] تقييم معركة “ثأر الأحرار”.. إيجابيات وملاحظات - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الثلاثاء 16 أيار (مايو) 2023

تقييم معركة “ثأر الأحرار”.. إيجابيات وملاحظات

الثلاثاء 16 أيار (مايو) 2023 par عمرو علان

يجدر التنبيه إلى وجوب مراقبة الطريقة التي سينظِّم فيها الاحتلال “مسيرة الأعلام” في الأيام القادمة، وإذا ما كان المستوطنون بالفعل سيقتحمون باحات المسجد الأقصى.

بعد أن وضعت معركة “ثأر الأحرار” أوزارها، صرَّح الأمين العام لحركة “الجهاد الإسلامي”، زياد النخالة، بأن “المقاومة خرجت من المعركة وسلاحها في أيديها، ومقاتلوها في الميدان جاهزون لمقارعة أيّ عدوان”، إذ كانت “سرايا القدس”، الجناح العسكري لحركة “الجهاد الإسلامي”، مَن تصدَّر تلك المعركة على مدار خمسة أيامٍ من القتال المشرِّف، وصار من الممكن الآن بعد دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ، استخلاص العِبَر من مجريات تلك المعركة ومحاولة تقييمها.

بدايةً، لقد استطاع العدو خلال المعركة استهداف ثلَّةٍ من قيادات “سرايا القدس” العسكرية، لكنه لم يستطع ترميم قدرته الردعية، كما كان يهدف بصورةٍ رئيسةٍ من وراء شنِّ عمليَّته العسكرية، فإطلاق الصواريخ من غزَّة، استمر حتى الدقيقة الأخيرة قبل دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ، بل على العكس، أثبتت التكتيكات العسكرية المستحدثة التي استخدمتها “غرفة العمليات المشتركة” فعاليةً تفوق ما كان يحصل سابقاً خلال جولاتٍ مماثلةٍ.

فقد اتبعت المقاومة أسلوب “الصمت المُعبِّر”، واعتمدت ميدانياً تكتيك الرشقات الصاروخية المتباعدة لكن المكثفة، وقد أظهر هذا التكتيك فعاليةً في تحسين أداء صواريخ المقاومة في مواجهة منظومة “القُبَّة الحديدية” الاعتراضية، وقد تجلى ذلك في نوعية الإصابات التي أوقعتها المقاومة في منشآت العدو، وتحقيق عدة إصابات في صفوف المستوطنين بين قتيلٍ وجريحٍ، وُصِفت جراح بعضهم بالخطيرة، هذا ناهيك بإظهار قدرة تحكمٍ ميدانيةٍ عاليةٍ لدى “غرفة العمليات المشتركة” في وحداتها القتالية على الأرض، وكثافة النيران المستخدمة وحجمها وتوقيتها.

لقد حوَّلت فصائل المقاومة الفلسطينية تصريحات العدو هذه المرَّة، والتي قال فيها إنَّه يخوض المعركة ضد حركة “الجهاد الإسلامي” دون غيرها، إلى فرصةٍ للعمل بإستراتيجيةٍ قتاليةٍ جديدةٍ، وعلى الأرجح أن الفصائل كانت قد طورت تلك الإستراتيجية بناءً على مجريات معركة “وحدة الساحات” في آب/أغسطس الماضي.

إذ قادت “غرفة العمليات المشتركة” الأعمال العسكرية بشكلٍ موحدٍ، وتولّت التنسيق بين الكتائب العاملة على الأرض كافة، كما أدارت المسار السياسي بصفتها الهيئة التوافقية التي تتمثل فيها فصائل المقاومة المسلَّحة كافة، ومن الواضح أنَّه كان قد تم تنسيق الأدوار بين “سرايا القدس” و“كتائب عز الدين القسام”، الجناح العسكري لحركة “حماس”، فتولّت الأولى غالبية العمل الميداني، فيما قامت الثانية بتأمين الظهير والدعم غير المعلن في المعركة.

لقد نجحت هذه الإستراتيجية في حصر مساحة نيران العدو وشدَّتها، إذ لم يقم باستهداف البنية التحتية في القطاع، فعلى سبيل المثال، لم يقم العدو باستخدام تكتيك “أحزمة النار”، الذي كان قد لجأ إلى استخدامه في جولات قتالٍ سابقةٍ، فالقاعدة التي تمَّ تثبيتها ضمناً، قضت بعدم استهداف العدو للبنية التحتية المدنية في القطاع، في مقابل عدم دخول “كتائب عز الدين القسام” علناً في المعركة، ورمت الفصائل من وراء تنسيق الأدوار فيما بينها، إلى محاولة تحقيق أكبر قدرٍ من المكاسب السياسية، بأقل كلفةٍ على سكان القطاع المدنيين، وعلى بنيته التحتية، في ظل عدم تكافؤ القدرة النارية التدميرية فيما بينها وبين “جيش” العدو، فمن كان يتصور أن تصل المقاومة في غزَّة إلى هذا المستوى من الاقتدار الذي تستطيع معه دفع العدو إلى ضبط نيرانه؟

ويمكن سرد إيجابيات معركة “ثأر الأحرار” والملاحظات عليها على النحو الآتي:

- كان أداء فصائل المقاومة العسكري مميزاً في هذه المعركة، بدءاً من ضبط النفس عقب اغتيال القادة الشهداء في حركة “الجهاد الإسلامي”، وهدوء المقاومة الذي مارسته لمدة 36 ساعةً قبل مباشرة القتال، ما يشير إلى قدرة ضبطٍ ميدانيةٍ وتنظيمٍ متقدمين.

- نجحت “غرفة العمليات المشتركة” في التنسيق بين أذرع الفصائل المقاتلة كافة، وتمكنت من ضبط كثافة النيران، وحجمها وتوقيتها، وقد كان ذلك دليلاً على مدى قدرة التحكم والسيطرة اللتين وصلت إليهما فصائل المقاومة في غزَّة.

- أثبتت إستراتيجية توزيع الأدوار التي وظَّفتها “غرفة العمليات المشتركة”، بين “سرايا القدس” وبين “كتائب عز الدين القسام”، نجاعةً غير مسبوقةٍ في جولات قتالٍ سابقةٍ، وقد خدمت تلك الإستراتيجية سير المعركة من حيث تحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب، بأقل كلفة ممكنة على المدنيين والبنية التحتية للقطاع، إذ ساهم حُسْن توظيف هذه الإستراتيجية بصورةٍ ممتازةٍ في تعويض الفارق في القدرة النارية التدميرية، التي يمتلكها العدو بالمقارنة بما تمتلكه فصائل المقاومة الفلسطينية.

- نجحت الفصائل في تخطي الفخ الذي حاول الاحتلال نصبه لها حينما ركَّز على استهداف فصيلٍ بعينه دون سواه، محاولاً زرع الخلاف بين فصائل المقاومة، وضرب فكرة “غرفة العمليات المشتركة”، بل على العكس، تمكَّنت الفصائل من تحويل التحدي إلى فرصةٍ، عبر توظيف إستراتيجية توزيع الأدوار بين الفصائل المقاتلة بطريقةٍ فعالةٍ.

- لكن، يمكن القول بأن صيغة وقف إطلاق النار كانت فضفاضة وحمالة أوجه بما يتعلق بوقف الاغتيالات، ولا يبدو أنها قد حملت أي جديدٍ لمنع الاحتلال من تكرار جريمته، علماً بأن الاحتلال لم يلتزم يوماً بأي اتفاقٍ أو أي ضماناتٍ مكتوبةً كانت أم شفهيةٍ، فلا ضامن يردع الكيان المؤقت سوى القدرة العسكرية والجرأة على استخدامها.

- يُلحظ كذلك عدم شمول اتفاق وقف إطلاق النار أي بنودٍ تتعلق بما يسمى “مسيرة الأعلام”، التي ينوي الاحتلال تنظيمها في مدينة القدس المحتلة خلال الأيام القليلة القادمة، وأيضاً خلو الاتفاق من أي بنودٍ تشير إلى نيَّة المستوطنين اقتحام باحات المسجد الأقصى في تلك المسيرة الاستفزازية.

بناءً على هذا التقييم، تخرج المقاومة والعدو بالوضع نفسه الذي دخل به كلاهما المعركة من الناحية الإستراتيجية حتى اللحظة، فالعدو كان من بدأ إطلاق النار في هذه الجولة، لكنه لم يستطع تحقيق هدفه الرامي إلى ترميم قدرته الردعية المتآكلة. في المقابل، نجح العدو في توجيه ضربةٍ قاسيةٍ لقيادة “سرايا الجهاد” العسكرية، ما يعدّ إنجازاً لصالحه من الناحية التكتيكية.

أما فصائل المقاومة الفلسطينية، فلم تتمكن من إضعاف قدرة ردع العدو أكثر مما هي عليه إستراتيجياً في هذه الجولة، علماً بأن المقاومة لم تكن مطالبةً بتحقيق هذا الهدف، كونها لم تكن البادئة بإطلاق النار، بل كانت في وضعٍ دفاعيٍ بحتٍ.

لكن، من الناحية الأخرى، نجحت فصائل المقاومة في تحقيق مكاسب تكتيكيةٍ على صعيد إدارة المعركة، وعلى صعيد الأساليب القتالية المستحدثة التي اتبعتها في هذه الجولة، لا سيما إستراتيجية توزيع الأدوار بين “سرايا القدس” و“كتائب عز الدين القسام” ضمن “غرفة العمليات المشتركة”.

ختامًا، يجدر التنبيه إلى وجوب مراقبة الطريقة التي سينظِّم فيها الاحتلال “مسيرة الأعلام” في الأيام القادمة، وإذا ما كان المستوطنون بالفعل سيقتحمون باحات المسجد الأقصى، فما سيحصل في ذلك اليوم ستكون له انعكاساتٌ على تقييم نتائج معركة “ثأر الأحرار” الراهنة، أقلّه في عيون الحاضنة الشعبية للمقاومة.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 15 / 2342879

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات وقضايا   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 10

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28