] لماذا يعارض مؤيدون لإسرائيل اتفاقية الحدود مع لبنان؟ - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
السبت 22 تشرين الأول (أكتوبر) 2022

لماذا يعارض مؤيدون لإسرائيل اتفاقية الحدود مع لبنان؟

السبت 22 تشرين الأول (أكتوبر) 2022 par لميس أندوني

تمثل اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان إنجازا جديدا للمشروع الصهيوني في إجبار دولة عربية على ترسيم حدود نهائية. تقضم تل أبيب جزءا من المياه اللبنانية وجزءا مهمّا من ثروتها من الغاز الطبيعي، فتصبح محاولة السرقة قانونية، بل ويُحتفى بها... بالرغم من ذلك، هناك معارضة داخل إسرائيل وفي أوساط اللوبي الصهيوني في أميركا للاتفاقية التي يرونها نصرا للبنانيين، مع أن لبنان يتخلى عن حقل غاز مسروق لإسرائيل (كاريش) وجزء من حقل متوقع في قانا، لكن“كاريش” لا يعدّ كافيا إذا كان المطلوب تنازل لبنان عنه وعن كامل حقل قانا غير المستكشف طاقته ومخزونه بعد.

أحد أسباب الاستياء أن إسرائيل التي ترى نفسها المنتصرة دائما تعتبر التنازل عن أي شبر من أرض أو مياه عربية تحتلها خسارة لا تتناسب مع “انتصارها وهزيمة العرب” ولا مع مخطّطاتها. لنتذكّر هنا أن مقايضة إسرائيل حقل قانا مقابل الاحتفاظ بحقل كاريش (القرش بالعبرية) مجحفة، بل زائفة، فكلاهما في مياه لبنانية، لكن منطق القوة والمشروع الاستعماري لا يعترفان بحقوق دول أو شعوب.

ما أثار حفيظة بعض الصهاينة، كما عبّر عن ذلك أكثر من باحث في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، أقوى معقل للصهيونية في العاصمة الأميركية، أن إسرائيل وافقت على “التنازل” عن قانا، ما اعتبره هؤلاء تنازلا سياسيا وليس اقتصاديا فحسب، مع أن إسرائيل اشترطت تحصيل 17% من أرباح الغاز المستخرج في الحقل، إضافة إلى الموافقة المسبقة في كل مرة على عمليات التنقيب في حقل قانا، أي الاحتفاظ بحق الفيتو كل مرة وعرقلة التنقيب واستخراج الغاز.

تعكس هذه المعارضة في كتابات إسرائيليين درجة العنجهية التي تتعامل إسرائيل من خلالها مع العرب، وبخاصة بعد معاهدات السلام التطبيعية أخيرا، مستقوية بشكل خاص بالتحالفات الإبراهيمية. وثانيا لأن إسرائيل كانت تسعى إلى تطبيع كامل مع لبنان، بمعاهدة شاملة، مع أن ترسيم الحدود، بحد ذاته، وتغيير الحدود اللبنانية من خط 29 والتراجع إلى خط 23، هو تطبيع وشرعنة لاحتلال إسرائيل للمياه الإقليمية اللبنانية، وبالتالي، مساومة على حقوق لبنان واللبنانيين.

كما أن ربط التنقيب عن الغاز واستخراجه بموافقة إسرائيل تفتح الباب لشروط أمنية إسرائيلية وترهن حاجة لبنان من الطاقة، مستغلّة أزمة الكهرباء وأزمة بلد ينهار اقتصاديا، وتكملة ما بدأته إسرائيل، بدعم أميركي، في السيطرة على مصادر الطاقة ومشاريعها لدول عربية أخرى، أهمها الأردن، إذ جرى ربط موارد الطاقة في الأردن بالاقتصاد الإسرائيلي، فكل مشروع اقتصادي تطبيعي يصبّ في تسريع الهيمنة الإسرائيلية على المنطقة وتثبيتها، وإنشاء شبكة لمشاريع الطاقة تربط بين إسرائيل والدول العربية.

بالرغم من ذلك، يهلل عربٌ كثيرون، وبخاصة بين أنصار حزب الله، للاتفاقية، بوصفها تمثل انتصارا للبنان، لأنها تجنّبت اندلاع حرب، ولأن إسرائيل لم تحقق كل ما تريده، وهذا صحيح. ولكن ما حققته إسرائيل من شرعنة احتلالها مياها إقليمية لبنانية لا يمكن اعتباره انتصارا. وصحيح أيضا أن تهديدات حزب الله قد ساهمت في موافقة إسرائيل على احتفاظ لبنان بحقل قانا بشرط أن تأخذ نسبة من عائدات الغاز، ذلك أن أميركا تريد أن تتجنّب حربا أو ضربة إسرائيلية للبنان تعرقل حرب الغاز المستعرة بينها وبين روسيا.

وهذا كله لا يجعل من ذلك انتصارا، لكنه، في الوقت نفسه، يثبت أن أميركا تأخذ التهديدات على محمل الجد، حتى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، يئير لبيد، برّر قبوله الاتفاق بمحاولة تجنّب الحرب، وهذه رغبة أميركية، وهذا أيضا ما قاله الرئيس اللبناني ميشال عون. وهنا يجب أن نفرّق بين ما يقوله الأميركيون للحكومة اللبنانية عن ضرورة تجنّب الحرب، وهي بمثابة تهديد للبنان، لأن أميركا ستدعم إسرائيل في حالة قصفها لبنان، وما يعنونه حين يطلبون من إسرائيل تجنّب الحرب التي قد تفسد انتصارها في حرب غازٍ كونية، وعمليات التطبيع في المنطقة، إذ يهدف الضغط الأميركي على إسرائيل إلى ما تراه واشنطن من إنقاذ لمصالح إسرائيلية - أميركية مشتركة.

المخطط الأميركي لجعل إسرائيل منافسة لروسيا في تصدير الغاز، المسروق من الفلسطينيين، إلى أوروبا سبَق الحرب في أوكرانيا، ولذا احتفى وزير الطاقة الأميركي أرنست مونيز بتوقيع اتفاقية الغاز بين الأردن وإسرائيل في عام 2016، إذ وضعت إسرائيل على خريطة مصدّري الغاز في العالم، لكن الحرب في أوكرانيا، وبخاصة انتصارات روسيا العسكرية في بدايتها، دفعت واشنطن إلى الضغط بتسريع التوصل إلى اتفاقية ترسيم الحدود البحرية اللبنانية، خصوصا أن وصول الدور إلى يئير لبيد، المقرب بشكل خاص من واشنطن، في رئاسة حكومة الائتلاف الإسرائيلية، خلفا لنفتالي بينت، مكّن واشنطن من الضغط على تل أبيب، للتوصل إلى “مساومة”، لم تحقق كل الأطماع الإسرائيلية.

النتيجة أن موافقة لبنان على “ترسيم الحدود” تمثل خرقا جديدا تحقّقه إسرائيل وأميركا لمنظومة مواجهة التطبيع، والتفرّد بكل بلد عربي على حدة، فاللبناني يريد الكهرباء ولا يجدها، والأردني يحتاج الطاقة، ولا معين عربيا أو دوليا إلا بشروط، فهل تكرّ مسبحة رفض التطبيع؟ المسألة لا تنحصر فيما قبله لبنان، والأهم ما وافق عليه حزب الله، فالخوف القادم من أن تُضعِف الاتفاقية مقاومة التطبيع في لبنان، وتجد من يستقوي بها للمجاهرة بالدعوة إلى التطبيع، وما قد يرافق ذلك من تصعيد ومن تحريض عنصري ضد الفلسطينيين والمخيمات الفلسطينية.

فمهما صرح الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، عن أن الوضع ما قبل الاتفاقية وما بعدها مختلف. في النهاية، وافق حزب الله على الاتفاقية، حتى لو فرضنا أنه أسهم في دفع إسرائيل إلى التسليم بحصّة لبنان في قانا، فبعضهم سيبدأ الترويج إلى أن إسرائيل تنقذ لبنان، بعد أن جرى تجويعه بتواطؤ غربي، واستهتار النخب المتنفذة. وهذا ما كنا نخشاه في الماضي؛ أن تنهار الدول العربية وتتخذ إسرائيل تحت ضغوط أميركية دور “المنقذ”، فعملية “كيّ الوعي” مستمرّة، وتغذّي الشعور بالهزيمة والاستسلام.

ولكن لا بد من وضع الأمور في نصابها، بدلا من الدخول في جدل واصطفافات بين مرحِّب بالاتفاقية نموذجا لانتصار للمقاومة وتوظيفها في “خردقة” منظومة مواجهة التطبيع، والفرز بين مؤيد لإيران وحزب الله ومعاد لهما. يجب الانتباه والتفكير بعمق فيما حدث، فاستفراد إسرائيل بكل شعبٍ على حدة هو الخطر الحقيقي على الجميع.

في مقال له في موقع معهد واشنطن، يكتب دايفيد شينكر، المساعد السابق لوزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط، إن لبنان انتصر، فهو يعتبر أن لإسرائيل الحق في كل أرض احتلتها، ولذا فإنه يرى في الاتفاقية “تنازلا مؤلما” لإسرائيل، فهذا هو المنطق الذي ترتكز عليه السياسة الأميركية في رعايتها مفاوضات السلام العربية - الإسرائيلية، وعلى العربي القبول والابتهاج..

لكن، لا يحق لشينكر أن يحدّد لنا ما هو العدل والانتصار، فهو يريد لإسرائيل كل شيء؛ الطريق طويلة ويصنعها أبطال جنين ونابلس وشعفاط، وكل أسير وشهيد.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 35 / 2342879

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

27 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 27

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28