] فارس بويز: صهر المرحلة يتحدّث - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الثلاثاء 15 آب (أغسطس) 2023

فارس بويز: صهر المرحلة يتحدّث

الثلاثاء 15 آب (أغسطس) 2023 par اسعد ابو خليل

حدّث فارس بويز بإسهاب في مقابلات مطوّلة مع غسان شربل في جريدة «الشرق الأوسط» (والمقابلات مع غسان شربل تشترط عدم التطرّق إلى حقائق تزعج المصلحة السعوديّة العليا مع تفضيل لإيراد كل ما يمكن أن يزعج أعداءها وخصومها). والعناوين تركِّز على خصوم السعوديّة وتغفل عن حلفائها. وفارس بويز هو من إفرازات مرحلة سيطرة النظام السوري في لبنان. والنظام السوري هو الذي انتقى إلياس الهراوي رئيساً، كما انتقى قبله رينيه معوَّض (أصبح اللبنانيّون يستسهلون اتّهام النظام السوري بقتل أدواتهم في لبنان). وفارس بويز لم يدخل العمل السياسي إلا من باب القرابة: حالة مألوفة من صهر الرئيس عندما يصبح الأخير متنفّذاً (جرى ذلك في عهود عدّة بما فيها أخيراً عهد ميشال عون). جمال عبد الناصر لم يسمح لأشرف مروان بأي دور، لكن السادات انتقاه وأوكل إليه مهام (تجسّسيّة وغيرها) نكايةً بالرئيس الذي قضّ مضجعه بسبب شعبيّته وعالميّته.

والد فارس بويز، النائب نهاد بويز، كان برلمانياً محترماً (كتلويّاً) نابذاً للطائفيّة. عرفنا فارس بويز أوّل ما عرفناه عندما انتُخب إلياس الهراوي رئيساً، وطفق يرسل بيانات إلى الصحف ممهورة بتوقيع «المحامي فارس بويز»، أي أن عمله في المحاماة هو الذي أدخله العمل السياسي. لكن فارس بويز صريح، كما منى الهراوي، حول طبيعة علاقة عهد الهراوي بالنظام السوري. فقط في الحلقات مع غسان شربل، يبرز بويز بصورة البطل القومي والوطني الذي يقارع النظام السوري وحيداً، من على صهوة جواد مطهّم. لكن، للأمانة، ليس بويز وحده في زعمه. معظم النوّاب والوزراء الذين تبوّأوا مناصبهم في زمن النظام السوري، والذين حفظوا طريق بيروت-عنجر عن ظهر قلب، يحاولون اليوم إقناعنا أن النظام السوري حاربهم، مع أنهم يزعمون (في محطات أخرى) أن النظام السوري هو الذي كان يختار النوّاب والوزراء. فؤاد السنيورة في شهادته أمام محكمة الحريري الدوليّة استفاض في الحديث عن معاناته في الوزارة كما عانى صديقه رفيق الحريري في رئاسة الوزارة. ومعاناة السجن لا تقلّ عن معاناة الوزارة ورئاسة الوزارة.
كيف انخرط فارس بويز في النيابة؟ يروي القصّة لغسان شربل. يحتاج إلى تسويغ لأن المقاطعة المسيحيّة لانتخابات 1992 كانت شبه تامّة، وفازت فيها مها الخوري عن مقعد في جبيل بنحو 40 صوتاً. فارس بويز لم يترشّح طوعاً. يقول إن رئيس أركان الجيش السوري، حكمت الشهابي، أجبره على الترشّح للانتخابات. لم يقل إن حكمت الشهابي هدّده، بل قال إنه أصدر له «شبه تهديد». لكن لماذا يحتاج النظام السوري إلى ترشيح فارس بويز الذي لم يكن معروفاً يومها خارج الزوق؟ رضخ فارس وأصبح نائباً. إنها معاناة رجل قارعَ النظام السوري، وحيداً. ويتحدّث بويز عن طبيعة الصراع في داخل النظام السوري حيث ابتاع رفيق الحريري لنفسه جناحاً خاصاً به يضمُّ، فيما يضمّ، الفاسدين الثلاثة: خدّام والشهابي وغازي كنعان. وصحف المرحلة، بما فيها «الشراع»، نشرت يومها أن الحريري كان يدفع مرتّباً شهريّاً أيضاً لإلياس الهراوي، لكن ذلك لم يرد في سلسلة فارس بويز يتذكّر. هو يقول إنه كان «من الوحيدين» الذين لم يستفيدوا من رفيق الحريري، لكن الاستفادة عمّت في صفوف عهد الهراوي. يقول إنه عارض الحريري بسبب الهيمنة لكنه عاد وتصالح معه، فقط بسبب مشاركة الرجليْن في معاداة ومحاربة إميل لحّود.

ويتحدّث بويز عن إميل لحّود، وهو من غير طينة إلياس الهراوي، من كلّ النواحي وخصوصاً من ناحية النزاهة والترفّع عن إغراءات المال، من الحريري أو من غيره. يقول إنه لم يرد إميل لحّود لقيادة الجيش لأنه ضابط بحري «في بلد لا توجد لديه قوّة بحريّة». وهل للبنان قوّة جويّة؟ أو حتى بريّة؟ من الواضح أن بويز يريد أن يسدّد حسابات ضد لحّود، الذي يسهُلُ التعرّض له لأنه ليس محسوباً على دولة خليجيّة. ثم يعترض أن لحّود لم يخض «معارك فعليّة» في لبنان. معارك فعليّة مثل المعارك الفعليّة التي خاضها ميشال عون (وهو يذكر ميشال عون من باب المقارنة)؟ المعارك الفعليّة لضباط الجيش في حينه كانت حصراً المشاركة في الحرب الأهليّة، وإلى جانب ميليشيات اليمين الانعزاليّة. إذا كان إميل لحّود لم يشارك في مجزرة تل الزعتر (وهي شهدت مشاركة لميشال عون يومها) فإن ذلك يُشرِّف إميل لحّود ولا يذمّه.

ذكريات بوزير فيها الكثير مما يعاكس الصورة التي رُسمت عن رفيق الحريري بعد اغتياله

ويتحدّث عن التمديد لعمّه، إلياس الهراوي، بسلاسة لكن بطريقة مختلفة كليّاً عن تعاطيه مع التمديد لإميل لحّود. وبويز عارض تمديد لحّود بشجاعة يحسد نفسه عليها، لكن التمديد لعمّه العزيز كان من ضرورات النظام السوري بسبب تعاطي بويز البارع مع «الاستحقاقات الدوليّة». يقول إن لحّود «أراحَ» سوريا، أي إن الهراوي وبويز أتعبا سوريا. يمكن قياس المسألة بعدد زيارات الثنائي الهراوي-بويز لسوريا مقابل زيارات لحّود، الذي لم يكن يعرف أياً من قيادات النظام السوري عند طرح اسمه للرئاسة. أليس بويز هو صاحب شعار «وحدة المسار والمصير»؟ أليس الهراوي الذي كان يستنجد، مثله مثل رفيق الحريري، بالمخابرات السوريّة لتدعيم وجهة نظره في الخلافات بين الرؤساء؟ أمّا لحّود فكان له شرف طرد غازي كنعان من لبنان ومن الملف اللبناني برمّته. لم يجرؤ أي زعيم لبناني على معارضة مشيئة غازي كنعان من قبل. كان كل هؤلاء أدوات بيد كنعان الذي كان يتلذّذ، مثله مثل خلفه رستم غزالي، بإهانة السياسيّين اللبنانيّين. وهو يعترف أن لحّود لم يتعاطَ مع النظام السوري إلّا بطريقة غير مباشرة عبر جميل السيّد (ولم تكن العلاقة بين السيّد وبين لحّود علاقة ممتازة، عكس ما أوحى بويز).

فارس بويز لم يتعامل مع النظام السوري إلا بواسطة حافظ الأسد. هذه أصبحت لازمة في شهادة الذين كتبوا عن تجربتهم السياسيّة في زمن النظام السوري. الكلّ كان صديقاً شخصيّاً لحافظ الأسد، الذي لم يكن له أصدقاء البتّة. يقول بصفاقة إن النظام السوري فضّل إميل لحّود (الذي لم يكن مثل الهراوي يزرع طريق الشام ذهاباً وإياباً على مدى سنوات) لأنه يتلقّى الأوامر. وهل خالف الهراوي وبويز أوامر النظام السوري؟ هل هناك مثال واحد، غير البطولات الوهميّة التي حاكها بويز في أحاديث مجلس غسان شربل، عن معارضته للنظام السوري؟ وبويز يعترف دائماً أن الذي اختاره لوزارة الخارجيّة في عهد الهراوي لم يكن عمّه العزيز، بل حافظ الأسد. وهل كان الأسد يختار مَن لم يكن مطيعاً وموالياً له بالكامل؟ أم أنه اختارك لتقديره لممارستك مهنة المحاماة في لبنان؟ أم لأنك جريء وتُعارض النظام السوري كما رويتَ؟
يقول إنّ إميل لحّود كان بعيداً «عن الموضوع السياسي». هذا صحيح إذا كان يعني بالموضوع السياسي الخبث والنفاق والتلاعب والاستفادة الماديّة من أثرياء السلطة. ويقول إنّ المخابرات السورية روّجت لترشيحه رئيساً لخلافة عمّه لأنه «لا يتلقّى تعليمات من أحد». هل يقول إنّ المخابرات السورية كانت تبحث عن رجال لا يتلقّون أوامر منهم؟ هل كانت المخابرات السورية تسعى إلى إنشاء جمهوريّة فاضلة في لبنان؟ ويسوق هذا الثناء على شخصه للقول إنّ إميل لحّود كان يتلقّى الأوامر. حسناً، لنقارن الثنائي الهراوي وبويز مع لحّود بالنسبة إلى غازي كنعان. مَن الذي اعترض عليه؟ الثنائي أم لحّود؟
والرجل معتد بنفسه كثيراً ويظهر هذا في وقفاته المنبريّة. يعوّض عن طلاقة تعوزها الفصاحة بتضخيم الصوت الجهوري وتفخيمه. يقول عن خطاب له في بروكسل: «والحقيقة أنه كان لهذه المداخلة وقع ممتاز». أثارَ الإعجاب. لكن إعجاب حافظ الأسد به (حسب روايته هو طبعاً) يزيده إعجابه بنفسه إعجاباً. من الواضح أن الأسد كان المُلهم له. يقول لشربل مذهولاً بنفسه: «كل هذه الأمور (أي إطلالاته ووقفاته على المنابر) كان حافظ الأسد يتابعها بحذافيرها. هل تصدّق أنه شاهد خطابي في مدريد ستّ مرات على الفيديو وكان في كل مرّة يشاهده يختار منه مقاطع، ويسألني عندما ألتقي به: “والله من أين أتيت بهذا المقطع؟”». يزهو بعدد زياراته إلى حافظ الأسد («التقيتُ بحافظ الأسد أكثر من ثلاثين مرّة وربما وصلت إلى الأربعين»). فيما يصنّف إميل لحوّد بأنه مُوال لسوريا، مع أن عدد زياراته إلى سوريا كان الأقلّ عدداً مقارنة بأسلافه. زكّاه حافظ الأسد للرئاسة قائلاً لعمّه: «أثبت الأستاذ فارس فعلاً جدارة وحكمة».

وتحدّث عن أمر تعيينه في حكومة رفيق الحريري في عهد لحّود. لم يكن يتوقّع التوزير أبداً. كان يحضّر للمعارضة، حسب روايته. لكنه سمع أنه قد يُعيَّن وزيراً للبيئة فاعتبر ذلك «تحجيماً» له لأنه أكبر من البيئة (مع أنه «يحب» البيئة حسب ما أعلم غسان شربل، وهو يمارس حب البيئة في رحلات صيد دوريّة في رومانيا). وفاجأ بويز الجمهور بأنه يفهم في البيئة. يقول إنّ الحريري أصرّ عليه أن يصبح وزيراً في حكومته (كما أن حكمت الشهابي أصرّ عليه كي يصبح نائباً. إلحاح الجماهير لا يتوقّف). لكن الرواية الحقيقيّة عن توزيره مختلفه. جاء إلياس الهراوي (الذي ينام باكراً) إلى إميل لحّود في ساعة متأخرة من الليل وتوسّل من لحّود أن يعيِّن الصهر العزيز وزيراً. بكى في توسّله وقال إنّ زوجته وابنته تلحّان عليه. رضخ لحّود، للأسف. لكن الحريري قال للحّود: لا توزّره. هذا يكرهك. ثم قال لبويز: أنا كنتُ أريدك وزيراً للخارجيّة لكن لحّود رفض (وبالفعل عبّر بويز عن خيبته للحّود لأنه تسلّم وزارة ليست على مقامه الرفيع).
كان وليد جنبلاط يريده رئيساً للجمهوريّة. لم يلحّ عليه أحد. ذكريات بوزير فيها الكثير ممّا يعاكس الصورة التي رُسمت عن رفيق الحريري بعد اغتياله. يتّضح كم أنه كان أداة طيّعة بيد المخابرات السورية. يدعو الحريري إلى اجتماع لمجلس الوزراء «فهمت أنه قد يكون جاء إيعازاً إلى الرئيس الحريري من غازي كنعان». وعن تفاهم نيسان الذي ارتبط اسمه باسم رفيق الحريري، يقول بويز (وعن حق) إنه لم يكن للحريري يد فيه أبداً. وتفاهم نيسان هو إنجاز لانتصارات المقاومة وليس للذين يتسلّقون على انتصاراتها بعد أن كانوا يتآمرون ضدّها. يقول عن الحريري: «لم يتحرّك. لم يكن مقتنعاً بها. رُكب الموضوع في 90٪ منه ثم أتى الحريري لقطف الثمار». كما يروي أن الحريري وصف المقاومين بـ«الزعران» الذين «يجرّوننا إلى دمار البلاد». هذا هو الرئيس المقاوم. ويقول الحريري للأسد إنه يتحدّث مع خدّام نحو 15 مرّة في اليوم.

يتحدّث عن زيارة إلى ليبيا ولقاء القذّافي وعن إعداد الوفد عرض الهراوي على جنبلاط الانضمام فما كان من الأخير إلا أن أجاب: «لا، لا، لا. العقيد القذافي يعرف رقم حسابنا وصار له زمن لم يقم بواجباته». ثم يتساءل البعض عن سبب انهيار الحركة الوطنيّة وعن لحاق الحزب التقدمي الاشتراكي برفيق الحريري.

ستصدر مذكرات بويز في كتاب وسيكون لي جولة تفصيليّة فيها. لكن موسم إعادة رسم السيَر وتلفيق التاريخ مزدهرة في لبنان.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 15 / 2342879

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

31 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 31

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28