] تجميل الصهيوني القبيح - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
السبت 30 أيلول (سبتمبر) 2023

تجميل الصهيوني القبيح

السبت 30 أيلول (سبتمبر) 2023

- علي الزعتري

من النادرِ جداً أن يتخلَّى جهاز أمن و سلامة الأمم المتحدة عن الكياسة و احترام كبار الزوار
و الدبلوماسيين الذين يؤُمُّونَ مبنى الأمم المتحدة في كل الأوقات و خاصةً عند اجتماع الجمعية العمومية مع عينٍ رقابيةٍ حازمة. لكن للصبر حدود! فقد أظهرَ المندوب الإرهابي الصهيوني صفاقته المتكررة في الأمم المتحدة كما أَظهرَها من كان قبلهُ في الوظيفة و كما الصهيوني النتن، رئيسهُ، يظهرها للعالم مراراً في الجمعية العمومية. و يبدو أنها التعليمات بأن يكونوا عناوينَ وقاحةٍ تمتد من أطفالِ ونساءِ المستوطنين و لقعرِ الهرم السياسي الصهيوني. لم لا، و العالم يرى أفعالهم البذيئةو أقوالهم و لا يعاقبهم، و قلَّما يؤاخذهم، و إن لامهم فعلىٰ أدبٍ و استحياء. غير أن العِيارَ زاد عن صبر أمنِ الأمم المتحدة هذه المرة فكان التصرف مع الصهيوني القبيح خشناً وغير دبلوماسي عندما استعرضَ ليقاطعَ كلمةَ رئيس دولة فتدَخلَ الأمن و أزاحهُ.

و لعلكم تذكرون وقاحةً تبقى علماً في دوائر الدبلوماسية عامِ ٢٠١٠ عندما تم استدعاء السفير التركي و أُجْلِسَ على مقعدٍ واطئٍ بينما جلس أمامهُ الصهيوني نائب وزير الخارجية آنذاك على مقعدٍ مرتفع في إشارةٍ لا تخلو من إهانةٍ علنيةٍ و مقصودة لمن هم في العُرفِ أنداداً مما أثار غضب تركيا. أتى الاحتجاج الصهيوني الوقح هذا على خلفيةِ عرض مسلسلٍ تلفزيونيٍّ تركي لم يعجب الصهيونية التي أدانته باللاسامية. لا تتوقف القباحة الصهيونية عند حدودَ دبلوماسية أو قانونية أو إنسانية فهي في فلسطين المحتلة و في لبنان و سوريا ضد البشر و الشجر و الحجر. لكن الرئيس جو بايدن قالَ،و هو بلا شك مطلعٌ على سجل الصهيونية المشين، أنهُ “لو لم تكن هناك “إسرائيل” لخلقنا “إسرائيل”، مما يعني قبوله للقبحِ الصهيوني و هو ذميمةً في صُلْبِ هذا الكيان الذي كانت أمريكا بقضها و قضيضها قد خلقتهُ وتبقى تحميه، فلمِ لا يكون وقحاً و قبيحاً و مجرماً؟

لكن هل تشذ القباحة و الوقاحة الصهيونية الفجَّةَ ضد البشر و الشجر و الحجر عن تلك المتعلقة بمسألةِ التطبيعُ معها؟ لقد استدل النتن بالخريطةِ المتغيرة للشرق الأوسط التي توضح نجاح الصهيونية استمالة العرب للتطبيع. لم يأبه بحدود و خطوط بل أعطاها لوناً أَصَمَّ شمل عدة بلادٍ عربية. و لا هو قَلِقَ برأيٍّ عام أن يثورَ عندما تكشفُ وسائل إعلامٍ عن تاريخِ قبيحِ الصهيونية بحق العرب بل و اليهود الساكنين مع العرب في عقودٍ سابقة.

النتن في صفاقةِ طروحاتهِ التطبيعية قاطرةٌ جبَّارةٌ بتصميمٍ مُرَكَّزٍ على التطبيع تمحو فيهِ هذه القاطرة التاريخ و تصنع بدلاً عنه المستقبل الصهيوني. و العرب عربةٌ في القاطرة يعيشون حلم التطبيع المثالي لاستقرار المنطقة و هم هكذا يدعمون مسيرةَ كلمة النتن سواء حضروا أم قاطعوا الجلسة. ينسى العرب ،كمثالٍ على سراب الاستقرار المنشود، تفجيرات بغداد في خمسينيات القرن الماضي التي طالت يهود العراق و ارتكبتها الصهيونية لتخويفهم و ترغيبهم بالهجرة. و ما ارتكبته الصهيونية من مذابح ضد الفلسطينيين سبقها اغتصاب النساء قبل قتل السكان منذ ما قبل تأسيس الكيان رسمياً عام ١٩٤٧. ينسون الدم العربي المراق و الصهاينة يتذكرونه باستخفاف. اعترفَ بهذا، و كأننا لا نعلم، قبل أسابيعَ قليلة من مستوطنةٍ يحتلوها بأرض فلسطين، إرهابيين صهاينة طاعنين في السن و هم يبتسمون و يلقون النكات حول تلك “المغامرة”. ينضمُ هذا المسار الدموي العتيق لسجلات التاريخ التي يتغافل عنها العرب.
و يمضي الوفاق العربي مع الصهيونية، الذي بدأ بمعاهدة كامپ ديڤيد مع مصر و مشى لوادي عربة الأردني و أوسلو و البيت الأبيض و يزحف على الرياض، يتبادل وثائق الصلح و يدخل تدريجياً حيز الدفئ المتصاعد “بالتعاون” التجاري و بغيره مما يمكن تبادله جوائزَ اقتصادية و مصلحية مع “إسرائيل”.

أنواع و حجم هذا التبادل مدهشةً و مرتبةً و منتظمةَ الحدوث. تأخذنا عُنوةً للقبول بالتطبيع واقعاً لن يمكن الوقوف بوجهه. من بلدٍ عربي واحد هناك ١٠٦ رحلات جوية لفلسطين المحتلة و أسبوعياً تعبر مئات الرحلات الجوية الصهيونية الأجواء العربية، وبضمنها أجواءَ السعودية و عُمان والسودان، متجهةً للعواصم العربية المطبعة ولآسيا و أفريقيا. و تعبر الأجواء الفلسطينية المحتلة أسبوعياً مئات الرحلات الجوية العربية المتجهة لتل أبيب و عبرها لأوروبا والولايات المتحدة وكندا. إن عبور هذه الطائرات ليس حدثاً ميكانيكياً بل هو إدارةٌ فيها تبادل الحديث بين القباطنة و الأبراج و إداريي المطارات و تبادل المال مقابل استخدام الأجواء و الخدمات الأرضية، و تبادل المنافع الطارئة مثلما الهبوط الاضطراري الذي حدث في السعودية لطائرة صهيونية قبل أسابيع. و هو أيضاً خدمةٌ اقتصاديةٌ هامةٌ للطيران الصهيوني الذي يقلل من استهلاك الوقود وساعات السفر بقطعه عبر الأجواء العربية مسافةً أقصر، و كذا للطيران العربي الذي كان يلتف حول فلسطين المحتلة فأصبح يعبرها. ثم هو انتقالٌ للألوفِ من الصهاينة والعرب من و إلى عواصم العرب و فلسطين المحتلة تحت سمع و بصر و ترحيب الصهيونية والعروبة الراضية و ما يتبع هذا من تبادلاتٍ نقديةٍ و شخصيةٍ و الأخطرَ هو التعويدَ الشعبي على قبول المحتل الصهيوني تاجراً و سائحاً و رسمياً، مظهراً و جوهراً.

في القطاعات الأُخرى وحسب ما أورده المكتب الصهيوني للإحصاء الشهر الماضي، فإن التجارة مع العرب في ازديادٍ ملحوظ. و في تقريرٍ نشره “بنك إسرائيل” في شهر آذار ٢٠٢٣ كان العنوانَ أن “إسرائيل” لم تعد جزيرةً في اقتصادها. و عَدَّدَ التقرير دلائل هذا الانفتاح فيقول مثلا أن السياحة الصهيونية لتركيا و مصر و المغرب و الإمارات وصلت في ٢٠٢٢ إلى مليون و ثمانمائة ألف مسافر. أما حركة المسافرين عبر مطار الصهيوني بن غوريون فقد شهدت ارتفاعا مضطرداً باتجاه الإمارات و مصر و المغرب و البحرين باستثناء الأردن التي وصلها ١٨٠ ألف مسافر في عام ٢٠١٩ و ٧٧ ألف عام ٢٠٢٢ و يبدو أن فتح الطيران مع دول الخليج استلب من عدد المسافرين الذين اعتادوا استخدام الأردن كنقطةِ انتقال لشرق آسيا. ويعطي التقرير أرقاماً عن السياحة العربية لفلسطين المحتلة في عام ٢٠٢٢ حيث بلغ العدد من الأردن ١٧٠٠٠ و من المغرب و مصر معاً ٨٠٠٠ و ١٤٠٠ من الإمارات و حوالي ٤٠٠ من البحرين. من الواضح أن الرقم الأردني يشمل حركة فلسطينيين أردنيين من و إلى بلادهم أما الأرقام الأُخرى فهي متواضعة و إن في تصاعد. و يستنتج التقرير أن الأردنيين والمصريين لا يبدون رغبةً في قبول “إسرائيل” بينما يسجل حماسٌ لهذه العلاقة مع دول الخليج.

و فيما يخص التجارة فإن تقرير البنك يفيد بتصاعدها السريع مع الإمارات و المتواضع مع مصر والأردن باستثناء قطاع الغاز المصدر للدولتين. و قد أفاد موقع “عربي” الإلكتروني الإخباري من لندن في أيار ٢٠٢٣ بأن الاتفاقيات التجارية بين الإمارات و الكيان وصلت ل ١٢٠ اتفاقية بالإضافة لاتفاقية تجارة حرة و أن هناك ٧٠ شركة صهيونية مسجلة في الإمارات. بينما صرح السفير الصهيوني في الإمارات مؤخراً أنه في الشهور الخمسة الأولى من ٢٠٢٣ زادت التجارة مع الإمارات ب ٤١،٥٪؜ عن نفس الفترة من عام ٢٠٢٢. و تم توقيع اتفاقية تعاون صحي بين المؤسسة الإماراتية “بيور هيلث” و المستشفى الصهيوني “شيبا”. و بحسب القناة i24 الصهيونية فمع المغرب ارتفعت التجارة في النصف الأول من ٢٠٢٣ إلى ٣٨،٥ مليون دولار بزيادة تبلغ ٩٦،٤٣٪؜ عن نفس المدة لعام ٢٠٢٢. و تتوقع “إسرائيل” بعد التطبيع مع السعودية طوفاناً من التطبيع مع دول إسلامية كبرى كأندونيسياو ماليزيا و بنغلادش و مع دول إفريقية متعددة. يستطرد تقرير “بنك إسرائيل” ليقول أن واردات الكيان من المنطقة، و تركيا، في عام ٢٠٢٢ ارتفعت ل ٨،٣ بليون دولار والصادرات ل ٣،٢ بليون دولار، بالإضافة لصادرات الغاز لمصر والأردن التي بلغت ٩،٢ بليون متر مكعب و هو ما يمثل ٤٥٪؜ من إنتاج الغاز من المياه الاقتصادية للكيان في البحر الأبيض المتوسط. و من المتوقع زيادة الكمية المصدرة لتصل ٢٢ بليون متر مكعب في عام ٢٠٢٦. كما يصدر الكيان، حسب التقرير، ٥٠ مليون متر مكعب من الماء سنوياً بسعر مخفض للأردن حسب اتفاق وادي عربة و سيزيد التصدير بكمية مماثلة لثلاث سنوات بدءً من عام ٢٠٢٢ بعد الاتفاق على ذلك مع الأردن الذي يعتبر من أَحَدِّ البلدان في العالم شُحَّاً في مصادر المياه. هذا بالإضافة للاتفاق الأردني الإماراتي مع الكيان لتصدير ٦٠٠ ميغاوات كهرباء مولدة من الطاقة الشمسية في الأردن له مقابل شراء الأردن منه بحد أعلى ٢٠٠ مليون متر مكعب من الماء. كل هذا دليلٌ يسوقهُ التقرير على أن الكيان لم يعد جزيرةً منعزلةً بل مُتَّصِلاً اقتصاديا بالإقليم.

لكن هذا ليس كل ما يُقال. يُقَيِّم تقرير معهد معاهدات السلام الأبراهامي في شباط ٢٠٢٣ العلاقات الإماراتية مع الكيان إيجابياً فإن نسبة المواطنين الإماراتيين القابلين بالسلام تصل ل ٢٥٪؜. و إن كانت نسبة القبول منخفضة بباقي الدول مثل البحرين و مصر و الأردن و الكويت و لبنان و السعودية فإنه يعزو ذلك لعدم ملامسة السلام لشجون و احتياجات السكان، و يحث المعهد القائمين على السلام و الولايات المتحدة لبدء مشاريع مفيدة للإسرائيليين و العرب لاكتساب الدعم الشعبي للسلام و الوفاق. إماراتياً، يتكلم عن التجارة مع الكيان التي وصلت ل ٢،٦ بليون دولار في عام ٢٠٢٢. أما مع البحرين فالرقم لذات العام وصل ل ١٢،٧ مليون دولار، و ٤٠٠ بحريني زاروا الكيان مقابل ٢٧٠٠ صهيوني زاروا البحرين. و يستنتج أن الإمارات أكثر استعداداً ضمن رؤيتها الاستراتيجية للسلام المبني على التسامح الديني، و لأن “إسرائيل” والإمارات احتفظا بعلاقاتٍ منذ فترةٍ طويلة تسبق توقيع المعاهدة.

وأسهب “مركز الدراسات الشرقية” البولندي في ورقةٍ أعدتها كارولينا زييلينسكا في نيسان ٢٠٢٣، عنوانها “إسرائيل و الدول العربية بين الصراع و الاعتماد المتبادل”، حول تاريخ التعاون بين طرفين متصارعين منذ أمد. تعيد الورقة ما يردده السياسيون العرب من ربط التطبيع مع الحل المرغوب للقضية الفلسطينية. لكنها تؤكد أن حركة الإعتماد المتبادل لا تتوقف، و تسوق مثالاً “منتدى شرق المتوسط للغاز” الذي يضم “إسرائيل” و قبرص و مصر و فرنسا و اليونان و الأردن و إيطاليا و السلطة الفلسطينية بدعمٍ من الاتحاد الأوروبي و الولايات المتحدة مما عَمَّقَ علاقات “إسرائيل” مع الدول العربية و مَهَّدَ للاتفاق اللبناني الإسرائيلي عبر وسطاء لترسيم الحدود البحرية لاستغلالها في استخراج الغاز. وتشير الورقة لصعود الإمارات إلى المرتبة ١٨ في قائمة شركاء “إسرائيل” التجاريين بموازاة اليابان و تايوان و البرازيل ناشطةً في قطاعات تقنية المعلومات والتمويل والطاقة المتجددة والزراعة واستثمار المياه و الصحة و الدفاع المدني. و في كانون أول عام ٢٠٢٢ وقعت الإمارات اتفاقيةً مع “إسرائيل” حول الشراكة التجارية لرفع مستوى التبادل من ٢،٦ بليون دولار في ٢٠٢٢ إلى ١٠ بليون دولار سنوياً خلال خمسة سنين. أما مع المغرب فالتعاون مماثل و يشمل بالطبع فتح الأجواء وحرية السفر وعديد الاتفاقيات. تقدر الورقة أن عدد المسافرين للمغرب من “إسرائيل” يتراوح بين ٧٠ ألف و ٢٠٠ ألف في عام ٢٠٢٢. و يمتد التعاون للشركات الإسرائيلية للعمل في المغرب في قطاعات الغاز وتحديث المنشآت الصحية و إنتاج الهيدروجين الأخضر و الزراعة و استثمار المياه والتعاون العسكري. وتشير الورقة للانفتاح السعودي على التطبيع السلس عبر الزيارات التجاريةوفتح الأجواء للطيران و السياحة. ولا تغفل الورقة عن ذكر “السلام البارد” مع مصر والأردن لعزوف المصريين والأردنيين عن قبول التعامل مع “إسرائيل” غير أنها تذكر المشروع الإماراتي الأمريكي بمجال تبادل الطاقة النظيفة و الماء بين الأردن و “إسرائيل”. لكن الورقة لا تخفي عدم وجود مقدرةٍ عربيةٍ على لي السياسة الصهيونية للتنازل رغم ربط التطبيع بتغيير في مواقف “إسرائيل”. و يبدو لي أن المنافع السياسية الضئيلة أو غير الموجودة لم و لن توقف عجلة التعاون العربي بأشكاله مع الصهيونية، و هذا بحد ذاته نجاحٌ للسياسة الصهيونية.

في حزيران ٢٠٢٣ نشرت وزارة الحرب الصهيونية تقريراً عن مبيعات الكيان العسكرية في عام ٢٠٢٢. من أصل ١٢،٥ بليون دولار من الصادرات كانت حصة الدول العربية، مع ذكر الإمارات و البحرين و المغرب تحديداً، حوالي ربع هذا المبلغ، أي ٣ بليون دولار. و في عام ٢٠٢١ بلغت مشتريات الإمارات والبحرين من العتاد الصهيوني ٨٥٣ مليون دولار من أصل مبيعات الكيان التي بلغت ١١،٤ بليون دولار. تشمل هذه المبيعات مسيرات طائرة و صواريخ دفاع جوي و تصنيع تقنية عسكرية. و في تموز ٢٠٢٣ اجتمع في البحرين أعضاء مبادرة N7 بالشراكة مع “المجلس الأطلسي” لتدارس تنشيط التبادل التجاري بين “إسرائيل” و الدول العربية والإسلامية ضمن مفهوم تعاهدات أبراهام. N هنا ترمز للنقب و ٧ للأعضاء و هم المغرب و السودان و مصر و الأردن و “إسرائيل” و البحرين و الإمارات. و من المعروف أن الأردن لم يشارك مؤخراً باجتماعات النقب. يتتوج هذا المسعى ربما ليس كنتيجةٍ مباشرة لكنه في ذات الاتجاه و النوايا بالإعلان عن مشروعين عملاقين قبل أيام. أحدهما للنقل البحري و البري من الهند عبر الجزيرة العربية و “إسرائيل” نحو أوروبا و هو ما بات يطلق عليه مشروع بايدن، والثاني لمد خطين من الألياف الزجاجية الناقلة للمعلومات الومضية الإلكترونية عبر الخليج العربي والثاني عبر البحر الأحمر مروراً بالدول العربية المطلة، باستثناء الكويت و العراق، ثم عبر الأردن و “إسرائيل” نحو مارسيليا الفرنسية على البحر الأبيض المتوسط. و المثير أن المشروعين يشكلان ابتعاداً مقصوداً عن مصر، و فيما يتعلق بالخط البري البحري فهو تثبيط لنشاطات الصين في المنطقة و تداخلٌ مع خطط تركيا و العراق و إيران لخطوط نقل مماثلة. لكن المثير الأكثر فيما يخص الطريق العابر من الهند لحيفا المحتلة أن ٧٠٪؜ من ميناء حيفا مملوك لمجموعة أداني الهندية و أن الهند و “إسرائيل” قد وقعتا عام ٢٠١٧ اتفاقية شراكة استراتيجية وأن مورد السلاح الثاني للهند بعد روسيا هو “إسرائيل”! أما المثير الثاني بموضوع تمديد الألياف الضوئية أن “غوغل” تنوي مَدَّ وصلتها الخاصة عبر السعودية و الأردن و “إسرائيل” بكلفة ٤٠٠ مليون دولار.

كل هذا الجهد العملاق لتأسيس بُنىٰ تحتية ينتهي بالشواطئ الفلسطينية المحتلة بعد أن يعبر الجزيرة العربية و الأردن و لكل شريكٍ فيها مصلحة. لكن نهاية الخط و بدايته هي مصالح “إسرائيل” في ترسيخ التطبيع السياسي عبر المنافع الاقتصادية. “إسرائيل” التي تحلم ببناء سكة حديد الحجاز، و ما نراهُ من أحلامٍ لها كانت، تصبحُ اليوم حقيقةً بمرور السنوات و بفضل التطبيع. و فجأةً يبرز الشرق الأوسط الجديد و خطة ترمپ لصفقة القرن و طريق بايدن السريع على وقعِ التطبيع، و الرابح الأول هو الصهيوني القبيح.

لا شك أن تجميلَ الصهيوني القبيح عمليةٌ تتم عبر فرضَ أمورَ واقعةً سياسياً عبر الصلح و من ثم بالتبادلات التجارية و حركة الناس و بناء اعتمادٍ متبادلٍ في قطاعاتٍ حيوية مثل الطاقة و المياهو الأمور العسكرية. و هو تجميلٌ تقوم به الحكومات و قد تنأى عنه الشعوب لكنه يؤسس حقائق ارتكاز اقتصادي و خدمي و أمني شديد التعقيد و التشبيك يمسُّ الشعوب من حيث لا تدري و لن يمر زمنٌ طويلٌ قبل أن تدرك هذه الشعوب حقيقةِ إدمانها غير القابل للعلاج على مكافآت التطبيع. فهي قد ترفض أن تشتري بضاعةً صهيونيةً يعرضها بائعٌ في دُكان و لا تعلم أنها تدور في فلكِ حياةٍ تمنحها القدرات الصهيونية الهائلة عبر هذه المشاريع والاتفاقيات الكثير من مقومات وجودها. قد يبقى الصهيوني قبيحاً لكنهُ قبيحٌ يتحكم و ينجح بفضل عربٍ أرادوا نسيان قبحهِ و تجميلَهُ. و الله أعلم ماذا ينتظرنا.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 17 / 2342879

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات وقضايا   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

45 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 46

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28