نودع عاما طويلا وثقيلا، محملا بالأزمات من بحر الصين إلى سواحل القارة الأميركية الجنوبية مرورا بشرقنا الحزين، معظم هذه الأزمات بما فيها أزماتنا لم تجد حلا، وإنما مزيدا من التعقيد، وتم ترحيلها للعام الجديد ليضاف إليها ما هو مرشح لأن يستجد من أزمات.
أزمات فلسطين في العام المرتحل، كان أبرزها تراجع الوضع المالي للسلطة الفلسطينية، بسبب تراجع قدرات الدول المانحة المالية، والتي تسببت بها جائحة كورونا، ثم أزمة اللجوء والمهاجرين الذين تدفقوا عليها من كل حدب وصوب، وذلك بسبب الحرب الروسية الأوكرانية وما لحقها من ارتفاع أسعار النفط و تناقص توريداته للأسواق الأوروبية، لكن سببا آخر يفوق ما تقدم أهمية أن السلطة الفلسطينية بعد عقود ثلاثة من استنزاف المساعدات لم تستطع أن تقيم بنية إقتصادية أو خدماتية، ما يعني أنها ستبقى إلى ما شاء الله معتمدة على المساعدات الخارجية، فيما يرى مبعوثو هذه الدول الذين يزورون المناطق الفلسطينية مظاهر الثراء من سيارات فاخرة و منازل أنيقة، يقول مسؤول أوروبي رفيع لمن التقاهم، أنها مشاهد تذكره بدبي ودول البترودولار، وأن المواطن الأوروبي الذي يشارك في تمويل السلطة بضرائبه لا يستطيع أن يصل إلى هذه المستويات من الترف.
أعادت السلطة الفلسطينية و(إسرائيل) إحياء أحد بنود اتفاق أوسلو المنسية، والقاضي بتحويل أجور العمال الفلسطينيين الذين يعملون في سوق العمل الإسرائيلي عبر البنوك الفلسطينية لا نقدا كما جرت العادة، بل يدفع كل عامل من هؤلاء ما يزيد عن 25% من دخله الشهري مقابل الحصول على تصريح العمل، لكن ضعف الثقة بالسلطة أثار حفيظة العمال الذين يخشون من تغول السلطة على أموالهم باقتطاعات ضرائبية، ولدعم صناديق البطالة والمعونات الطارئة والضمان الاجتماعي وما إلى ذلك.
أزمة القدس وتهويدها وتقسيم المسجد الأقصى بين الفلسطينيين واليهود مكانيا وزمانيا، لا زالت تحتدم، فيما أخذت الجهات التي يفترض بها أن تقاوم هذا العدوان وعلى راسها السلطة الفلسطينية والفصائل والأردن صاحبة الوصاية الهاشمية بالانسحاب الصامت والتدريجي، وتكتفي هذه الجهات ببيانات التنديد والإدانة والحديث عن خطوط حمراء وهذا ما لا يقلق الإسرائيلي على قاعدة (الحكي ما عليه جمرك)، ولم يتبق للمسجد الأقصى من بواكي عليه أو مدافعين عنه إلا بعض الماجدات المقدسيات اللواتي يرابطن في المكان.
في حين تغيب السلطة الفلسطينية عن المشهد العام ويتراجع فعل فصائل المقاومة، مما احدث فراغا انتج وبرعاية من الجهاد الإسلامي تشكيلات مقاومة جديدة، بدأت في مخيم جنين ومحافظتها، وما لبثت أن انتقلت إلى نابلس ومناطق أخرى في شمال الضفة، أزعجت هذه التشكيلات (إسرائيل) ودفعتها لمزيد من العنف في محاولة قمعها، اتسمت ظاهرة الجيل الجديد بالشجاعة والقدرة على التضحية، وإن احتاجت إلى عقل سياسي يتناسب مع شجاعتها، هذا ما أحرج السلطة وفصائل المقاومة على حد سواء.
مشاريع المصالحة الداخلية لا تكاد تتوقف منذ عام 2007، إلا لتبدأ من جديد وتصل إلى ذات النتائج، في العام المرتحل كانت الجهود من حصة الجزائر التي بذلت جهدا جادا في موضوع المصالحة، وقامت بالتحضير لها بعناية وتم توقيتها قبيل افتتاح أعمال القمة العربية التي ترأس دورتها الحالية، تمسكت رام الله بشروطها السابقة، بأن تقبل غزة (حماس) بشروط الرباعية، مع العلم أن الرباعية نفسها لم تعد تتذكر شروطها وتريد أيضا إستلام غزة بالكامل، فيما ترى حركة حماس أنها لن تتخلى عن الإمساك بزمام الحكم في غزة وتريد فوق ذلك حصة بالضفة، وانتهت الجولة بالعناق والقبل والصور المشتركة فقط لا غير.
ينشغل الشارع الداخلي في أخبار وشائعات حول الصراع المحتدم بين أركان السلطة في رام الله وحزبها الحاكم (فتح)، حول موقع الرجل الثاني في السلطة والذي سيصبح الرجل الأول عند مغادرة الرئيس محمود عباس المشهد، والتي قد لا تكون بعيدة إن بسبب تقدمه بالعمر، وإن بسبب الإشارات التي تطلقها الجهات الإقليمية والدولية حول سيناريوهات اليوم الثاني بعد أبي مازن، وضرورة إيجاد القائد البديل مبكرا وتحسبا لأي مفاجآت، تريد هذه الأطراف قيادة جديدة لمرحلة جديدة، تترافق هذه الأخبار مع حرب التسريبات الصوتية لكبار المسؤولين التي يتناولون بها شخص الرئيس كما بعضهم البعض بمفردات غير لائقة، تثير الدهشة حول المستوى الذي وصلت اليه القيادة المتنفذة.
