] عباس يقيل المحافظين.. الدوافع والسياقات - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الثلاثاء 15 آب (أغسطس) 2023

عباس يقيل المحافظين.. الدوافع والسياقات

الثلاثاء 15 آب (أغسطس) 2023 par وسام ابو شمالة

من دون مقدمات، وبشكل مفاجئ، قرر رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إقالة 12 محافظاً في الضفة الغربية وقطاع غزة. لم يعلموا بقرار الإقالة إلا بعد إعلانه عبر وسائل الإعلام، ما أثار علامات سؤال متعددة عن أسباب القرار ودوافعه.

يدرك أبو مازن ما تعانيه السلطة الفلسطينية من أزمات خطيرة، تكاد تكون غير مسبوقة منذ نشأتها، وبات يخشى من انهيارها أكثر من أي وقت مضى، وعلى الرغم من إدراكه هذا، يسعى الرجل لإثبات العكس، من خلال خطوات تمنحه تصدير صورة الرئيس القادر على اتخاذ القرارات لاستعادة مكانة سلطته المتآكلة ولو من خلال الشكل دون المضمون.

لا تنفصل قرارات الإقالة عن قرار عقد لقاء الأمناء العامين للفصائل في القاهرة، الذي عقد قبل أيام، ولم يرد منه رئيس السلطة إلا الصورة التي حرص على إخراجها بالشكل المناسب، وهي موجهة بالأساس إلى الداخل الفتحاوي، بأنه ما زال موجوداً وقوياً ويحظى بالشرعية، كما أنها موجهة إلى الخارج، إقليمياً ودولياً، لا سيما الطرف الأميركي.

الصورة تكررت في جنين، بعد معركة “بأس جنين”، من خلال زيارة خاطفة وسط مشاركة شعبية، لم يحرص عليها الرئيس سابقاً، إذ يُعرف عنه عدم شغفه بالفعاليات الشعبية، كما أنه لا يولي الجماهير الاهتمام والاحترام.

يبدو أن أكثر ما تردد على مسامع محمود عباس في الأشهر الأخيرة من ضيوفه الأميركيين و“أصدقائه” العرب، أن السلطة ضعيفة ومهددة وعاجزة عن القيام بدورها، بينما يصرح قادة العدو بذلك علناً، على نحو لا يخلو من رسائل التهديد والتخويف.

لا شك في أن استمرار المقاومة وتصاعدها في الضفة الغربية يتعارض مع السياسات الأميركية الهادفة إلى خفض التصعيد، كذلك فإن سياسات حكومة نتنياهو في الضفة الغربية، على صعيد الاستيطان والضم وتقويض حل الدولتين، لا تتفق مع الرؤية الأميركية، بيد أن الإدارة الأميركية تدرك أنها قادرة على الضغط على السلطة، بينما ما تزال إرادتها محدودة في الضغط على “إسرائيل”.

خطوات أبو مازن الشكلية صاحبتها إجراءات عملية، بتكثيف عمل الأجهزة الأمنية في إجهاض عمليات المقاومة في الضفة الغربية، وملاحقة عناصر المقاومة واعتقالهم، إلى جانب العمل على احتواء ظاهرة المجموعات المسلحة العابرة للفصائل، بترغيب عناصرها في التخلي عن المقاومة مقابل الحصول على وظيفة في أجهزتها الأمنية، والتعهد بعدم الملاحقة والمطاردة.

رئيس السلطة يدرك أن وزراء اليمين الفاشي في حكومة نتنياهو لا يريدون للسلطة أن تبقى، ويسعون للتخلص منها، بهدف فرض السيادة الكاملة على الضفة الغربية، وأنهم في سباق مع الزمن لتحقيق أهدافهم، وبدلاً من قيام الرئيس بإعادة النظر في مساره السياسي، من خلال توسيع دائرة الاستماع والمشورة داخل حركة فتح أو عبر البحث مع القوى الفلسطينية لدراسة سبل مواجهة الحكومة الفاشية وإجهاض مخططاتها، بدلاً من ذلك، سارع الرجل إلى تبني المسار نفسه وأصرّ على نهجه وبرنامجه، وهو ما كشفته اللقاءات الثنائية والعامة مع الفصائل الفلسطينية.

سياق آخر حملته قرارات الإقالة، وهو السياق الداخلي لحركة فتح والسلطة، في ضوء ترهل المؤسسات التي يرأسها أبو مازن (فتح والسلطة والمنظمة)، وفي ظل الشيخوخة والمرض اللذين يعاني منهما الرجل، برزت صراعات حول الخلافة، صاحبتها مساعي أقطابها لتقوية نفوذها، وتحدثت مصادر مختلفة أن حسين الشيخ وماجد فرج المقربين من الرئيس، هما من أقنع أبو مازن بالقرارات، كون عدد من محافظي الضفة مقرباً من جبريل الرجوب، أحد الأقطاب الطامحة لخلافة عباس، ما يعني أن قرارات الإقالة لا تنفصل عن الصراع الداخلي، كما أن قيادات وازنة داخل حركة فتح تدفع في اتجاه إجراء تغييرات أكبر، تفضي إلى استعادة شعبية الحركة، التي اعترف نائب رئيسها، محمود العالول بتدهورها، قائلاً: “أستطيع أن أقر بتراجع حضور فتح بين الجماهير”.

وأرجع العالول تراجع شعبية الحركة إلى فشل الخيارات السياسية التي تبنتها.

إن خطوات رئيس السلطة، مؤخراً، لن تفضي إلى تحسين مكانته السياسية والشعبية، أو استعادة شرعية السلطة التي تآكلت على المستويات كافة، لأن أزمة السلطة أبعد من كونها أزمة شخصيات غير مقبولة شعبياً، بل هي أزمة سياسية نتيجة تمسك رئيسها بخياراته التي ثبت فشلها، ورفضه القاطع لخيار المقاومة بأشكالها كافة، الأمر الذي يجب أن تتداركه حركة فتح على مختلف مستوياتها، فالبحث عن المخرج من أزمة السلطة يجب أن يبدأ من إعادة تغيير وظيفة السلطة، واستعادة اللعب بالأوراق والخيارات في مواجهة الاحتلال وحكومته الفاشية.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 14 / 2342879

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

6 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 6

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28