] إيران بين القوة والسلوك القومي - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
السبت 2 حزيران (يونيو) 2018

إيران بين القوة والسلوك القومي

ناجي صادق شراب
السبت 2 حزيران (يونيو) 2018

في كتابهما «نظرية السياسة الخارجية» أشار الكاتبان جلين بالم وكليفتون إلى أن الدول في سياستها الخارجية تسعى إلى تحقيق إحدى السلعتين أو السلعتين معاً، وهما الحفاظ على الوضع القائم أو السعي لتغيير الوضع القائم، وهذا السعي والسلوك يعتمد على حجم الموارد وعناصر القوة المتاحة والممكنة للسياسة الخارجية، إلا أن هذه الحسابات تتوقف أيضاً على نفس السلوك للدول الأخرى، وهنا الإشكالية السياسية التي تواجه الدول وخصوصاً في مناطق الاستهداف الاستراتيجي كالعالم العربي ومنه الخليج.
هذا التوصيف ينطبق على السياسة الخارجية الإيرانية ودورها وسعيها لأن تصبح دولة قوة إمبراطورية. وهنا توظيف القوة والسعي لامتلاك القوة لتحقيق الهدف، أو السلعة الثانية بتغيير الأمر القائم بما يتفق ونظرية الدور والتمدد المكاني الذي تسعى إيران لتحقيقه.
هنا تقع إشكالية السياسة الخارجية الإيرانية، وعلاقاتها مع دول المنطقة وخصوصاً منطقة الخليج العربي، التي تعتبرها إيران منطقة مجالها الحيوي التي لا ينازعها عليها أحد، بما فيها دول المنطقة، إضافة إلى الدول الكبرى كالولايات المتحدة التي تعتبر المنطقة منطقة مصالح استراتيجية عليا، ولا تقبل أن تنازعها قوى أخرى، وهذا لمسناه بعد الحرب الثانية والتنافس بينها وبين الاتحاد السوفييتي يومها، حيث كان من أهدافه الوصول للمياه الدافئة. وما لم تدركه السياسة الإيرانية أن دول المنطقة لم تعد هي نفس الدول التي تعاملت معها في سبعينات القرن الماضي، فأصبحت لهذه الدول دورها ورؤيتها لمجالها الحيوي التي لا تقبل بسيطرة أية دولة أخرى. ومن هنا التنازع والخلاف بين الدول الخليجية وإيران التي تسعى لبسط سيطرتها على منطقة مجال حيوي ليست لها.
واستناداً لنظرية القوة في العلاقات الدولية قد يكون من حق أي دولة أن تملك وتطور سلاحها الخاص بها، بما لا يشكل تهديداً لغيرها من الدول الأخرى، ولا اعتراض على حق إيران في أن تصبح دولة قوة، لكن الاعتراض على السلوك السياسي، والدور الإيراني الذي تسعى لنشره. أحد أهم إشكاليات السياسة الإيرانية تكمن في سلوكها السياسي، والبعد القومي الذي يطغى على تحديد إدراك ورؤية النخب الحاكمة فيها. ومما زاد الأمور تعقيداً أيضاً إضفاء البعد المذهبي على سياستها.
ومنذ أن تخلصت من وظيفة ودور شرطي الخليج بالوكالة في زمن الشاه إلى دور الدولة صاحبة الدور المباشر بعد الثورة الخمينية بدأت ملامح هذا الدور في التبلور والتشكل، وبدلاً من الانفتاح والتحرر من العقدة القومية إلا أن الثورة تمسكت بها وبدرجة أكبر، فقوت سيطرتها على جزر الإمارات الثلاث التي احتلتها في أعقاب الانسحاب البريطاني في سبعينات القرن الماضي، ودخلت في حرب مع العراق، وأعلنت أن أحد أهدافها تصدير مبادئ الثورة، والتأكيد على أن الخليج كله خليج فارسي، وأن مفهوم أمنها هو الذي يجب أن يسود، وهذا كله تسبب في خلق حالة من انعدام الثقة وفقدان الحوار. ولقد أدركت إيران أن هذه الأهداف الإمبراطورية تحتاج إلى تطوير قدراتها العسكرية وخصوصاً السعي لامتلاك قدرات نووية، إيماناً منها أن ذلك يحسم دورها في المنطقة، والقبول به من قبل كل الدول الأخرى المعنية، وبدأت فعلاً في عمليات التخصيب وصولاً إلى اتفاق (5 زائد واحد).
وتمدد وجودها إلى العراق وسوريا واليمن ولبنان، متجاهلة أن هذه المنطقة سوف تجعلها على تماس مباشر مع «إسرائيل» بما يغير معادلة الصراع القائمة، ومن هنا تتزايد احتمالات الحرب بينها وبين «إسرائيل»، والتي في حال وقوعها ستكون على حساب الأمن العربي (!)، إذاً الهدف الإيراني واضح هو تثبيت مشروعها القومي ليتجاوز مفهوم الأمن القومي العربي.
إن انسحاب إدارة الرئيس ترامب من الاتفاق النووي أفقده أحد أهم أركانه ووضع مستقبل الاتفاق على المحك، كما وضع إيران أمام خيارات محدودة في مواجهة الضغط الأمريكي وفرض العقوبات عليها، في هذا السياق لعبت غطرسة القوة دوراً حاسماً في السلوك السياسي الإيراني، ولم تدرك طهران طبيعة التحولات في موازين القوى الإقليمية والدولية، وتجاهلت أن دول الخليج لم تعد الدول الضعيفة، بل أصبحت أيضاً دول قوة، وقادرة على الرفض ومقاومة كل سياسة تنال من مصالحها القومية.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 36 / 2342879

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 8

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28