] الاستراتيجية الفلسطينية.. فشل مسار وبناء آخر - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الثلاثاء 21 شباط (فبراير) 2023

الاستراتيجية الفلسطينية.. فشل مسار وبناء آخر

وسام ابو شمالة
الثلاثاء 21 شباط (فبراير) 2023

بناء استراتيجية وطنية شاملة قادرة على إنجاز الأهداف التحرّرية المرسومة، تتحقّق باستنهاض كل الطاقات الفلسطينية وكل الساحات في الداخل والشتات، على نحو يتم فيه تعريف دور كل ساحة في مواجهة العدو.

ارتبط مفهوم “الاستراتيجية” بفنون وخطط إدارة المعارك والحروب، ثم تطوّر ليشمل مختلف المجالات العسكرية والسياسية والاقتصادية وغيرها، ومن أبسط تعريفات الاستراتيجية أنها “مجموعة الأفعال التي تهدف إلى تحقيق الأهداف المرسومة”.

تعالج الاستراتيجية، قضايا مستقبلية تتأثر بعدد من المتغيرات في البيئة الاستراتيجية، كما أنها تخضع للتعديل والتحديث والتطوير أولاً بأول، وتأخذ بعين الاعتبار عدداً من السيناريوهات والبدائل والخيارات.

تشهد البيئة الاستراتيجية للقضية الفلسطينية تحولّات لافتة، على نحو يفرض على قيادة المقاومة الفلسطينية بناء وتطوير استراتيجية وطنية شاملة، بالنظر إلى التحوّلات الجارية، على نحو يؤدي لاستحضار تجارب الماضي (فشل استراتيجية المفاوضات والتسوية)، وتشخيص سليم للواقع (انقسام مجتمع العدو، البيئة الدولية والإقليمية)، والانطلاق إلى تحقيق الأهداف في المستقبل (دحر الاحتلال).

وذلك بالاستفادة من عوامل القوة (قدرات المقاومة في غزة، الثورة في القدس والضفة، إسناد محور المقاومة)، ومعالجة مواطن الضعف (الانقسام الفلسطيني، التطبيع)، والتغلّب على التحديات (الحصار السياسي والاقتصادي والعسكري) والاستثمار الأمثل للفرص (نزع الشرعية عن حكومة العدو الفاشية وعزلها)، من خلال تفعيل كل الأدوات المتاحة (المقاومة الشاملة)، لتحقيق الأهداف المرسومة (التحرير والعودة).

في ضوء مسارات الصراع مع العدو الإسرائيلي على أرض فلسطين، شهدت الاستراتيجية الفلسطينية تحوّلات بارزة نتج عنها صراع بين مشروعين، الأول استبدل الاستراتيجية الأم “الكفاح المسلح” لتحرير كل فلسطين، بخيار التسوية والمفاوضات لإنشاء دولة فلسطينية على حدود عام 1967، بينما استعاد المشروع الآخر استراتيجية المقاومة المسلحة بهدف تحرير فلسطين من البحر إلى النهر.

تبنت منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة حركة فتح، استراتيجية الكفاح المسلح لتحرير فلسطين عند نشأتها في ستينيات القرن الماضي، إلا أن الاستراتيجية الثورية تعثرت تدريجياً بعد نحو عقدين من انطلاقها، حتى توّجت بتوقيع قائد منظمة التحرير وحركة فتح الراحل ياسر عرفات على اتفاقية أوسلو عام 1993.

الأمر الذي اعتبر انقلاباً على الاستراتيجية الوطنية الفلسطينية، إلا أن بروز حركة حماس التي انطلقت بالتزامن مع الانتفاضة الفلسطينية عام 1987، كقوة رئيسية على الساحة الفلسطينية، إلى جانب قوى المقاومة الأخرى، تتبنى نهج المقاومة المسلحة، ولا تعترف باتفاقية أوسلو، شكّل بداية إعادة الاعتبار للاستراتيجية الثورية الفلسطينية، وللمشروع الوطني الفلسطيني الأصيل الذي انطلق على أساس تحرير فلسطين على أنقاض المشروع الصهيوني الكولونيالي، كما نص عليه الميثاق الوطني الفلسطيني، وليس ما نص عليه برنامج النقاط العشر أو قرار 242 أو اتفاقية أوسلو عام 1993 .

برغم أنه لا يمكن اعتبار مشروع حل الدولتين الذي تبنته م.ت.ف استراتيجية وطنية فلسطينية جامعة، إلا أن استمرار الاحتلال والعدوان والتهويد والاستيطان واستباحة القدس والمقدسات، وفشل مسار التسوية في إنجاز الحد الأدنى من الحقوق الوطنية، والقضم المتزايد من شرعية السلطة الفلسطينية ومكانتها الوطنية والشعبية، وقدرة المقاومة على تحقيق عدد من النقاط لصالح مشروعها مثل دحر العدو عن غزة عام 2005، وتحرير أكثر من ألف أسير في صفقة وفاء الأحرار/صفقة شاليط عام 2011، والمبادرة بمعركة سيف القدس دفاعاً عن الأقصى عام 2021، كلها عوامل أدت – إلى جانب عوامل أخرى – لبناء مسار آخر، واستراتيجية وطنية ثورية بديلة.

وهذه باتت تشكّل تهديداً استراتيجياً للعدو الإسرائيلي، الأمر الذي أدركته، مؤخراً، كوادر حركة فتح وقواعدها، على نحو أدى إلى انخراط مزيد من عناصر الحركة ومنتسبي الأجهزة الأمنية في المسار الثوري، عبر الانضمام للخلايا المسلحة في الضفة الغربية.

إن إصرار رئيس السلطة الفلسطينية على التمسك بخياري التسوية والمفاوضات، وعدم الإقرار بفشل مسار أوسلو في تحقيق الحد الأدنى من الحقوق الوطنية، والاستمرار في نهج التنسيق الأمني في ظل حكومة إسرائيلية يمينية فاشية، يشكّل تهديداً مؤقتاً، أمام الاستراتيجية الوطنية الصاعدة، لكنه، لن يعيق مسار المقاومة الشاملة وبناء استراتيجية ثورية وطنية قادرة على بناء اصطفاف وطني وازن، يهدف إلى ربط وتفعيل كل ساحات العمل الفلسطيني ودمجها في إطار مشروع مقاومة العدو حتى هزيمته ودحره.

إن بناء استراتيجية وطنية شاملة قادرة على إنجاز الأهداف التحرّرية المرسومة، تتحقّق باستنهاض كل الطاقات الفلسطينية وكل الساحات في الداخل والشتات، على نحو يتم فيه تعريف دور كل ساحة في مواجهة العدو، الأمر الذي يؤدي الى استنزافه وإضعافه في المجالات الأمنية والاقتصادية والقانونية كافة، وعزله ونزع الشرعية عنه.

إنّ التحوّل في البيئة الاستراتيجية المحيطة بالقضية الفلسطينية تفرض على قوى المقاومة أن تجيد الاستثمار الأمثل للفرص المتاحة، في ضوء انقسامات العدو الداخلية، والقضم من شرعية حكومة العدو الفاشية عالمياً، وأن تمضي في استكمال مسارات بناء استراتيجية وطنية شاملة، على نحو يشعل الحالة الثورية في القدس والضفة الغربية، ويعزّز الوعي الوطني في الداخل الفلسطيني المحتل وسبل مواجهة السياسات العنصرية والفاشية للعدو، ويراكم القوة العسكرية في قطاع غزة ويرفع من جاهزيتها لمواجهة كبرى مع العدو، ويستنهض فلسطينيي المنافي والشتات، والأمة وأحرار العالم لإسناد القضية الفلسطينية ومواجهة العدو ومصالحه في بلدانهم وتحمّل كلفة المواجهة.

إنّ نجاح مسار بناء الاستراتيجية الوطنية الفلسطينية يتطلّب استجماع كل الطاقات الفلسطينية أينما وجدت، وتحقيق وحدة فهم فلسطينية شاملة في ساحات الفعل الفلسطيني كافة، من خلال وضوح الهدف الاستراتيجي لكل أبناء وقوى الشعب الفلسطيني في الداخل والمنافي والشتات، والعمل بالوسائل المتاحة كافة في مواجهة العدو الإسرائيلي، وبذل الجهود ووضع الخطط والبرامج والمشاريع التي تؤدي إلى إضعافه على طريق إجهاض المشروع الصهيوني في فلسطين.

هذا الأمر يتطلّب تعريف الدور الذي يجب أن تقوم به كل ساحة في الداخل (القدس، الضفة الغربية، غزة، الداخل الفلسطيني المحتل)، والخارج ( دول الطوق ودول المنافي والشتات في العالم)، في إطار المشروع الوطني الفلسطيني التحرّري، مشروع التحرير والعودة.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 8 / 2342879

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات وقضايا   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

39 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 39

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28