الجماهيرية الواسعة.
أيضا في الضفة، فإن المقاومة الشعبية، على شكل المسيرات الأسبوعية، التي انطلقت قبل 13 عاما، في قرية بلعين، وتمددت إلى مناطق الضفة كافة، تشهد انحسارا ليس مفهوما، في الأشهر الأخيرة، رغم أنها حققت اختراقات كثيرة على مستوى الرأي العام العالمي، وسعى الاحتلال على مر السنين لإخمادها، وهذا الوقت لاستنهاضها.
إلا أن هذا المشهد البطولي، الذي تفاعل فيه مئات آلاف الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة، على مدى الأسابيع الماضية، رافقه بؤس الحالة الفلسطينية الداخلية، صراع متشعب مستفحل، ينعكس في شبكات التواصل، ولكن أيضا ميدانيا. والاحتلال متنبّه جدا للتفاصيل الدقيقة، في مسامات الجسد الفلسطيني، ويسعى دائما لاستثمارها إعلاميا تجاه العالم، في سعي لتبرير جرائمه وسياساته.
في شبكات التواصل كانت مشاهد مقززة، لا يمكن المرور عليها مر الكرام، وكأننا نعيش في كيانات فلسطينية مستقلة متحررة، وفي الوقت ذاته متناحرة، فيها الكثير الكثير من التشفي والاستخفاف، بما يشمل أيضا حالات التخوين والتشكيك. ولم يكن طرف من الأطراف بريئا من هذا المشهد المخزي.
ومن المشاهد المخزية، اختلاق الأخبار الكاذبة، وأيضا في هذا لم يكن طرف من الطرفين الكبيرين بريئا، والمشكلة أن كل خبر مختلق من هذه الأخبار، ينتشر كالنار في الهشيم، لتبدأ الروايات المضخّمة والتهويل، ولتعلق حرب ضروس بين المتناحرين. ومن هذه المشاهد المقززة، التلاعب بصحة الرئيس الفلسطيني، بين اختلاق الأكاذيب، وبين حالات التشفي. فيحق لكل واحد أن يختلف معه سياسيا وفكريا، وهذا شرعي، ولكن لكل شيء حدود.
ووصل حد التناحر، إلى تحويل جنازة شهيد إلى عراك فصائلي، وبث أخبار وإشاعات متناقضة، ولكن في نهاية المطاف فإن المشهد المحزن مضاعف: لرحيل الشهيد، وما رافق جنازته. وكل هذا ترافقه حالات صعب حصرها، ولكن استمرار هذه الحالة، هو نزيف قاتل للشعب الفلسطيني، الذي عليه أن يتمرد على هذا الحال.
ما من شك أن السواد الأعظم من الشعب الفلسطيني يرفض الحالة المفروضة عليه منذ سنوات، وتسهم في عرقلة مسيرته نحو التحرر. وقد قيل الكثير عن هذه المأساة، وفي كل مرّة يقال إنه حان الوقت لإنهاء هذه الحالة، ولكن ما نراه هو غوص أعمق في هذا الوحل.
إن عناوين الخروج من هذه الحالة معروفة، ولا يمكن أن يكون غيرها: تمسك كلي بالمشروع الوطني الفلسطيني دون سواه. والتمسك بمنظمة التحرير الفلسطينية، على أسس استيعاب كل القوى، التي تقرر التمسك بالمشروع الوطني دون سواه. ومن ثم تنظيم الانتخابات للسلطة الفلسطينية، شرط أن تبقى م.ت.ف هي السقف الأعلى من دون منافس، ومن دون التفاف. والتمسك بهذه النقاط، هو مقياس مصداقية التمسك بالمصلحة العليا للشعب الفلسطيني.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 28 / 2342227

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

37 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 37

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28